شوايل و المقريف: استقالة لحفظ ماء الوجه في زمن النكران؟!

شوايل و المقريف: استقالة لحفظ ماء الوجه في زمن النكران؟!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

ليبيا التي قدم أبناؤها أنفسهم فداء لها منذ ان تشكلت الجماعات وظهرت الدول, ليبيا التي ترسَمت بحدودها الجغرافية والتاريخية على مر العصور, ليبيا أجدها اليوم تئن تحت وطأة جور من بعض أبنائها الذين استهوتهم رائحة الدم والبارود فاتخذوا من أصوات البنادق والمدافع والدبابات  نشيدا يرددونه كلما أطلقوا العنان لغرائزهم  نحو تحقيق غايات مادية رخيصة تكرس الأنانية والمصلحة الفردية وتؤجج روح الحقد والضغينة بين الإخوة في الأرض والدين.  هل هذه ليبيا التي ورثناها عن الإباء والأجداد قيمة حضارية تسمو بالنفوس الى ذرى المجد وعشنا على ترابها وترعرعنا فيها نباتا طيبا أصله ثابت وفروعه في السماء؟! هل هذه ليبيا التي طالما حلمنا ان تكون في مصاف الدول المتقدمة وان يعيش أبنائها في عزة وشموخ؟!..بل كنا نأمل أن تمتد ظلالها لتشمل الآخرين على امتداد هذا العالم الفسيح. هل هذه ليبيا الإيقونة التي نعشقها والمعزوفة التي تطرب لها قلوبنا رقصا والأنشودة التي ترددها الألسن وتزهو بها الخواطر طربا وعشقا لا حدود له!

لعل اغرب ما في الأمر ان يتنكر الأبناء لامهم! أو إن تنفر الأم من أبنائها! لكن الأغرب من ذلك كله أن تجبر الأم على نكران أبنائها تحت التهديد والوعيد وان تكره بقوة السلاح على النفور من أبنائها  الذين عشقوها وأحبوها وخدموها بكل تضحية وفداء! لم أكن أتوقع أن أعيش لحظة هذا المشهد المأساوي عندما يخذل البعض وطنه بدون حياء!  فيجبره على ان يعيش منفصلا عن الكثير من ابنائه بين مهجر في الداخل ومشرد في الخارج! عندما يتجسد ذلك واقعا حيا امام ناظرينا لن يكون ضربا من ضروب الخيال أو مساقا قصصيا أو مسرحيا تجود به قرائح الأدباء والكتاب حين يعبرون بشطط مفرط!  بكل صراحة ومسئولية أقول إن ليبيا اليوم أضحى يتلاعب بمصيرها من لا خلاق ولا ضمير لهم وتلك لعمري المصيبة الكبرى, ماذا أقول عن وطني الآن وهي كالسفينة المخطوفة تتلاعب بها أمواج البحر العاتية تحت رحمة قراصنة عتاة يمتشقون السلاح و يتنفسون رائحة البارود , ويتلذذون حين يخترق الرصاص أجساما طرية من أبناء هذا الشعب! ويرقصون مجونا حين تشتعل النيران ويتصاعد دخانها من ممتلكات الشعب العامة والخاصة! يا الهي الى متى هذا الفجور والفسوق والعصيان وكل أفعال الرذيلة في حق ليبيا المخطوفة الأسيرة!

تتزاحم الكلمات والعبارات ويتلعثم اللسان من هول ما يسمع ويرى من فضائع الطغاة الجدد ! ولا نقوى إلا على قول كلمات على صفحات الذاكرة نجد فيها بقية من عزاء لهذا الشعب المكبلة إرادته بقوة الحديد والنار من فعل أبناء جلدته!. ارحمونا أيها العقلاء اذا هناك بقية من عقلاء, ارحمونا وأدركونا بشربة ماء من نبع الحقيقة الصافي لعلها توقظ فينا الضمير فننتبه إلى خطورة الأمر! لنقول معا بصوت عال لا للتنكر للمخلصين الشرفاء من أبناء الوطن! قولوا نعم للإنصاف وللحق وألف لا للظلم! امسحوا عارا فرض علينا بقوة السلاح ليسجل التاريخ بان ليبيا قد إصابتها رذيلة نكران الجميل لمخلصيها وشرفائها من أبنائها ولذلك يتم معاقبتهم بدلا من تكريمهم! فيعزلون ويقصون !

ماذا سيسجل التاريخ ويقول عن استقالة بالإكراه لاثنين من أبناء الوطن قدموا ما عندهم ولم يكونوا من الطامعين الفاسقين.. فتعففوا في زمن لا عفة فيه وأعطوا بغير من في زمن انعدم فيه العطاء! ماذا ستقول الأجيال القادمة عنا نحن الذين رضينا في خنوع ان يتسيَدنا الأفاقون من ذوي النفوس المريضة المحترفون للشر المتخذون من الحقد الأسود شريعة ومنهاجا!؟ هل يستفيق الشعب المملوء رعبا وخوفا وينتفض من جديد ليطهر ليبيا من أدران تلكم الثلة الفاسدة المفسدة التي عاثت وتعيث في الأرض فسادا وإفسادا؟! إلى متى يستمر الصمت الشعبي وهذا الخنوع إلى متى؟! هل انعدم الوفاء وسادت روح النكران وبلا حياء!  سيدرك الليبيون ولكن بعد فوات الأوان قيمة الرجال المخلصين وسيتحسر الكثير على ما آل إليه الأمر في ليبيا  وعندئذ سيدرك الجميع قيمة الوفاء لمن يستحقه, وان نكران الجميل رذيلة تمقتها الأديان والشرائع والأعراف, لأنها  إن وجدت في قوم, فقد ضاعوا وضاعت شمائلهم وضيَعوا بوصلة الوطن!.  لقد كان لزاما من باب حساسية المرحلة ومن باب الوفاء والاعتراف بفضل الآخرين ان يتم استثناء من يتقلدون وظائف في المؤتمر الوطني أو الحكومة من قانون العزل السياسي مؤقتا الى حين انتهاء المدة المحددة والتي لم يتبق منها الا بضع شهور! لكن حينما يملآ الحقد الأسود القلوب تعمى البصائر فلا مندوحة من الوقوع في المحظور! أدعو الله ان يحفظ ليبيا ويمكنها من تجاوز محنتها اللهم أمين.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً