رسالة إلى غسان سلامة

رسالة إلى غسان سلامة

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

حضرة السيد المبعوث الأممي لدى ليبيا/ غسان سلامة المحترم

بعد التحية والاحترام..
مضى قرابة عام كامل على توليكم مهمة معالجة الملف الليبي الذي تعصف به رياح الفوضى منذ حوالي 8 سنوات متتالية، ولقد تأملنا في قدومكم خيرا خاصة وأنكم قد بدأتم اعمالكم بشحنة من التفائل بقدرتكم على حلحلة المشكل الليبي وايجاد مخرجا مناسبا لها، من خلال تقديمكم لخارطة طريق واضحة المعالم، وقد قمتم بمجهودات رائعة من خلال زياراتكم ومقابلاتكم للكثير من الشخصيات الليبية سواء على المستوى الرسمي او الشعبي وتجولتم في مدن ليبية كثيرة فأقتربتم أكثر من واقع حال الليبيين وبالتأكيد تكونت لديكم فكرة عامة وواقعية لحيثيات الملف الليبي المختلفة والمعقدة..

السيد/ غسان سلامة المحترم
والآن بعد هذه الرحلة المضنية من العمل والسفر، ندرك انكم أكثر فهما للشأن الليبي، وقد وصلتم الى نتائج تساعدكم في تشكيل رؤيتكم المستقبلية أكثر وضوحا، ونعتقد أنكم قد اكتشفتم الكثير من المتناقضات، والكثير من الحقائق التي ربما كانت غائبة او مغيبة، ومساهمة مني كمواطن ليبي بسيط في تقديم شيء ربما يضيف او يفيد في الجهود الرامية الى حلحلة الوضع الليبي فإني ادعوكم للإحاطة بما يلي:
إنه بالنظر الى تضحيات الليبيين ومقاومتهم لجميع مظاهر الاحتلال التي استهدفتهم على مر التاريخ، ورفضهم القاطع لأي تدخل أجنبي في شئونهم، فقد استحقوا أن تكون لهم دولة مستقلة ذات سيادة بحدودها الرسمية المتعارف عليها وهو ما أكدته هيئة الأمم المتحدة حين قررت منح ليبيا الاستقلال عام 1951 بعد التصويت على ذلك في مجلس الأمن ، هذا الأمر لاشك أنه يشكل التزاما ادبيا وقانونيا على الأمم المتحدة بالمحافظة على كيان هذه الدولة، وسلامة وأمن مواطنيها، وصون سيادتها على حدودها البرية والبحرية.
أنه لولا تدخل الأمم المتحدة من خلال تفويضها لمجلس الأمن، والذي بناء على ذلك اوكل مهمة التدخل العسكري لحلف الناتو بذريعة حماية الليبيين من بطش النظام السابق، لما وصلت الاوضاع في ليبيا الى هذا الحد من الفوضى والتردي أمنيا واقتصاديا وسياسيا، لكن المؤسف هو أنه بعد ان تم اسقاط النظام السابق تركت ليبيا عرضة لفوضى السلاح وانعدام الأمن وعدم الاستقرار.
إن مشكلة تهريب المهاجرين عبر ليبيا الى اوروبا لا يمكن حلها بأي اجراءات مهما بلغت شدة صرامتها، الا من خلال اعادة هيبة الدولة الليبية أولا، وبسط شرعيتها على كل اراضيها وحدودها وهي كفيلة بذلك لو ساعدتها الأمم المتحدة بجدية وحياد.
ان اتباع سياسة التعامل مع كل الاجسام السياسية المتوازية في ليبيا حاليا هو سرالفشل الذريع، ولذلك ينبغي على الأمم المتحدة أن تحسم أمرها وتقف الى جانب الحق وما هو صحيح بقوة القانون دون مجاملة، وان تعلن بوضوح عن موقفها مع طرف واحد يمثل كل الليبيين، وتلزم بعد ذلك كل اعضائها من الدول بالاعتراف به وحضر التعامل مع غيره نهائيا
أن الغالبية العظمى من الشعب الليبي غير مؤدلجة دينيا او سياسيا ، فالليبيين شعب بسيط يطمح ان يعيش حياة بسيطة ولكن كريمة، وفقا للإمكانات التي اتاحها الله لليبيا، وأن القلة هم اصحاب الاجندات الذين للأسف يسيطرون الآن على مفاصل الدولة من خلال اجسامها “الشبه رسمية” مثل البرلمان والرئاسي ومجلس الدولة والحكومة المؤقتة، وأن الأغلبية من أعضاء هذه الأجسام محايدون سلبيون، وغرضهم فقط الحرص على ميزات المواقع من مرتبات ومهايا!
ان حقيقة الصراع في ليبيا وإن حاولوا إخفائها فهي بين طرفين : طرف يؤمن بالديمقراطية والدولة المدنية والتداول السلمي على السلطة من خلال صناديق الانتخابات، وطرف يرفض ذلك ويؤمن فقط بدولة الحاكم المطلق أوالأمير او الخليفة أو المرشد.

السيد/ غسان سلامة المحترم
وبالنظر لما ذكر أعلاه فإني أرى ان حل المشكل الليبي يكمن في إتخاذ الأمم المتحدة الخطوات اللازمة التي تنهي الأزمة خلال فترة وجيزة قد لا تتجاوز بضعة شهور وتتمثل فيما يلي:

عقد الملتقى العام الجامع خلال مدة اقصاها نهاية شهر سبتمبر2018م والذي يشمل كل اطياف الليبيين دون تمييز من خلال ممثلين عن ( كافة المكونات الاجتماعية للشعب الليبي – أنصار فبراير – أنصار سبتمبر ) ويتم فيه الاتفاق على ما يلي:-
اقرار تفعيل قانون العفو العام الصادر عن مجلس النواب اعتبارا من تاريخ انعقاد الملتقى ، وإلغاء مايسمى بالعزل السياسي
اعتبار مسودة الدستور التي اعدتها لجنة الدستور الحالية دستورا مؤقتا يستوجب اعادة النظر فيه بعد مضي 4 سنوات
اقرارالاستفتاء على الدستور المؤقت قبل الانتخابات
اجراء انتخابات برلمانية في موعدها المحدد مع شهر ديسمبر 2018م وتسليم السلطة التشريعية للبرلمان الجديد الموحد والغاء كل الاجسام السابقة (النواب + مجلس الدولة)، يكون مقره في بنغازي ويتولى البرلمان الجديد اختيار رئيس حكومة جديد يختار حكومته وتستلم فورا السلطة التنفيذية ويكون مقرها في طرابلس والغاء الحكومة المؤقتة والمجلس الرئاسي.
اقرار اجراء انتخابات رئاسية بعد مباشرة الحكومة الجديدة مهامها بمضي ستة شهور كحد أقصى
اقرار الاستعانة بقوة حفظ سلام دولية (القبعات الزرقاء) يفرض بها الأمن في العاصمة طرابلس لمدة سنة واحدة يتم فيها نزع اسلحة الميليشيات المختلفة بطريقة تتدرج من التسليم الطوعي بحوافز الى المصادرة وبالتالي تنظيف العاصمة من كافة المظاهر المسلحة الغير خاضعة للسلطة الرسمية الشرعية
الشروع في خط موازي ببناء الجيش الوطني من خلال تحديد معسكرات معينة يتم فيها تجمع افراد الجيش الرسميين من مختلف المراتب والذين مصروف لهم ارقام عسكرية قبل أحداث 2011م، ويتم من خلالهم إعادة تأهيل من يرغب في الاستمرار في الجيش من المسلحين الحاليين، وتدريب دفعات جديدة وفقا للمواصفات العسكرية الدولية من خلال خطة تكفل تخرج اعداد كافية لاستلام زمام الأمن من قوة حفظ السلام
حل كافة التشكيلات المسلحة في المنطقة الشرقية والغربية والاعتراف فقط بكتائب الجيش الوطني الرسمية التي يتمتع افرادها بأرقام عسكرية قبل 2011 بالاضافة للدفعات التي تخرجت وتلقت التدريب العسكري اللازم وفقا للمواصفات العسكرية المعمول بها دوليا .

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً