السُلطة المفقُودة

السُلطة المفقُودة

يؤمنُ ميكافيللي بأنّ صاحب السلطة مخوّل باستخدام كافة الوسائل لتحقيق الديمومة لعرشهِ ولو عنيَ ذلك أن يضربٓ بحقوق الرعيّة عرضٓ الحائط وحشو أدمغتهم بحججٍ قد تمتص حنق البعض لكنّها بلا ريب لن تكفي لإخماد براكين التذمُر والتظلُم، ومثل هذه الأفكار نجدها بوضوحٍ جليّ قد تجذرت بشكلٍ مروّع في أعماق أناس دخلوا التاريخ من أبوابهِ الضيّقة كهتلر ولينين، وصُنّفت على أنها مرجعٌ لابد من العمل به في أبسط التفاصيل، وقد تسببٓ ذلك في نهاية المطاف بإضاعة المفهوم الفعليّ للسُلطة لتحل عوضاً عنه مفاهيم فضفاضة صيغت من مبادئ فردية وانبثقت من تجاربٍ شخصية.

ضياع المفاهيم بهذا الشكل الساذج يُغذي التزمُت الفكريّ ويعزز قيمة بناء صرحٍ شخصيّ يروّج لما يُراهٓنُ عليه على أنه حقٌ لا خلل فيه، وأن احتمال وقوع هذا الحق في وادٍ قد يغيّر من خصائصه ضئيلٌ للغاية، مما يقود إلى اعتناق مذهب مغاير يقوم على العنصر الديكتاتوريّ، الفكر الذي لن يُشبع سوى نزوات الحاكم وحاشيتهِ، وإذا حدث أن قُمنا بدراسة وفقاً لذلك لكل فلسفةٍ يبني عليها حاكم اليوم سياساته تجاه شعبه ودولته لوجدناهُ غارقاً في هذا الوحل حتى لو بدا ظاهره برّاقاً بالوفاء فإنّ ما يخبئهُ في نطاقه السريّ سيطفو يوماً إلى السطح وسيُبرز وجهه الحقيقيّ. السلطة في عمومها أداةٌ قيادية فعالة تتجرد من أي فكر وتقوم على تقدير صلاحياتها والإلمام بمدى أهميتها للرعية وتأثيرها في مسار حياتهم، فكرة أن تحيد عن هذا الجوهر ستشوّه قيمتها و وستقطع صلة الجهات العليا بشرائح المجتمع وهو ما وقعت في فخه الدول العربية التي غدت تتربع على عرش هذا الفكر المتذبذب.

لابد بطبيعة الحال أن ننظر لجوهر السلطة قبل تأثرهِ بالتيارات الثورية التي اندلعت عبر التاريخ والتي أبرزت فكر الحاكم واستجاباته لما يواجهه من عراقيل والتجاوب معها بما يندرج تحت غطاء السلطة والتي تبدو غالباً غير مستساغة، ذاك الجوهر الذي بُنيٓ أساساً على منفعة الناس وقضاء حوائجهم بعدلٍ وحزمٍ شديديّن لا يخلوان من رحمة تبعث في القلب الامتنان، الجوهر الذي يجابهُ فقاعة وعودٍ واهية تبغي احتواء الرعية بلا آمال واعدة. إنّ إدراك ماهية هذا الجوهر والالتفاف حوله كمصباحٍ ينير الدروب سيقود الحاكم ورعيتهِ إلى بر التفاهم العميق والقائم على العطاء المتبادل بلا غِلظة أو خشونة وسيحقق رفعةً مجتمعيّة مفعمة بالود، قد تكون هذه الفكرة متعارضة تماماً مع مجد الدول الديكتاتوريّة الذي ذاع صيتها بالدم وتكميم الافواه لكنّها تصحح مساراً اُضطُهدٓ و اُضطُهِدَتْ معه آراءٌ خالفت أفكار ميكافيللي حول السلطة بكل جرأة وآمنت بجوهر السلطة السليم الذي طُبق بحذافيره عندما استقرّ رسول الله ( صل الله عليه وسلم) في المدينة بعد هجرةٍ حملت في طياتها دروسٌ ثمينة وأقام فيها دولة على أسسٍ خالدة بخلود التاريخ.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً