هل تتخذ الحكومة إجراءات مؤلمة لمنع تفكك البلاد

str-ly.com_1376237543_892

(وال): يسود الشارع الليبي جو من الاحتقان غير المسبوق بعد أول مواجهة فعلية بالسلاح في طرابلس بين متظاهرين سلميين وكتائب مسلحة تنتسب للثوار أسفرت عن عشرات القتلى ومئات الجرحى وأعادت إلى الذهان إطلاق كتائب الدكتاتور القذافي الرصاص الحي من البنادق الرشاشة والمدافع المضادة للطائرات المثبتة على سيارات الدفع الرباعي، على صدور المتظاهرين السلميين الذين هتفوا لأول مرة منذ أزيد من أربعة عقود مطالبين بالحرية والإصلاح.

وكان حشود من الليبيين خرجوا عقب صلاة الجمعة أمس الأول رافعين علم الاستقلال والرايات البيضاء كدليل على سلمية تحركهم ولافتات تطالب بتفعيل الجيش والشرطة وإنهاء كل تواجد مسلح خارج سلطة الدولة، وتجمعوا أمام مسجد القدس قبل أن يتوجهوا إلى حي غرغور حيت تتواجد إحدى الكتائب المسلحة المنسوبة لمدينة مصراتة. إلا أنهم وجهوا بوابل من الرصاص بحسب روايات المتظاهرين ما أدى إلى سقوط أكثر من 45 قتيلا و400 جريح بحسب الإحصائيات الرسمية الأولية.

وتبادل الفريقان الاتهامات حيث أكد العديد من النشطاء السياسيين الذين شاركوا في المظاهرة في مداخلات عبر وسائل الإعلام المختلفة أن العناصر المسلحة المتمركزة في حي غرغور أطلقوا النار مباشرة على صدور المتظاهرين العزل دون سابق إنذار، في حين أشار بعض أفراد هذه المجموعة إلى أن عناصر مسلحة تسللت بين المتظاهرين هي من بادرت بإطلاق النار.

غير أن الصور التي نقلتها بعض الفضائيات وتلك المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تويتر وفيسبوك، والتي لم يتسن لوكالة الأنباء الليبية التأكد من صحتها، أظهرت أفراد من الكتيبة المسلحة وهم يطلقون النار مباشرة من أسلحتهم الرشاشة على المتظاهرين الذين كانوا يرفعون علم الاستقلال والرايات البيضاء. وأجمع كافة الذين استطلعت وكالة الأنباء الليبية آراءهم بشأن هذه المأساة على إدانة إطلاق النار على المتظاهرين من أي جهة كانت مؤكدين أن هذا التصرف الذي وصفوه “بالإرهابي وغير المسؤول” يعيد بليبيا إلى المربع الأول ما قبل ثورة 17 فبراير ويخلق بدل الطاغية الواحد طغاة متوحشين وأشد ضراوة على الشعب الليبي.

وقال الأستاذ الجامعي، عمر أبو القاسم، إنه لا يرى أي حل آخر سوى خروج كل التشكيلات والكتائب والميليشيات المسلحة من طرابلس وسائر المدن الليبية وتسليم أسلحتهم للدولة. وأضاف أن هذه المجموعات المسلحة تمارس ضغوطا متواصلة على المؤتمر الوطني العام والحكومة لإعاقة بناء الدولة حفاظا على مصالحها والمتمثلة أساسا في نهب المال العام فقط لا غير. وأشار في الخصوص إلى أن تأكيد أحد قادة كتيبة غرغور” في تصريح بثته إحدى القنوات الفضائية “بأنهم لن يتركوا طرابلس قبل كتابة الدستور وإقراره” يؤشر على وجود نية لدى هؤلاء بفرض دستور بالقوة على الليبيين يخدم مصالحهم وهو أمر قال “إنه خطير جدا”.

من جهته دعا محمد على الهادي، طبيب أسنان (34 عاما) والذي كان ينتمي إلى أحد التشكيلات المسلحة التي شاركت في تحرير طرابلس من قبضة كتائب القذافي وعاد إلى ممارسة عمله في نهاية 2012، هذه الكتائب للانصياع لرغبة الشعب الليبي مشيرا إلى أن الوقائع على الأرض تؤشر إلى وجود نية لخلق دكتاتوريات قبلية ومناطقية وجهوية وحزبية ستكون كارثة على البلاد. ووصف الكاتب الصحفي محمد الرحيبي ما جرى في طرابلس يوم الجمعة الماضي بأنه “جريمة متكاملة” سببها تضخم “الأنا القبلية” عند بعض القبائل التي كان لها دور في ثورة 17 فبراير . ويرى الرحيبي أن مواقف المؤتمر الوطني العام والحكومة المؤقتة والتصريحات المتضاربة تبعث عن الاستغراب وتثير العديد من التساؤلات بشأن قدرتهما إدارة مرحلة ليبيا ما بعد الثورة والوصول بها إلى بر الأمان.

وحمل ناجح الطاهر، محامي وناشط حقوقي (45 عاما) رئيس الحكومة السيد علي زيدان مسؤولية تردي الوضع الأمن في ليبيا وقال “صحيح أن السيد زيدان ورث وضعا كارثيا من الأصل إلا أنه وقع في خطأ محاولة إرضاء كافة الأطياف سواء من الميليشيات أو القبائل أو الأحزاب دون أن ينحاز إلى مصلحة الدولة والليبيين”. وأضاف أن الحكومة الليبية باستطاعتها فرض سلطة الدولة إلا أنها مترددة وخائفة وتنقصها الخبرة، بحسب قوله، موضحا في الخصوص أن “تغول” الكتائب والمجموعات القبلية يمكن التعامل معه وإعادة الأمور إلى نصابها بأن تجبر المسؤولين المحليين في هذه المدن على التعامل مع قنوات الدولة الشرعية ومنع هيمنتها على المرافق السيادية مثل النفط والماء والمطارات والموانئ والحقول.

وأكد الكاتب الصحفي بشير عبد السلام أن غالبية الشعب الليبي تطالب بتطبيق القرار 27 الصادر عن المؤتمر الوطني العام بإنهاء أي تواجد مسلح خارج الشرعية، على كافة التشكيلات المسلحة دون استثناء. وأضاف أن الانسحاب المتزامن لكافة الكتائب والتشكيلات والميليشيات المسلحة من العاصمة هو الحل الواقعي بحيث لا يشعر أي تشكيل بأنه هو المستهدف. وشدد عبد السلام على ضرورة أن تعمل الحكومة على إيجاد آلية للانسحاب تتمحور بالأساس حول منع أية تشكيلات من الخروج بأية آليات أو أسلحة ثقيلة لأن ذلك يعني التمركز في مكان آخر.

وفي الوقت الذي خيمت فيه أجواء الحزن على ليبيا التي دفنت ضحايا المجزرة التي شهدتها طرابلس بعد أن استيقظت السبت على وقع الذهول والصدمة، يبدو أن الحكومة المؤقتة حزمت أمرها بعد نوع من التردد فقالت في بيان لها “إن قتل الليبيين جريمة لابد أن يسأل عنها الفاعلون وكذلك أي قائد أمر بالقتل أو يسمح بقتل الليبيين في ليبيا الجديدة”، مؤكدة أنها “لا يمكن أن تسمح لهذا الأمر بالمرور”. واعتبرت الحكومة “أن خروج الكتائب المسلحة من طرابلس ودون تأخير مسألة محسومة من قبل الشعب الليبي وعلى قادة هذه الكتائب الامتثال لإرادة الشعب”، مؤكدة أنها “تباشر إجراء الاتصالات والترتيبات اللازمة بحيث لا يكون هناك إلا قوات نظامية متمثلة في الجيش والشرطة فقط دون غيرها”. من جانبها أوضحت وزارة الداخلية ” أنها قامت بتوثيق الأحداث بالصورة التي أظهرت أن المتظاهرين لم يكونوا في الأساس مسلحين بما يمكن أن يبرر إطلاق النيران”.

ولا يزال الليبيون اليوم الأحد يعيشون واقع الصدمة حيث تعطلت معظم المصالح في البلاد إلا أن مشاعر القلق تبدو واضحة على الجميع خاصة وأن ردود الأفعال قد تكون عنيفة في حالة انفلات الأمور ما يهدد سلامة ليبيا وأمنها ووحدتها ” ومن هنا تبرز الحاجة الملحة لتتخذ الحكومة كافة الإجراءات وإن كانت مؤلمة لمنع تفكك البلاد.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً