ليبيا … الإبن الضال لم يعد

محمود جبريل في قصر الإليزيه في باريس (أ.ف.ب)
محمود جبريل في قصر الإليزيه في باريس (أ.ف.ب)

هشام الشلوي – العربي الجديد

خرج رئيس المكتب التنفيذي السابق في ليبيا، محمود جبريل، في لقاء على قناة العربية، هدد فيه بالكشف عن حقائق، تبرئه مما نسبه إليه موالون للواء المتقاعد خليفة حفتر من أنصار عملية الكرامة، وحصر جبريل اتهامات لأنصار العملية المذكورة له في ثلاثة محاور رئيسية: اتهام جبريل وحزبه، تحالف القوى الوطنية، بمعارضة تشكيل مجلس عسكري داخل مجلس النواب المنحل. اتهام جبريل بأنه حاول الوشاية والزج بحفتر عن طريق الأميركان ووضعه على قوائم الإرهاب. اتهام عملية الكرامة عن طريق قناة ليبية اسمها “الكرامة”، تبث من القاهرة، جبريل بأنه يعرقل تشكيل الجيش الليبي.

ومنح محمود جبريل اللواء المتقاعد حفتر مهلة أسبوعين، للخروج إعلامياً، وتبرئته من هذه الاتهامات أو تأكيدها، وإلا سيخرج على قناة الدولية التي يملكها رجل الأعمال الليبي، عبد المجيد مليقطة، وأحد أبرز قيادي حزب تحالف القوى الوطنية، للكشف عن حقائق لم يعرفها الليبيون من قبل، وأعلن استعداده للمثول للمحاكمة في حال ثبوت التهم عليه.

وكان جبريل، في لقاء سابق وعلى قناة العربية أيضاً، قد أضفى شرعية على عملية الكرامة، مستنداً إلى تبني مجلس النواب المنحل لها، وأن المجتمع الدولي ليس قادراً إلا على التعامل مع عملية الكرامة، وقائدها حفتر، بسحبها ضمن المنظومة الشرعية للدولة، منطلقاً من فكرة مفادها بأن المجتمع الدولي يعترف بمجلس النواب الليبي جسماً شرعياً ممثل للشعب الليبي.

ووقع جبريل في فخ المتناقضات، فيما يتعلق بالنقطة السابقة، فهو لم يعرّج على حكم المحكمة العليا الليبية، الذي قضى بعدم دستورية مجلس النواب، من خلال عدم دستورية نص في مقترح لجنة فبراير، ولم يحاول تفكيك متناقضات المجتمع الدولي التي خضع لها هو في حديثه، فإذا كان المجتمع الدولي غضّ الطرف عن عملية الكرامة، واعتبرها تحظى بشرعية، لأن مجلس النواب تبناها، وحظيت بدعمه، فلماذا، الآن، لم يعترف المجتمع الدولي بحكم المحكمة العليا الليبية.

أظن أن جبريل يعي حساسية الاعتراف الدولي بحكم المحكمة العليا وخطورته، وتبعاته القانونية، فمجرد الاعتراف سيورط دولتين عربيتين في معضلة الملاحقة القانونية الدولية، كونها ساهمت مباشرة في دعم العمليات العسكرية التي يشنها حفتر في شرق ليبيا، تحديداً في مدينتي بنغازي ودرنة، أو تلك التي يخوضوها حلفاء حفتر في غرب ليبيا من كتائب الزنتان وجيش القبائل، وهو ما ارتقى إلى مستوى توجيه ضربات جوية مباشرة على أهداف مدنية وعسكرية، إضافة إلى اعتراف حفتر نفسه في لقاء مع صحيفة “كورياري ديلا سيرا” الإيطالية بالدعم الذي تلقاه من عدة دول، ذكر منها مصر والإمارات والجزائر والسعودية.

فمجرد الاعتراف بهذا الحكم سيورط حلفاء حفتر في ملاحقات قضائية دولية، وقد تصل هذه الملاحقات، إذا ما تمتعت بالجدية، أن تطال، أيضاً، مسؤولين غربيين، بسبب أن عملية الكرامة وداعميها الإقليميين لا يمكن أن يقدموا على هكذا حرب شاملة في ليبيا، إلا إذا كان هناك ضوء أخضر، بخوضها وتنفيذها وتحمل نتائجها. لكن، السؤال الأهم: لماذا وصلت العلاقة بين حفتر وجبريل إلى هذا الحد من التنابز عبر وسائل الإعلام، والتهديد بكشف المستور بينهما، ولماذا بدأ موالو حفتر بحملة إعلامية شرسة ضد جبريل، الذي كان ترساً ضمن تروس عملية الكرامة وحلقة وصل ممتازة لها عن طريق إقامته في الإمارات، وشبكة علاقاته الممتازة هو وسفير ليبيا لدى الإمارات، عارف النايض، وتوفيرهما وآخرين دعماً لوجستياً ومادياً وسياسياً ودبلوماسياً؟

يبدو أن ثمة رهانات متباينة ومختلفة بين داعمي حفتر وجبريل، فمصر باعتبار نظامها العسكري يبدو أنها مازالت تراهن على حفتر بقوة، بينما الإمارات تراهن على محمود جبريل، وإلا لما ظهر جبريل في أسبوع واحد مرتين على قناة العربية المملوكة من رجال أعمال سعوديين وإماراتيين. فهل فقد محمود جبريل توازنه السياسي، أم إنه يحاول أن يعيد إنتاج قصة عودة الابن الضال، بقوله إن من يقاتلون حفتر في بنغازي هم من قاتلوا كتائب القذافي؟بعض من إجابة هذا السؤال تتعلق بخسارة محمود جبريل نفسه قواعده العسكرية في العاصمة طرابلس، المتمثلة في كتائب الصواعق والقعقاع والمدني، حيث أنها تلقت هزيمة على يد قوات فجر ليبيا، فخسر جبريل مراكز تفاوضية تخصه هو وتخص طموحاته الشخصية، ويبدو أن اللواء المتقاعد حفتر، أو مستشاريه، فهموا هذه اللعبة المنطوية على ضعف مراكز جبريل، واتكائه فقط على قواعده الحزبية، والمتمثلة في مجموعة رجال أعمال. ويبدو أن جبريل كان يريد لحفتر دوراً تنفيذياً فقط، بمعنى أن يكون حلقة صغيرة ضمن مشروعه الكبير بحكم ليبيا، ومن ثم يسهل على جبريل خلع هذه الحلقة الصغيرة من دوائره، ورميها خارج المشهد السياسي والعسكري بالكامل، لأن جبريل رأى في مشروع المجلس العسكري الذي دعا إليه حفتر، وأنصاره من عملية الكرامة، أنه طموح نحو الإمساك بمقاليد السلطة على غرار المجلس العسكري المصري الذي جمع بين يديه، بعد تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك، السلطات التشريعية والتنفيذية، وهو ما يراه جبريل خطراً على مشروعه ومستقبله السياسي.

 

اقترح تصحيحاً

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً