نواقيس الخطر …(1) ليبيا على حافة الافلاس!!

نواقيس الخطر …(1) ليبيا على حافة الافلاس!!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

ضمن جهودنا التي نرى انها اقل ما يمكن تقديمه للوطن في ازمته الحالية ان ندق نواقيس الخطر وذلك من واقع الحرص على ليبيا الوطن والشعب، سبق وان كتبت مجموعة من المقالات التي تنبه الى ما يتجه اليه الوضع المالي والاقتصادي من انحدار ولعل ابرزها المقال الذي عنوانه ” هل تعلن ليبيا افلاسها عام 2020″   والذي تم نشره في شهر مايو من العام 2012 في بعض المواقع الالكترونية. لقد نبَهت في ذلك المقال مبكرا ، الى حقيقة الفوضى والعبث الذي يقوم به المسئولون انذاك تجاه ثروة الشعب وميزانية الدولة، وكانت اولى المؤشرات هو اعتماد ميزانية للعام 2012 قيمتها 68.5 مليار دينار وهي اكبر ميزانية في تاريخ ليبيا على الاطلاق! والذي شدَ الانتباه ويشدَه لكل من لديه ولو ابسط المعارف في المجال الاقتصادي و المالي ، هو ضخامة حجم تلك الميزانية مقارنة بما سبقها في عام 2011 التي لم تتجاوز 48 مليار دينار! ضف الى ذلك اعتبارات ما بعد الحرب التي توجب تقليصا كبيرا للميزانية لا تضخيمها.!!

لقد ادركت حينها ان من يقودون البلد وبكل مرارة لا يفقهون في اصول الحكم وإدارة شئون الدولة ، وأنهم برغم قدوم اكثرهم من دول اجنبية عاشوا فيها واشتغلوا، لا تتوفر لديهم ادنى خبرة في مجال الادارة للقطاع العام – وهذا لا ينفي خبرتهم في مجال القطاع الخاص ربما-  لكن ما يلامون عليه هو عدم ادراكهم للفرق بين ادارة مؤسسات على مستوى دولة وبين ادارة مؤسسات خاصة، وبين الثقافة التنظيمية  هنا وهناك ، يلامون ايضا عن تهورهم واقتحامهم لمجال ادارة الدولة في ظروف صعبة كالتي تمر بها البلد ، وكأنهم في ظروف الاستقرار والثبات للدولة ، متجاهلين او غير مدركين لدواعي واعتبارات ومعطيات حالة الفوضى وعدم الاستقرار ، التي تعيشها البلد كنتيجة لأحداث الانتفاضة وما صاحبها ، وما ترتب عنها من تحدَيات وأزمات ولهذا اداروا البلد بعبثية مفرطة وتهوَر غير مسئول.

لقد افسدوا البلد من خلال تصرفاتهم الغير مدروسة والغير مسئولة فانطلقوا يصدرون القرارات الارتجالية بعيدا عن التخطيط السليم والحكمة، متسرعين غير متريثين، ولم يفكروا حتى في مجرد قراءة تمهيدية لواقع الحال الليبي اجتماعيا وماليا وإداريا واقتصاديا وسياسيا، وقبل كل ذلك أمنيا،  فانهمرت قراراتهم المجحفة في حق الوطن والشعب ، الخالية من الحكمة او التقدير السليم ، فمن ما يسمى بمكافئات الثوار، التي وزعت دون ضوابط مما جعل الرقم يتضخم ليغطي اكثر من ربع مليون ثائر!! حيث لا وجود فعلي حتى لربع ذلك العدد على الأرض!، الى حملة التعيينات الجديدة والتي شملت كل من له صلة قرابة او علاقة باولئك المسئولين، مما زاد من تضخم الملاك الاداري الليبي والذي هو متضخم اصلا قبل الانتفاضة ، ثم استمر الهدر الفوضوي حين سمح بتكوين اجسام جديدة مثل اللجنة الامنية التي شملت حوالي 150 الف وظيفة جديدة وما يوازي ذلك من وظائف فيما يسمى بوزارة الدفاع وملحقاتها تحت مسميات الامن الوطني وجهاز الاستخبارات و…و..الخ . واستمر ويستمر مسلسل هدر الاموال الليبية حتى اليوم.

مظاهر الفساد المالي ومواطنه:

1- التعيينات الجديدة داخليا وتشمل منتسبوا اللجنة الامنية العليا ومنتسبوا الكتائب والسرايا ومنسبوا اجهزة الامن الوطني والاستخبارات والغرف الامنية

2- التكليفات الخارجية وتشمل العاملين بالسفارات والمهمات والدورات التدريبية

3- الاعداد المهولة من الموفدين والتي فاقت خلال سنتين فقط 20,000 موفد للدراسة العليا وحتى الجامعية

4- برنامج علاج الجرحى والمرضى المفتوح

5- الانفاق العبثي على بعض المشروعات المتوقفة

6- الانفاق العبثي على بنود ميزانية التسيير ويشمل الاثاث والتجهيزات والقرطاسية و الاعاشة والوقود والسيارات وغيرها

7- بند التسليح وتجهيز وتموين الكتائب المختلفة والذي وبكل اسف ساهم في حدة التقاتل بين الليبيين واهدر معه الدم الليبي

8- زيادة مرتبات بعض القطاعات بدون دراسة وغياب التخطيط الكلي لنظام المرتبات

هذه وغيرها من ابرز مواطن الفساد المالي الذي ابتليت به البلد خلال الاربع سنوات الماضية مما سبب في استنزاف كبير لموارد الدولة وبدرجة لا تتناسب مع حجم الانتاج المتوقع والتي صبَت كلها في اتجاه تحقيق عجوزات مالية خطيرة على الميزانية الليبية والتي بالتالي ستقود حتما الى الافلاس المالي والاقتصادي للدولة الليبية ولو بعد بضع سنوات !. وفي تصوري ان من الاسباب التي اوصلت ليبيا الى حافة الافلاس ما يلي :-

1- ان ما يقود البلد الى حافة الافلاس هو بالدرجة الاولى تلك السياسات الرعناء والإجراءات غير المدروسة، التي قام ويقوم بها من يتبوأون الان المناصب القيادية العليا في ليبيا ، والذين بعثروا المال العام وأنفقوه في اوجه صرف مختلفة دون رقيب او حسيب. لقد كان الواجب الوطني يملي على اولئك المسئولين ان يراعوا الله والشعب في ثروة البلد وان لا يتصَرفوا فيها إلا وفق ضوابط رقابية مالية وإدارية مشددة ، وان يحافظوا على ثروة الليبيين ، لكنهم وبكل اسف ضربوا بكل هذه الاعتبارات عرض الحائط اما لجهلهم ، او تعمدا وفي كلتي الحالتين ستبقى حقوق الليبيين في رقابهم جميعا الى يوم الدين.!!.

2- ان مصادر الدخل الوطني الاخرى غير النفط والغاز التي كانت تساهم بما قدره حوالي 30% من مجموع الناتج المحلي تقلصت او كادت تنعدم تماما مثل اموال الضرائب والجمارك وتحصيل الكهرباء وغيرها.

3- ان ما يسرَع من عملية الافلاس هذه التقلبات المالية في سوق النفط والتي هوت بسعره الى مستويات قياسية ما يسبب عجزا ماليا اجباريا يقدر بما يقارب من 55% عن السنوات السابقة والتي كانت تقاس عليها تصورات الميزانية

4- حالة عدم الاستقرار التي تعانيها منظومة التصدير للنفط الليبي والتي بلغت ذروتها خلال النصف الثاني من سنة 2013 وحتى الثلث الاول من سنة 2014 حين تم ايقاف تصدير النفط تماما من الحقول في المنطقة الشرقية وحتى الجنوبية مما سبب عجزا للإيرادات في مالية السنتين المذكورتين.

انكشاف المستور

كل ذلك ولا شك ساهم بدرجة كبيرة، ويدفع بليبيا الى حافة الإفلاس ، والتي عجزت الحكومات المتوالية حتى على مجرد الاشارة إليها!، ولم نسمع يوما طيلة الثلاثة سنوات ونيف الماضية من المسئولين، الذين تعاقبوا على ادارة وقيادة البلد كلمة ولو همسا عن حقيقة الوضع المالي للدولة ومآلاته الكارثية!، ولم ينتبه السادة طلاب الكراسي الا بعد ان تفاقمت الازمة وألقت بظلالها القاتمة على وجوههم!. نعم لم ينتبهوا او ينبَهواالى ذلك، الا بعد ان قدم لهم  مصرف ليبيا المركزي تقريره الهام الخطير، والذي طالبهم فيه بإتباع سياسة تقشف قاسية وإلا فان الافلاس قادم ل امحالة..لقد حاول محافظ المصرف ان يعالج الموقف حين انطلق مسافرا الى امريكا واجتمع فيها مع خبراء المال والاقتصاد ، الذين يبدو انهم رسموا له خارطة طريق للنجاة من الافلاس ، فتلقفها وقفل راجعا وأعلن مصرَحا عن ذلك امام حكومة الحاسي ، الذين هالهم الامر وأصيبوا بصدمة رهيبة فغرت افواههم جميعا من هول ما سمعوا !. هذه اذا نتيجة عبث السنوات الاربع تظهر فجأة لغير المهتمَين والغير حريصين على الوطن!!، في حين كنا نستشعرها منذ بداية 2012 ، لم يكن ذلك ضربا من التنجيم! بقدر ما كان قراءة واقعية لأحداث وإجراءات مرت بها البلد انذاك ولازالت تعانيها حتى اليوم..  هذه اذا نتيجة ان يتدافع الطامعون على المناصب وهم لا يجيدون الا فن التسلق ويدفعهم الطمع المادي الرخيص ويفتقدون حتى ابجديات الخبرة العملية في مجالات الادارة والاقتصاد والمال، هذا ما اوصلتنا اليه حكومات متعاقبة تقسَم فيها المناصب حسب القبائل والمناطق!! دون مراعاة للكفاءة والخبرة والتجربة.. هذا ما اوصلنا اليه المجلس الانتقالي وحكومته والمؤتمر وحكوماته المتداخلة .

ما الحل وقد وقع الفأس في الرأس؟!  

نعم البحث عن حلول هو خيارنا الاجباري الوحيد ، وفي كل الاحوال ستكون الحلول قاسية شديدة علينا جميعا.. ليس امامنا من خيار الا قبول سياسة تقشفية صارمة لمدة تتراوح من سنتين الى خمسة سنوات ، حسب الظروف وهذه السياسة ستنعكس حتما على حياة الليبيين في الداخل والخارج. سيطال التقشف مرتبات الليبيين ان ليس بالاقتطاع منها سيكون بالتأخر اخذا في الاعتبار هبوط قيمة الدينار والتي تعني بالصريح نقصان في القيمة السوقية للمرتبات وان بقيت على حالها كميا. سيطال التقشف وقف اية تعيينات جديدة طيلة المدة المذكورة، وايقاف صرف المكافئات والعلاوات والترقيات والعمل الاضافي وماشابهه. سيطال التقشف تقليص العمل في الخارج ربما الى ما هو اكثر من 70% مما عليه الان ! سيطال التقشف ايقاف الصرف على الموفدين للدراسة بالخارج او تقليصهم بحد كبير. سيطال التقشف رفع الدعم السلعي للوقود وأتمنى على الحكومة عدم رفعه عن السلع التموينية لان ذلك سيكون بمثابة الكارثة!.

ان الحل يكمن بالدرجة الاولى في الحوار.. ثم الحوار.. ثم الحوار..الحل هو ان نجلس جميعا نتحاور ونتشاور ونتدارس شئوننا ، ان تلتقي اطياف الشعب الليبي كافة دون إقصاء حول طاولة واحدة اليوم قبل الغد ، ان يتوقف التقاتل بين الاخوة ، ان تصبح لنا حكومة وفاق واحدة تسيَر الامور، حتى يمكن انقاذ ما تبقى والحيلولة دون السقوط في هوًة الافلاس العميق.!!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً