رغم الجراح … دعوة ملحَة للتسامح والتصالح   

رغم الجراح … دعوة ملحَة للتسامح والتصالح   

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

ندخل السنة الرابعة بعد سقوط نظام القذافي والوضع في ليبيا لا يزال كئيبا ضبابيا ، فإذا كان سقف الطموحات قد ارتفع كثيرا بمجرد الإعلان عن نهاية عهد القذافي ، إلا ان حجم تلك الآمال بدأت في الانحسار تدريجيا ، وانخفض سقف المطامح بدرجة جعلت البعض يقبل بما كان ، ويتحسر على أيام خوالي برغم مرارتها! ذلك بالطبع مؤشر خطير ينبغي الوقوف عنده، اذ لا يجوز منطقيا ان تكون نتيجة التغيير الثوري سلبية التحصيل مخيبة للآمال ، لأنه وفق النواميس الطبيعية ينبغي ان تكون نتائج التغيير ايجابية وتلبي طموحات الشعب في التحول إلى الأحسن ، وإلا ما جدوى الثورة وما قيمة التضحيات التي قدمت فيها!؟

كل ما جرى ويجري الآن في ليبيا من قتل ودمار ، لاشك مصدره روح الانتقام والثأر الذي تشرَبته عقليات بعض من المتطرفين دينيا وقبليا وجهويا!! والذين تمكنوا في غفلة من الشعب وبدافع انتهازي من تملك القوة العسكرية التي استخدموها من بعد اداة لتحقيق مآربهم الدونيَة. نعم فهم من اشعلوها حربا ضروسا لا نهاية لها ، بين ابناء البلد الواحد ، تلك الحرب التي خسرت فيها ليبيا الكثير من أبنائها ومقدراتها ، وخلَفت جرحا غائرا في ذاكرة الليبيين التاريخية ، وثقبا في نسيج لحمتهم الوطنية ، الأمر الذي يتطلب وقفة جادة من الذين يشغلهم حال الوطن ويؤلمهم ما وصل اليه من فوضى وعبث وانهيار قيمي ومادي  ،ليسارعوا بتضميد الجراح ورتق النسيج الوطني.

ليس لليبيين بد من أن يتناسوا أحقادهم ويتنازلون عن حالة عنادهم المميت لأجل الوطن الذي يستصرخهم صباح مساء ،  ليس أمام الليبيين من خيار إلا الالتقاء على طاولة الحوار الوطني الهادف ، الذي به وحده يمكن لليبيين أن يؤسسوا لدولتهم الجديدة ، حين يلتقون وجها لوجه حول طاولة مستديرة لا متميز فيها ولا زعيم! الحوار ولا شيء غيره هو السهل الممتنع الذي بدونه لا أمل يرجى في قيام دولة ليبيا الجديدة كما ينشدها الجميع !. يحتار المرء ويتساءل : ما الذي منع ويمنع الليبيين حتى الآن من الجلوس مع بعضهم وجه لوجه ليتحاورون في صراحة وشفافية عن كل ما يهمهم ويشغلهم؟!  ما الذي يمنع الليبيون ان يلتقوا ليتدارسوا ويناقشوا ، كيف يمكن تجاوز المحنة ويضعون الآلية المناسبة لذلك دون تدخلات؟! ، من خلال حوار صريح يرتكز على قواسم مشتركة تتمثل في الثوابت الوطنية (وحدة وسلامة وأمن الوطن)  التي هي بالطبع نقاط التقاء تجمع ولا تفرق!

من منطلق الروح الوطنية ، على الليبيين جميعا نسيان الماضي والتغلب على منغصات الحاضر، بفضيلة التسامح والعفو والركون الى سيد الاحكام وهو التصالح ، علينا ان نتجاوز آلامنا للوطن حبا واحتسابا ، ونضمَد جراحنا تضحية وصبرا ، خيارا وطنيا يدفعنا نحو التنازل من اجل الوطن عطاء وايثارا . تعالوا نلتقي لأجل الوطن نتحاور ونتشاور فلا قيود أو شروط ، تعالوا نتوافق لنتصالح تعالوا نتسامح ونتصافح نبني معا ليبيانا الموعودة التي ينشدها الجميع!! ، تعالوا وأدركوا ان ليبيا الدولة لا يمكن لها أن تقوم إلا على كواهلكم جميعا ، فالحمل كبير ولا يقوى احد حمله منفردا. تعالوا نتسامح ونتصافح ونحن على يقين انه في ليبيا لا مجال لمنتصر أو مهزوم ، فإما أن ينتصر الجميع وأما أن ينهزم الجميع! فالسفينة التي نركبها تواجهها أمواج عاتية لا تفرق بين من يتواجد في المقدمة او الوسط او المؤخرة!! .

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً