متى يتم إنقاذ «المدينة القديمة» طرابلس

15145alsh3er

مفتاح  كريبة – عين ليبيا (خاص)

تعتبر المدينة القديمة، في العاصمة الليبية طرابلس، المركز العتيق داخلها، الذي يطل على البحر الأبيض المتوسط.

المدينة التي تحوي على عدد كبير من المباني الأثرية والتاريخية، التي يعود تاريخ إنشاء بعضها إلى ما يزيد عن 500 عام مضت، حيث تنثشر فيها المباني التي تعود لفترات مختلفة من الاحتلال الاسباني والفرنسي العثماني والإيطالي.

حيث تتخذ أسواق مدينة طرابلس القديمة، التجارية منها والحرفية المنتشرة داخل إطارها المدني المحصور بين أسوار المدينة، الممتدة على نحو 48 هكتارا.

هذه المساحة تزخر بها العديد من الأسواق الذي يصل عددها 22 سوقا، تحتوي على أنماطا مختلفة من المعمار الخاص بها، فقد انتظمت الأسواق الطرابلسية وسط الساحات المكشوفة على شكل طرقات، وأخرى مغطاة بأروقة مسقوفة، وتمثلت سلع هذه الأسواق القديمة في “الأصواف، والمنسوجات والملابس، والحرير، والذهب، والأخشاب،  والحناء، والجلد، والتمر، والعاج، جانب الأحجار الكريمة” حيث تعددت مصادر السلع المعروضة بأسواق المدينة التاريخية، من الاستيراد عبر الصحراء من دواخل أفريقيا أو من السفن القادمة عبر البحر من دول العالم المختلفة.

إلا أن هذا التاريخ العريق بمرور السنين بدأ يتلاشى شيئا فشيئا، فالحكومات المتعاقبة على الحكم في ليبيا لم تعطيها اهتمام وتطويرا كافيين، فبعض الحكومات لم يسعفها الوقت لترميمها، والبعض الأخر ساهم بشكل مقصود في إهمالها والعبث بها.

منذ إنقلاب سبتمبر والمدن التاريخية تتلاشى داخل الوطن

أغلب الليبيين إن لم يكونوا كلهم يعلمون أن الآثار السياحية في ليبيا بشكل عام والمدينة القديمة بشكل خاص، عانت من الإهمال والعبث بسسب اللا نظام الذي كانت تحكم به ليبيا طيلة الأربعة عقود الماضية، فلم تلتفت الدولة إلى التهالك الذي تشهده المدينة، ولا إلى المباني العشوائية التي تم بنائها حديثا، لا يختلف أحد على موارد الطاقة الموجودة جعلت الكثير من المسئولين يرو أن الترميم والآثار السياحية، هيا مكلفة ولا تدر المال مقارنة بالمصروف عليها، هذه العقلية والأفكار تشبع بها المواطنون حتى أصبح الكثيرون لا يلقون اهتمام ولا تقدير إلى أي شي اثري يجسد الهوية الليبية العريقة.

ترميم عشوائي متأخر لم يزد إلا عبث بالمدينة

المشهد الأثري في المدينة القديمة مهدد باختفاء ملامحه الجوهرية، فالمسئولون لا يعيرون أدنى اهتمام لما حلّ بمباني المدينة الأثرية، وما رُمّم منها طُمس كافة معالمها الجميلة، فقد تم ترميمه بطريقة خاطئة تدل على عدم الاهتمام والدراية الكافية بترميم المعالم التاريخية.

ولكن المسؤولية لا تقع على عاتق المسئولين فحسب، إنما هناك تقصير ملحوظ من قبل هيئات المجتمع المدني الطرابلسي تجاه ما يجري وإهمال واستهتار كاملين، من قبل المواطنين بشكل عام فلو كان هناك وعي وثقافة كافيين لدى أبناء هذه المدينة، لتكاتفوا وضغطوا بشكل فعال وقوي على المسئولين لإنقاذ هذه المدينة الأثرية من اختفاء معالمها و الزحف على مقدراتها، فلابد من الإسراع بالفعل لكي يتم تحسين الصورة العمرانية لهذه المدينة التي تعد شاهدا على تاريخ ليبيا العريق.

لكن على ما يبدو فإن قلة قليلة من أبناء طرابلس تهتم بآثار مدينتها وتدرك أهميتها التاريخية والسياحية والاقتصادية.

حرف تاريخية داخل المدينة تصارع الصعاب من أجل البقاء

عندا مرورنا داخل أزقة وشوارع المدينة ونحن نتأمل في تاريخها العريق الذي أنهكته عوامل الطبيعة والبشر

وجدنا أمامنا أحد محلات حرفيي النحاس القريبة، حيث نرى العم عبد الوهاب وهو يحني ظهره جلسا على كرسي خشبي عتيق، مثبتا نظره على مطرقة يدق بها قطعة من النحاس.

يواصل عبد الوهاب السعودي عمله لساعتين، ويرفع قاعدة هلال برونزية يدقق في تفاصيلها للحظات ويضعها جانبا، ثم يأخذ قطعة جديدة من النحاس، يبدأ معها ساعتين جديدتين من العمل.

ويقول عبد الوهاب لـ”عين ليبيا”: “ليس هناك من مبيعات حاليا. نحن نصنع ونخزن فقط”. وعلى مقربة من عبد الوهاب جلس مختار رمضان أمام محل صديق له ينتظر الزبائن، وقال: “نعاني من مشكلات كثيرة، فالمادة الخام مفقودة بعدما أصبحت طرق وصولها إلينا صعبة، والحركة من ناحية المبيعات تراجعت بعدما انعدمت السياحة، واليد العاملة الأجنبية وبينها المصرية”.

لكنه يقول لا يمكن أن أغلق المحل الذي ورثته عن أجدادي في مهنة تمارسها عائلتي منذ 150 عاما,نحن باقون هنا لحماية هذه الصناعة وراضون بنصيبنا

غياب وزارة السياحة داخل الدولة زاد الوضع سوءا

ويقول السيد الزروق شناق خبير الآثار والموظف لدى وزارة السياحة ” أن ما ألت إليه المدينة القديمة من خراب جاء نتيجة تراكمات من الإهمال طيلة فترة طويلة”، حيث تحدث بأن “المدينة إبان العهد الايطالي والحكم الملكي كانت أفضل بكثير، حيث كانت هنالك بنيات وتشيد للمدينة واهتمام كبير، إلى أن جاء عهد الانقلاب عام 1969 والى الآن لم ترمم ولم يلتفت ليها احد.

يضيف السيد الزروق “أن ثقافة السياحة كانت غائبة تماما، وان عدم المبالاة لدى الحكومة وعدم الوعي لدي المواطنين أدى إلى ظهور البناء العشوائي والترميم الخاطئ، ويرى الزروق أن مؤسسات المجتمع المدني والإعلام لم يتناول هذا الموضوع بشكل كبير، حيث أن المواطن يحتاج إلى توعية ومجموعة من البرامج، من اجل أن يدرك المواطن أن الآثار العتيقة شي مقدس يجب الحفاظ عليه.

ويأمل الزروق إشناق الذي امضي نصف عمره في البحث والتنقيب على الآثار أن يكون لدي المواطنين درجة من الوعي وان يتداركوا الأخطاء التي تقع داخل المدينة القديمة ومحاولة إصلاح ما أفسده الزمن والإهمال والتسيب، من اجل المحافظة على المدينة التي تعتبر شاهد على حضارات أمم جعلت من ليبيا موطئ قدم لها.

إهمالٌ، إهمالٌ، إهمال. هذه هي الكلمات الثلاث التي يمكنها أن تصف الحال التي وصلت إليه المدينة القديمة من تهالك في البنيان وإزالة بعضها، هل سنرى تكاتف من أبناء طرابلس من اجل الحفاظ على مدينتهم؟ في الوقت القريب لا أتوقع ذلك.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً