اقتصاد الظل وكرة الثلج

اقتصاد الظل وكرة الثلج

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

مما لا شك فيه ان ليبيا كبلد تمر باصعب اوقاتها الاقتصادية، فقد دخلت نفقا مظلما علي اثر الصراع السياسي و المسلح ، الامر الذي انعكس سلبا علي مستوي المعيشة واربك عمل المؤسسات التي تعاني مشاكل هيكلية افقدت المواطنين الثقة في قدرتها علي تقديم الخدمات المختلفة لهم ، وكما هو معروف فان الاقتصاد الخفي او ما يسمي باقتصاد الظل يتحول الي لاعب اساسي في ظل استمرار اضطراب الاوضاع الاقتصادية وتشير التقارير الدولية الي ان اقتصاد الظل يشكل حوالي اكثر من 40% من اقتصاديات الدول النامية.

وبالنظر الي ليبيا فإن اقتصاد الظل اصبح يشكل جزء هاما من القطاع الخاص الليبي بل اضحي محركا اساسيا في ظل تراجع قدرة الدولة علي السيطرة وتنظيم قواعد النشاط الاقتصادي.

ويعرف اقتصاديا اقتصاد الظل بانه يعكس الانشطة الاقتصادية الغير مسجلة قانونيا لدي السلطات المحلية ولا يقوم اصحابها بسداد الضرائب والرسوم عن انشطتهم المختلفة ويزدهر وينمو اقتصاد الظل اذا كانت الدولة تعاني من اختلالات جوهرية وفقد السيطر علي مقاليد الاقتصاد وتفشي الفساد وانعدام الرقابة وينتشر اكثر في الدول التي تعاني عجزا في موازنتها السنوية ويرتفع فيها معدلات الفقر ، وينعكس سلبا في الناتج الاجمالي المحلي كون هذه الانشطة غير مدرجة ضمن البيانات الرسمية للاقتصاد الوطني.

وتشير بعض الدراسات الي ان حجم اقتصاد الظل بلغ 17.3% خلال عقد التسعينات بينما بلغت مساهمة الاقتصاد الخفي في الناتج الاجمالي المحلي للانشطة غير النفطية نسبة 10.6% في عام 2000. وفي ضوء ما تم اتخاذه من اجراءات في ذلك الوقت بمعالجة سعر الصرف في السوق السوداء والذي ادي الي تقلص اقتصاد الظل بشكل كبير .

اقتصاد الظل يشكل في ليبيا حوالي 10% من حجم الاقتصاد غير النفطي خلال فترة العشر سنوات الاولي من القرن الحالي ، والذي يتمثل في بعض المنتجات الزراعية الغير مسجلة وايضا في الواردات التي تتم بدون تحويلات “ تجارة الشنطة”، ولكن في ضوء الاوضاع الاقتصادية التي تمر بها ليبيا منذو 2011 فان اقتصاد الظل اطل برأسه وبقوة مرة اخري واصبح يلعب دورا اساسيا في الحياة الاقتصادية ، وفي ضوء البيانات الصادر عن البنك المركزي حول حصيلة الايرادات الجمركية والضريبية والتي تشير الي انخفاض غير مسبوق برغم من تزايد عمليات الاستيراد من الخارج والذي يدل علي حجم الفساد وانعدام القدرة علي تحصيل الضرائب والرسوم ، مما يؤشر الي توسع اقتصاد الظل بشكل غير طبيعي ، وقد تكون احد اهم تجليات هذا النوع المدمر من الاقتصاد هو تسرب السيولة النقدية من البنوك الرسمية الي بنوك صغيرة غير رسمية تدار في الخفاء علي ايدي تجار العملة والتي تجاوزت ما يقرب 24 مليار دينار فمعظم المعاملات في اقتصاد الظل تتم بالشكل النقدي المباشر، وبالتالي فإن زيادة الأنشطة المختلفة في إطار معاملات اقتصاد الظل ستؤدي إلى زيادة الطلب على النقود وليصبح أحد الدوافع الأساسية للاحتفاظ بها، وهو ما سيؤثر على فعالية السياسة النقدية، بسبب زيادة اعتماد التعاملات في مجال التستر التجاري على الأساس النقدي، والتي تشكل في حقيقتها احتياطيات البنوك والنقود السائلة المفترض أن تكون تحت تحكم وسيطرة السلطة النقدية. وبالتالي شيئا فشيئا يتحول كامل الاقتصاد الليبي الي اقتصاد ظل بامتياز في ظل الفجوة التي احدثها الانقسام المؤسسي وتضارب السياسات و فقدان القدرة علي تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة. وفي ظل تحول السيولة المصرفية الي الدوران خارج الاطار المصرفي فان ذلك يعني ان اقتصاد الظل اصبح مسيطر ومهيمن علي مجريات الامور في ليبيا وقد تتجاوز نسبته في تقديري اكثر من 60% من الاقتصاد الغير النفطي.

تغول اقتصاد الظل في ليبيا عبر اندثار مقومات السيادة والمتمثلة في السيطرة علي السوق المحلي وظبط الواردات من الخارج وعجز المصرف المركزي علي معالجة ازمة السيولة وتعامله مع المسالة عبر التسابق لتوريد طبعات جديدة من العملة وتغذية السوق بها دون العمل علي جذب السيولة خارج المصارف والتي اصبحت تهدد بضرب الاقتصاد الوطني في مقتل ، تنذر بقرب وقوع الكارثة . فالمشكلة في ليبيا ليست فقدان السيولة في المصارف او تعثر عمليات تصدير النفط وان كانتا جزء من المشكلة ، ولكن المشكلة الحقيقية هي تحول اغلب المناشط الاقتصادية في ليبيا الي انشطة تعمل بدون قيود وخارج اطار المنظومة القانونية والالية السليمة لعمل الاقتصاد وبرغم ما اصدره المصرف المركزي طرابلس من ضوابط لعمليات فتح الاعتمادات المستندية الا انها ادخلته في دور ليس من اختصاصه من جانب ولن تتمكن من حل مشكلة اقتصاد الظل في ليبيا من جانب اخر.

وبالتالي فانه لا مناص للخروج من هذا المعترك الصعب علي الاقتصاد الليبي سوي بتوحيد الجهود وارساء قواعد جديدة يبني عليها الاقتصاد الليبي تكون الشفافية والمصداقية هي الاساس في ظل ظوابط وقواعد تعمل علي القضاء علي اقتصاد الظل واشراك الجميع من مؤسسات عامة وخاصة في مسؤلية بناء الاقتصاد الوطني والا قد يتحول اقتصاد الظل الي كرة ثلج تقتلع كل من يقف في طريقها. لا يكمن عمل اي شي لاإنقاض الوضع المنهار وتغول اقتصاد الظل ولازلنا متمسكين بسياسات الدعم وتحول كل الليبين الي موظفين يتقاضون مرتبات وبدون سداد ظرائب، لا يمكن عمل شي لتحسين الوضع الاقتصادي والبلاد تعاني من الانقسام ولا وجود لحكومة واحدة موحدة والمصارف التجارية تتحول الي صناديق فارغة لا يمكنها المساهمة في تمويل النشاط الاقتصادي.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

اترك تعليقاً