الجيش الليبي بين الحقيقة والوهم!

الجيش الليبي بين الحقيقة والوهم!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

لعله من نافلة القول، ان الجيوش هي عماد كل الدول العصرية، فعليها تقع مسئولية حماية الوطن وصون السيادة وحفظ الامن، وهي احد مرتكزات الدولة العصرية الأساسية، وبدونها لا يمكن القول بأن هناك دولة أصلا، وانطلاقا من ذلك تحرص كل دول العالم على ان يكون لها جيش وطني قادر على القيام بمهامه كاملة، وتسعى جاهدة على تطويره حتى يكون في اتم جاهزية، ليبيا بعد احداث انتفاضة فبراير وما ترتب عنها من حروب أهلية بمساعدة اجنبية، تم القضاء على جاهزية جيشها حين استهدفت جميع المقار والقواعد والمعسكرات في طول البلد وعرضه من قبل الناتو، ناهيك عن استهداف افراده والاليات ومخازن السلاح والذخيرة من قبل طيران حلف الناتو، يستثنى من ذلك المنطقة الشرقية التي تجنبتها غارات الناتو آنذاك. ولذلك يمكن القول انه تم فعليا تدمير كل مقومات ليبيا العسكرية في المنطقتين الغربية والجنوبية، بعد أن أقحم الجيش في معارك غير متكافئة، ما أثر سلبا على معنويات الافراد التي انهارت تدريجيا، تحت شدة الضربات الجوية ما أدى الى تشتت افراده وطواقمه ومن ثم الى اختفائه كليا عن ساحة الفعل بعد ان سقط نظام القذافي.

لكن ذلك لا يعني عدمية إعادة بنائه من جديد، بعد ان وضعت الحرب اوزارها!، فقد كان ممكنا إنعاش الجيش من خلال عدة إجراءات سريعة، تمكنه من إعادة تموضعه تدريجيا ومن ثم إعادة اعتباره من جديد، واخذه لدوره الطبيعي في البلد لو صدقت النوايا وتظافرت الجهود! غير ان البعض الذين تصدّروا المشهد بعد سقوط النظام، ممن احتسبوا على قيادات فبراير، كانت لهم وجهة نظر مغايرة تماما في الجيش الليبي! فقد اعتبروه “جيش للقذافي “! ما جعلهم يصرّون على ضرورة أقصاء كل افراده وابعادهم عن المشهد الليبي، الامر الذي زاد من ارباك الوضع الأمني في البلد، ومن حدّة فوضى السلاح وتحكم الميليشيات! وبذلك وضعت العراقيل امام إعادة بناء جيش وطني حقيقي في وقت مناسب، لقد آثر الكثير من افراد وضباط الجيش السابق الابتعاد والانكفاء بعيدا عن مواقعهم، ما فتح الباب على مصراعيه لإحداث اختراق أمنى وتنظيمي لا سابق له في المؤسسة العسكرية، حين شرع في تشكيل العديد من الكتائب العسكرية اسما فقط لا محتوى!! وكان المنضوون تحت هذه الكتائب المستحدثة شباب مدنيين لا سابقة عهد لهم بالتقاليد العسكرية!، وللأسف تم تخريج بعضهم ضمن مسرحيات هزلية عبثية بدون ان يتلقوا التدريب الكافي كما ولا نوعا، ولم يتعودوا حتى على احترام الاوامر والنظم العسكرية الملزمة!

ما ينبغي اخذه في الاعتبار هو ان المنطقة الشرقية لم تتأثر عسكريا بما حدث للمنطقتين الغربية والجنوبية، حيث ان كل افراد الجيش الليبي في الشرق احتفظوا بمكانتهم ولم تدمر معسكراتهم او مواقعهم، كونهم جميعا منذ البدء كانوا في اتجاه واحد وهو مناصرة الانتفاضة، الامر الذي ابعد عنهم استهداف الناتو للمواقع والبنية العسكرية، وهذا يعني ان كل الوحدات والكتائب من الجيش الليبي في المنطقة الشرقية قد حافظت على بقائها بكامل افرادها من جنود وضباط صف وضباط، وفي مختلف الأسلحة البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي، إضافة الى عامل مهم جدا وهو الروح المعنوية التي بقيت فاعلة وعالية، حيث انهم لم يتعرضوا لهزائم عسكرية كما حدث لأقرانهم في المنطقة الغربية!

إذا حقيقة وضع الجيش الليبي بعد فبراير، لا تخرج عما ذكر أعلاه، وبعيدا عن أوهام البعض ممن يدّعون غير ذلك ويصرّون على وجود ما يسمى بالجيش الليبي، وخاصة في المنطقة الغربية! علينا ان نقتنع ونعترف بما هو كائن لا بما نتمنى ونتوّهم، وهذا لا يعني استحالة إعادة بناء الجيش الليبي بقدر ما يعني الوصول الى قناعات تجعلنا نفكر بمسئولية وطنية على ما هو ممكن، ما يلزمنا بأخذ كل تلك الاعتبارات على محمل الجد، وصولا الى تحديد الخطوات الأساسية الكفيلة بإعادة البناء بالصورة المطلوبة، والتي تقتضيها المرحلة، ولتفعيل ذلك على الأرض يمكن اقتراح ما يلي: –

1- مراعاة للأمر الواقع تجتمع رئاستي الأركان (الممثلة عن النواب + الممثلة عن المؤتمر) في مكان يتفق عليه الجميع ويناقشون آلية عملية لتوحيد الرئاسة في جسم واحد يسمى (المجلس العسكري المؤقت) يتولى رئاسته الأعلى رتبة واقدمية حسب التقاليد العسكرية

2- دعوة كل افراد الجيش من جنود وضباط صف وضباط للالتحاق بمعسكراتهم فورا، خلال فترة زمنية محددة، وحيث ان الأمر سيكون سهلا وميسرا في المنطقة الشرقية بحكم تواجد فعلي للجيش في اغلب المعسكرات والمواقع العسكرية الا ان الامر سيكون متعسرا في المنطقة الغربية وهو ما يتطلب الاتي:

أولا: توجيه نداء ملزم لكل التشكيلات المسلحة الغير نظامية بضرورة اخلاء المعسكرات والمواقع العسكرية خلال اجل محدد.

ثانيا: تسلم الجيش لمعسكراته ومواقعه والسيطرة عليها، ومن ثم التجمع فيها حسب الأصناف.

ثالثا: حل كل التشكيلات العسكرية الغير نظامية ودعوة افرادها للانضمام الى الجيش فرادى ليتم توزيعهم حسب الحاجة على الأصناف المختلفة وإعادة تأهيلهم عسكريا من خلال برامج تدريب محددة ومكثفة.

3- بإمكان حكومة الوفاق الدولي ان تتولى ذلك وتجعله من أولويات ترتيباتها الأمنية.

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 2

  • سالم الغراري

    من هي القيادات التي تريدها ان تجتمع نحن نعلم جميعا ان التقاعد في القانون العسكري يكون في 55 سنة ولكن المقبور ونظرا لعدم ثقته في الغير ابقي جميع الضباط الاحرار وبقي جميعهم يعملون ومعظمهم في السبيعات من العمر
    الامر الثاني ((يقال من ليبيا يأتي)) والجديد هو رجوع الكثير من الضباط بعد الغياب للمدد طويلة تصل حتى اكثر 30 سنة ولاسباب مختلفة واعطائهم رتبهم وهذا لا يحدث الا في ليبيا فكيف من ترك الجيش وهو رائد يرجع وهو جنرال الحاجة الاهم هل يمكن بناء جيش عاش رؤساه يفتخرون انهم ضباط احرار وقاموا بثورة في سنة 1969 وولائهم لها ولقائدها فهل يمكن لهؤلاء ان يبنوا جيشا ولائه للدولة مع انهم لم يتعلموا طلية 40 سنة سوء بروح بالدم…… وبقوا على ولائهم حتي الان

  • fituri

    لبناء جيش قوي ووطني يجب اولا احالة كافة العسكرين الدين وصلوا سن التقاعد (55سنة ) على التقاعد الاجباري تانيا ابعاد كافة الشخصيات الجدلية من افراد وضباط عن المناصب القيادية للجيش تالتا فتح باب القبول في الكليات والثانويات لقبول شباب جديد ودماء جديدة لتغذية القوات المسلحة وبت الحياة فيها من جديد والولاء للوطن والابتعاد عن عبادة الاشخاص كما هو الان في بعض الاشخاص في الشرق الليبي …

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً