انقلاب تركيا.. انكسار جيش وسقوط الزعيم

انقلاب تركيا.. انكسار جيش وسقوط الزعيم

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

article1-1_26-7-2016

من الثوابت الديمقراطية في الحكم التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة نزيهة، وحصر دور الجيش وفق الدستور في حماية حدود البلد وصون السيادة الوطنية، وأن يكون الجيش مدافعا عن الشعب من مبدأ الولاء للوطن والشعب لا الحكومة او الزعيم!، لكن ما حصل في تركيا أخيرا من محاولة انقلاب فاشلة خلّفت وتخلّف ورائها جملة من التداعيات، ستكون ولا شك مؤثرة في الواقع والمستقبل السياسي لدولة تركيا.

تلك التداعيات نتاج لمخالفات أخلاقية وإنسانية وقانونية غير مسئولة، قام بها البعض ممن كانوا ضمن المتظاهرين الذين تعاملوا مع البعض من افراد الجيش الانقلابيين بأسلوب فج وغير منضبط، مما سيكون له الأثر السيء على بنيوية العلاقة بين الشعب والعسكر حاضرا ومستقبلا! ان يتجاوز المتظاهرون حدودهم في الرفض السلمي لما حصل، بارتكاب اعمال عنف وصلت حد الضرب والقتل لبعض افراد العسكر المسالمين، وان يهان الشرف العسكري للجيش من خلال اذلال متعمد لأفراده المستسلمين كل ذلك لابد وان يضرب شرخا العلاقة بين الشعب والعسكر.

ان انضباطية العسكر المنقلبين، وعدم استخدامهم القوة ورضوخهم لإرادة المتظاهرين والقائهم لسلاحهم، كان ينبغي ان تقابل بالتقدير والاحترام، لا بالإذلال والاهانة والمعاملة السيئة التي بعثت برسائل سلبية للعالم المتحضر، الذي يرقب عن قرب وعن بعد كيف يتعامل الشعب مع الجيش والعكس؟! في مثل هذه الاحداث التي وللأسف كانت الهمجية وعدم الانضباط وعدم احترام حقوق الانسان سائدة وواضحة فيها للعيان! سيدرك الاتراك ولو بعد حين، ان ما حصل من اختراقات في حق افراد الجيش من بعض المتظاهرين المدنيين المتهورين، كان خطئا كبيرا سيترك اثرا سلبيا على بنية الثقافة العسكرية للجيش التركي، ويضعف من زخم العلاقة البنيوية التي كانت سائدة بين الشعب والعسكر اجمالا، وذلك سيلقي بظلاله القاتمة على الروح المعنوية للعسكر ويهز مشاعر النفسية العسكرياتية أيضا بما قد يهيئ لتمرد ممكن!

لكن رغم كل ذلك، فان ما حدث أخيرا في تركيا يعد انتصارا معتبرا للديمقراطية، في تركيا التي لها تاريخ طويل مع الانقلابات العسكرية، وهو ما يعني ان الشعب التركي قد تشبّع سياسيا واضحى حريصا على مفهوم التداول السلمي للسلطات، من خلال صناديق الانتخابات لا الانقلابات! وفي المقابل فأن الجيش التركي يبدو انه قد خسر كثيرا من هيبته وقوته في نظر الكثير داخليا وخارجيا من خلال انكسار معنوي ونفسي لم يكن متوقعا!

إن من أبرز تداعيات ذلك الانقلاب الفاشل هو سقوط الزعيم “اردوغان” الذي وإن مكّنه الشعب من البقاء في السلطة حاليا، فانه ليس بإمكانه البقاء طويلا، وأن مغادرته ستكون قريبة وبأصوات الناخبين من الشعب ذاته الذي ابقى عليه اليوم! فتبعات ذلك الانقلاب ستظل حتما لصيقة بتصرفات وسياسة اردوغان في المدة الأخيرة التي حاول فيها ترسيخ زعامته ومحاولة ترجيع امجاد اسلافه في الإمبراطورية العثمانية!، ولعل ما يقوم به حاليا من حملات اعتقال واسعة على خلفية الانقلاب الفاشل، ستكون ولا شك سببا رئيسا في سقوط “الزعيم اردوغان” المدوي ولو بعد حين!

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً