محاولات توطين المهاجرين بليبيا

محاولات توطين المهاجرين بليبيا

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

article1-1_6-10-2016

آدمية الإنسان وكرامته تمنحه الحق في التنقل من مكان لآخر.. وفي الماضي كانت أغلب الحركة البشرية تتم في جماعات..  إلا أنه ومع تطور الحياة بات التنقل الفردي مألوفاً وجعلت حدود سيادية لكل دولة وفرضت قيود وشروط للدخول “تأشيرة” إلى أي دولة. وما يحصل في ليبيا هو محاولات لتحويلها لمكب للمهاجرين بدون أي أذن من الحكومة الليبية.

صحيح أن ليبيا وعبر التاريخ معبر للحركة الإنسانية من الشمال إلى الجنوب والعكس ومن الشرق إلى الغرب أو العكس ولو أنها بدرجة أقل. والشواهد الأثرية من مختلف الحضارات الإنسانية الشمالية: اليونانية، والبيزنطية، والرومانية، والشرق أوسطية: الفينيقية الكنعانية..

اليوم ليبيا تحظى برقعة جغرافية كبيرة باتت أيضا محطة مهمة للهجرة من الجنوب إلى الشمال.. وهذا يرجع اما عانته شعوب ما وراء الصحراء الكبرى من استعمار بحيث عاشت التخلف تحت الحقبة الاستعمارية الأوروبية بعد الاستيلاء على مواردها الطبيعية.. واليوم تلك الشعوب المحتلة تريد استرجاع بعض ما نهب منها بالدخول عنوة إلى أراضي المستعمر القديم!

غياب التنمية بالعديد من الدول الأفريقية جعلت الكثير من شبابها عاطل عن العمل.. وهذه الحقيقة توظفها بعض عصابات الهجرة غير الشرعية باستغلال القوانين الانسانية بالاتحاد الأوروبي بفتح معابر للهجرة إلى أوروبا من أفريقيا وأسيا ليتم فرزها بعد ذلك حسب حاجة شركات الاتجار في البشر لتوفر أعضاء كقطع غيار أو عمالة رخيصة أو لممارسة نزوات جنسية قذرة!!!

الاستغلال البشع لـ 17 فبراير:

الواضح أنه كانت هناك أهداف غير معلنة لمن توافقوا مع انتفاضة 17 فبراير ودعموها. فبعد أن دعموا ورسموا مخطط الإطاحة بالدكتاتور القذافي.. طمعوا في تحقيق الآتي:

  • وقف ابتزاز القذافي لهم بتسيير رحلات للمهاجرين خارج مخططاتهم المعدة مسبقة والمحددة المسار.
  • بإطالة الفترة الانتقالية في ليبيا يتسنى لهم تحويل ليبيا مكب للمهاجرين غير المرغوب فيهم أو بالأحرى فتح معسكرات لهم على الأراضي الليبية ليتم الفرز والسماح بعد ذلك لمن تتوفر فيهم المواصفات المطلوبة العبور إلى أوروبا.
  • ضمان عدم تسلل أي مهاجرين متطرفين لأوروبا وذلك بدعم بناء حاضنة لهم “الدولة الإسلامية” وتجميع عدد لا بأس به منهم وتكليف أحرار ليبيا التخلص منهم كما حصل ما البنيان المرصوص اليوم يحاربون نيابة عن العالم.. والسيد كوبلر يثير القلق وهو يتكلم على انتهاكات بالحرب ضد الإرهاب في سرت!!!!
  • العالم المتقدم عنا لا توجد عنده أي موانع لمساندة أي فصيل سياسي أو عسكري لارتكاب أبشع الجرائم في ليبيا ولكن بدوه تشويه يداه.. وفي ليبيا السيد حفتر ومراهقي السياسة وكتائبهم المسلحة يعبثون بالعرض والمال والأرض!

ويستمر استغلال ليبيا:

بالأمس يصرح السيد مارتن كوبلر أمام مجلس حقوق الإنسان بضرورة السماح للمهاجرين بالاستقرار على الأراضي الليبية وذلك بإلغاء تجريم الهجرة فير الشرعية “النظامية” بمصطلحاتهم الإنسانية الراقية! وقبله كانت تصريحات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بضرورة بناء معتقلات للمهاجرين على الأرض الليبية. وربما هو إفصاح أو جس نبض لما يتداول في ردهات الاتحاد الأوروبي ببروكسل!! وقبله كانت محاولات توقيع ليبيا على معاهدة اللجوء الإنساني لتتورط فيما يتم رفضه من أوروبا بعد انتقاء حاجة شركاتها من المهاجرين المطابقين للمواصفات المطلوبة!!

الاتحاد الأوروبي من حقه أن يفكر في مصالحة ومن حقه أن يلمع صورة حقوق الإنسان عنده ولكن الكارثة أننا في ليبيا عندنا من يصرف من أموالنا ويزهق في أرواح شبابنا لتتحقق مصالح أوروبا ويدعي أنه لا يقبل بانفلات تصريحات تعبر عن ما يدور بخلد أوروبا من هواجس تجاه مشكلة المهاجرين غير الشرعيين!!! بل هناك من يعطل اعتماد حكومة الوفاق ويلوم تصريحات السيد كوبلر والسد أوربان!!! وهذا هو الاستغلال الأكبر لليبيا.

هل ستنجح مخططات توطين المهاجرين:

باستمرارية هشاشة مؤسسات الدولة الليبية وعلى رأسها: المجلس الرئاسي، ومجلس الدولة، والبرلمان.. فالمهاترات التي يطرحها البرلمان بشأن اعتماد الحكومة والنقاش البيزنطي بشأن المادة 8 من الاتفاق لا يساعد على حل الأزمة بقدر ما يزيد من إغراق ليبيا في وحل الأزمة.

بحيث تلتفت حكومة الوفاق في ليبيا إلى تحديات توطين المهاجرين غير الشرعيين على أرضها يجب أن يحظى الاتفاق بموافقة الجميع.. ويعم الوفاق الوطني كافة شرائح المجتمع الليبي.. حتى الآن تناقض تصريحات الكثير من الدول الغربية بدعمها للمجلس الرئاسي مع غض الطرف عن هجمات قوات حفتر على المدنيين وتدخله الجائر في شؤون مؤسسة تشريعية لا علاقة لها البتة.. فالمؤسسة العسكرية يجب أن تقع تحت سلطة الحكومة المدنية.. وليس ما يمارس من عبث عسكري في المنطقة الشرقية من ليبيا..

الوضع يدعو للريبة ففرنسا من ناحية يزورها السيد فائز السراج ويلتقي رئيس الوزراء السيد هولاند ويصرح بدعمه لحكومة الوفاق واستقرار ليبيا لكن من جهة أخرى لا نسمع أي إدانة على ما يقوم به السيد حفتر من قصف للمنطقة الشرقية وسيطرة على البرلمان واحتلال للهلال النفطي؟! لذلك يجب اتخاذ الخطوات التالية:

  • أبعاد السد حفتر بصورة واضحة من المشهد السياسي فبتدخله ستظل فرص تسلل المهاجرين إلى ليبيا محتملة .. وستنطلق قوارب المجاهرين إلى أوروبا.
  • استقرار ليبيا وحده لا يعني بأنه سيقضي على الهجرة غير الشريعية لكن بإلزام الاتحاد الأوروبي الإسهام بالدعم اللوجستي التقني لمراقبة الحدود وتدريب قوات أمن بحرية وصحراوية ستقلل من أعداد المنطلقين من ليبيا إلى أوروبا.
  • صحيح قوات البنيان المرصوص انتصرت على داعش في سرت لكن استمرارية وجود بعض أعضائها على أرض ليبيا قد يثير بعض القلاقل الأمنية مما سيساعد على استمرارية الهجرة غير الشرعية فالمطلوب تقديم ما يحتاجه البنيان المرصوص والأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوفاق من معلومات بحوزة الاستخبارات الغربية (أمريكية وربما أوروبية) عن عناصر تتبع داعش على أرض ليبيا ضمن أحدى صفقات تبادل المعلومات الأمنية!
  • من المهم جدا أن تطرح ليبيا على الإتحاد الأوروبي أفكار بشأن إنشاء مشاريع تنموية مشتركة بالجنوب الليبي تمنح فيها فرص عمل لمن يفكرون في الهجرة إلى أوروبا وتحفظ كرامتهم ويرجعوا إلى بلدانهم وتكفر أوروبا على حقبتها الاستعمارية بأفريقيا.

وفي الختام.. هناك من يحصد مكاسب وأموال من الهجرة غير الشرعية في ليبيا ولا نلومهم في ذلك.. فمن يتصدرون المشهد السياسي والعسكري هم من يمنحونهم الفرصة.. لذلك لا نلوم تصريحات السيد كوبلر والسيد أوربان بل علينا أن نشكرهم لتنبيههم لنا فالواضح أننا لم نعي الدرس بعد..

تدر ليبيا تادرفت

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

اترك تعليقاً