تقرير.. ندوة “مستقبل تعايش الشعوب والأقليات”

montada-11-10-2016

عين ليبيا، لندن

ضمن الفعاليات الدورية التي يقيمها المنتدى الثقافي العربي في بريطانيا، عقد المنتدى مساء الجمعة 7 أكتوبر 2016 ندوة مفتوحة في لندن للحوار حول قضية “مستقبل تعايش الشعوب والأقليات”.

اتخذت الجلسة شكل الطاولة المستديرة، وتحدث فيها كل من: الدكتور أحمد معيوف (ليبي أمازيغي)، والدكتور زارا صالح (سوري كردي)، والأستاذ توني قنديل (مصري قبطي)، والأستاذ يوسف عزيزي (عربي أحوازي).

بدأت الفعالية بترحيب الدكتور رمضان بن زير، الدبلوماسي والأكاديمي الليبي المرموق ومؤسس المنتدى بالمحاورين والحضور الكريم، ثم تقدّم الأستاذ أنور قوادري، المخرج العربي المعروف ليستعرض القضية المطروحة على نشاط البحث، واستهل حديثه بالتعريف بتجربته الشخصية في هذا الصعيد، حيث انطلق من فيلم “غرفة انتظار” سنة 1980، والذي يعالج قضية العنصرية بين السود والبيض، كما استمرت أعماله الفنية في مناقشة هذه القضية، وآخرها فيلم “ترنيمة مدينة” الذي بدأ عرضه في دور السينما البريطانية منذ أيام قلائل.

تطرّق الأستاذ قوادري أيضا إلى دور الأقليات في المجتمعات العربية، وأنهم كانوا رواد الفن والإبداع، مشيرا إلى تجربة توغو مزراحي وسليم تقلا على وجه الخصوص، وأضاف بأن التاريخ العربي القديم لم يعرف التفرقة على أساس العرق أو الدين، بل وصل أبناء الأقليات إلى أعلى المرتبات في الحكم والعلم والفن وغيره من ضروب الحياة، وتحسّر على الوضع الحالي في الوطن العربي حيث أطلت النعرات الإقصائية بوجهها الكالح.

أوضح الأستاذ قوادري أنه رغم وجود المليارات العربية المكدّسة في المصارف، إلا أنه ثمة إحجاما عن إنتاج أفلام تتحدث عن القضايا العربية المؤرقة، وضرب مثالا لما كان عليه الحال بالجهود الفريدة التي بذلها المخرج الراحل مصطفى العقاد لإنتاج فيلم “الرسالة”، وما حققه ذلك الفيلم العالمي من نجاحات باهرة في تعريف العالم بالثقافة العربية والإسلامية.

بدأ الدكتور أحمد معيوف حديثه بالتأكيد على أن القيمة التي تجمع بين كل البشر هي الإنسانية، وبأن التباين والاختلاف بينهم هو حقيقة ماثلة ينبغي القبول بها والتعامل معها من منطلق المساواة والاحترام والتعايش السلمي.

كما أشار إلى وجود نوعين من التمايز: العرقي، والديني ويشمل الطائفي، وعرّف بأن الخلافات الدينية أو الطائفية كانت دائما نتيجة للسياسات الحكومية الخاطئة أو المُغرضة من باب “فرّق تسُد”.

أوضح د. معيوف بأن التوجه القومي العربي طرح مسألة تفوق العرق العربي ضد الأقليات، وخاصة في المشرق العربي، وذلك لأن مفهوم العروبة في المشرق يختلف عنه في المغرب، حيث تختلط العروبة في شمال إفريقيا بالإسلام برباط لا تنفصم عُراه، مضيفا بأن العرب يعتبرون وافدين في شمال إفريقيا حيث أن الأمازيغ يشكلون نسبة لا تقل عن 90% من السكان، وبينما يشترك الجميع في الثقافة، فإن ثمة أقليات لغوية تتحدث الأمازيغية.

أما التيار الآخر الذي جذّر المشكلة العرقية برأي الدكتور معيوف فهو التيار الديني الذي لا يفهم طروحات الإسلام التي تدعو للإخاء والمساواة بشكل صحيح، مضيفا أن الحل هو ضرورة تفعيل عقد اجتماعي مُلزم للجميع، ولكن للأسف فإن الأكثرية العربية لن تقبل بذلك الطرح.

أفاد الدكتور زارا صالح بأن وضع الأكراد متشعب للغاية، ولذا فإنه سيخصص حديثه عن الأكراد في سوريا، وأشار بأن التعايش السلمي لغويا وإنسانيا يعني القبول بالآخر، وبأن التباين سُنة الكون، حيث قال تعالى “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.

يرى الدكتور صالح أن التاريخ لم يشهد التعايش السلمي على الإطلاق، وخاصة على المستوى الطائفي، وبأن أنظمة الحكم الاستبدادية هي التي فرضت قسرا صيغا مشوهة من التعايش، وبأنها قمعت الأقليات عوضا عن استيعاب الآخر في إطار فسيفساء الوطن، وأوضح بأن التعايش المفروض على الجميع بلا استثناء أدّى إلى وجود حالة من الاحتقان تحت السطح، حيث أن التعايش كان غشاوة فحسب.

أوضح د. زارا بأن التعايش يتطلب تحديد الأسس القانونية والحقوقية التي تنظم العلاقة بين المكونات المختلفة، وبأن الحل في حالة أكراد سوريا هو حق تقرير المصير والذي لا يعني بالضرورة الانفصال كما يتصور الكثيرين، ولذا فإن معظم النخب الكردية تطرح فكرة الإطار الفيدرالي مع المحافظة على حقوق متساوية لكل مكونات الشعب السوري، وبأنه حتى تحقيق ذلك الهدف ستستمر حالة الاحتقان والفوران الكامن تحت سطح الهدوء المزيف.

ثبّت الأستاذ توني قنديل بأن الأقباط والمسيحيين بشكل عام ليسوا أقلية في مصر، حيث أنهم جزء أصيل من نسيج الشعب المصري، وبأن الأقليات في مصر هي الأمازيغ في واحة سيوة، والبدو في سيناء، وأن الجامع بين هاتين الأقليتين هو تعرضهما للتهميش منذ عقود طويلة.

كما أشار إلى أن المدن المصرية، وضرب مثالا بمدينة المنيا دُرة الصعيد، كانت تتضمن الجامع والكنيسة والكنيس، وبأنه حتى الجاليات الأجنبية كانت تندمج وتذوب في نسيج الشعب المصري بشكل سلس وتلقائي.

طرح الأستاذ قنديل تساؤلا مهما للغاية، ومفاده هل نحن مهيئون/قادرون على إنشاء دولة المواطنة، وما متطلباتها في المرحلة الحالية؟

يكمن الحل في رأي الأستاذ قنديل لقضية الأقليات في فرض المواطنة قبل الدين والعرق.. إلخ، وهذا بدوره سيؤدي إلى إنشاء المساواة المطلقة، وأن ذلك يستدعي بسط الديمقراطية وحرية التعبير عن المشكلات والهموم التي يعانيها الجميع، وخاصة الأقليات.

طرح الأستاذ يوسف عزيزي فكرة أن العقد الاجتماعي يرتكز على أسس وركائز معروفة، ومن أهمها حقوق المواطنين، والتي تتجلى في أعظم صورها في الدساتير. كما أوضح بأن إيران لا تتضمن أقليات، حيث أن تركيبتها الديموغرافية تتألف من شعوب متباينة اللغات والأعراق والثقافات، وحتى العرق الفارسي لا يمثل أغلبية في إيران، وأضاف بأن بعض الشعوب في إيران قد تختلف في الثقافة وتتفق في اللغة، ضاربا مثالا بالبختياريين الذين تجمعهم اللغة مع الفرس، ولكنهم يختلفون في الثقافة.

عرّج الأستاذ عزيزي في نظرة تاريخية معاصرة إلى بدء هيمنة العنصر الفارسي والتي بدأت على يد رضا بهلوي شاه، مؤسس الدولة البهلوية الذي حكم بين 1925 و1941، وبأن الوضع قبل اعتلائه السلطة بإسقاطه لآخر شاه من الأسرة القاجارية كان مختلفا، حيث أشار دستور 1909 إلى “ممالك متحدة”، ولم يُشر إلى لغة رسمية للبلاد.

أوضح الأستاذ عزيزي بأن الوضع بعد الثورة الإيرانية لم يتحسن رغم الوعود التي صاحبت تلك المرحلة، وضرب مثالا بالمادة (15) من الدستور الإيراني ونصها التالي:

[su_quote]اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة لشعب إيران هي الفارسية. ويجب أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص الرسمية والكتب الدراسية بهذه اللغة والكتابة، ولكن يجوز استعمال اللغات المحلية والقومية الأخرى في مجال الصحافة ووسائل الإعلام العامة، وتدريس آدابها في المدارس إلى جانب اللغة الفارسية.[/su_quote]

والتي تمنح حقوقا واضحة للشعوب غير الفارسية في إيران لم تُنفذ حتى الآن رغم إجازة الدستور سنة 1980!

ختم الأستاذ عزيزي حديثه بالقول بأن الحل في نظر معظم التيارات السياسية المعارضة في خارج إيران يكمن في الانفصال، وتشكيل دول مستقلة للشعوب في جغرافية إيران الحالية.

أعقبت كلمات المتحاورين مداخلات ثرّة من الحضور، والذي تألفوا من نخبة من المثقفين والكُتّاب والإعلاميين والناشطين السياسيين والحادبين على الشأن العام.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً