مطلب الفيدرالية في ليبيا هل هو خطوة نحو التقسيم؟

حامد شاكر

صورة تعبيرية

ينبغي أن نفرّق بين الفيدارلية التي قام على أساسها دستور ليبيا في العام 1951م وبين الدعوة إلى الفيدرالية الآن.. فالفيدرالية التي قامت في العام 1951م بموجب دستور ليبيا آنذاك كانت خطوةً باتجاة قيام ليبيا الواحدة التي قامت بالفعل بموجب التعديل الدستوري الصادر في العام 1963م، واستمرت حتى يومنا هذا.. لكن الفيدرالية التي تتعالى الأصوات لإقامتها اليوم هي خطوة إلى الوراء سببها وجود قناعةٍ لدى دعاتها بعدم إمكان التواؤم بين مناطق ليبيا الثلاث التي تفصل بينها مساحات شبه خالية من السكان، نتيجة عدم قيام سلطة مركزية قادرة على التحكم في البلد برغم مرور أكثر من عام على إسقاط الدولة السابقة.

إن إقامة النظام الفيدرالي في ليبيا من جديد، وفي ظل ظروف البلد الحالية، وفي ظل ثروة نفطية تتركز منابعها في مناطق دون أخرى هو إيذانٌ حقيقيٌ بالشروع في تقسيم ليبيا، فالنظام الفيدرالي وأمام حالة تجزؤ الشرعية سيؤدي إلى الصدام على توزيع الموارد السيادية من ناحية، وعلى الحدود الإدارية من ناحية ثانية، وعلى المحاصصة في توزيع الحقائب الوزارية من ناحية ثالثة، وسيكون الصراع مسلحاً تماما كما حدث بين شطري اليمن الجنوبي والشمالي، وأغلب الظن أن دعاة الفيدرالية بعضهم يعي هذا الأمر تماماً ويتعمد المضي فيه قدماً، فالاتجاه الفيدرالي يتزعمه أحد أبناء العائلة السنوسية التي حكمت ليبيا حكماً ملكياً انتهى بالإطاحة به من قبل الجيش في العام 1969م، وكانت لهذه الأسرة إمارة برقة قبل نشوء الدولة الليبية، مما يضعنا أمام احتمالين وكلاهما يؤديان إلى نفس النتيجة.. فإما أن الليبيين اليوم باتوا أمام أطماع شخصية في استرجاع عرشٍ قديم، والفيدرالية أولى الخطوات تجاه استرجاعه، وإما أنهم أمام خطة غربية لتقسيم بلادهم، ومن بين أطراف هذه الخطة ليبيون نافذون يتعمدون تأزيم الحالة الليبية لرفع حالة الاحتقان لدى مناطق بعينها، ومن ثم إثارة الروح الجهوية، وإيصال المواطن الليبي إلى قناعة بضرورة الفصل.

إن ما مضى من حديث يتطلب بيان أن مطلب الفيدرالية – بالإضافة إلى أسبابه الخفية – له أسباب ظاهرة أهمها ما نراه من محاولة كل طرف شارك في الانتفاضة ضد النظام السابق أن يقبض الثمن.. مما يعني أن ليبيا اليوم تعيش مرحلة تضارب مصالح وصلت في بعض الأحيان إلى الصراع المسلح، وقد يتطور الأمر، وقد يذهب كل فريق من الفرق المتصارعة بلون من ألوان علم الاستقلال الثلاثة، فيكون اللون الأسود من نصيب برقة، وقد رفعوه بالفعل، واللون الأحمر من نصيب إقليم طرابلس، حيث سيغرق في الدماء ولن يرى الاستقرار، وسيكون اللون الأخضر من نصيب الجنوب والوسط.

إن هذه القراءة للواقع الليبي وما هو متوقع قد تكون متشائمة، لكن أحدا لا يمكنه إعطاؤنا قراءة أكثر تفاؤلاً، خاصة أمام سيطرة ميليشيات غير متجانسة على الشارع الليبي، هذه الميليشيات لديها قناعة بأنها صاحبة الشرعية وأن أي شرعية أخرى إنما هي مستمدة منها، ناهيك عما لدى هذه الميليشيات من اتصالات بأطراف أجنبية مختلفة، بحيث أصبح النفوذ الأجنبي موزعاً في ليبيا على أساس ما سيكون.. ولا أبالغ إذا قلت أن بعض المدن تُعد لإمكانية استقلالها كدول أو إمارات صغيرة داخل الدولة، أي على غرار دول كالفاتيكان وسان مارينو في إيطالياٍ.

إن الواقع الليبي اليوم لا شك في أنه يُعد بيئة خصبة وفرصة ذهبية لأصحاب الأطماع في أن يحققوا أطماعهم.. ولا شك أيضاً في أنه جزء من برنامج كبير تقاد له المنطقة العربية بوعي وبدون وعي.. لكن من بين أصحاب الأطماع من تقف أطماعهم داخل حدود القطر، وهؤلاء لا يهمهم أنهم أصبحوا جزءاً من لعبة قذرة تحاك من قبل الصهيونية العالمية التي كان لها يد واضحة في الثورات العربية، وفي الثورة الليبية على وجه الخصوص، وقد ساهم في الأمر ما ساد لدى شريحة ليست ضيقة من المثقفين العرب من اتجاه نحو تبسيط الأمر واستبعاد نظرية المؤامرة من أحداث الربيع العربي برمتها، يقودهم في ذلك وهمٌ جامح من كون ما حدث في بلدان الربيع العربي هو صحوة ذاتية قادت إليها الصدفة المحضة، والأمر ليس كذلك، بل إن وجود تلك الشريحة، وتصدرها واجهة الخطاب الإعلامي هو جزء من المؤامرة التي تحاك ضد المسلمين والعرب منهم على وجه الخصوص.

إن على الليبيين أن يعوا أن كل خطوة نحو الوراء هي خطوة نحو تفتيت بلدهم، وأن ساستهم اليوم ـ للأسف – هم نتاج فوضى، ونتاج الفوضى لن يكون أبداً داعية وئام، وعليهم أن يعيدوا النظر في كل ما أفرزته الأحداث التي توالت على البلد منذ اليوم الأول لانتفاضة فبراير، وأن يعيدوا حساب خطوات لم تكن أبداً في صالحهم، بل كانت ضدهم، حتى وإن صورتها لهم الرغبة في التغيير وما صاحبها من حماس ثوري على أنها انطلاقة نحو الأفضل، مع أنها في الواقع انطلاقة نحو المجهول.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً