لقد اعتمد المشرع المغربي مقاربة مُختلطة، عند تأطيره لمبدأ: حياد القاضي، ذلك؛ من خلال مجموعة من الضوابط المسطرية والموضوعية، إذ؛ كثير منها يفرض على القاضي، أن يتخذ الموقف السلبي من المتقاضين على حد السواء، في كل ما يتعلق بإثبات الدعوى، حيث؛ لا يجوز للقاضي أن يبني قناعَته، عدا على عناصر الإثبات التي يدلي بها المتقاضون، كما غير مسموح له؛ بالمبادرة تلقائيا إلى البحث عن إدانة أحد الأطراف، منْ خارج ما قُدِّمَ لهُ من قبَل المتخاصمين، ذلك؛ قصد النظر في الدعوى، وفق ما تستلزمه وظيفة القضاء منه.
ولذا؛ يكون البت في الدعوى، التي تعود ملكيتها للمتخاصمين، عبر الاعتماد على الإثباتات التي يستند الطرفان إليها، في طلباتهم ودفوعهم ومذكراتهم الجوابية، ومناقشاتهم، غير أنّ لهذه القاعدة استثناءات مؤطرة بالنص، يجوز فيها للقاضي التدخل من تلقاء نفسه في صياغة الدليل، أو؛ إثارة بعض المسائل القانونية، وتوجيه الإنذار لتصحيح المسطرة، ومن بين هذه الإستثناءات، أخص بالذكر: القضايا المتعلقة بالنظام العام.
كما؛ لا حياد للقاضي، عدا إن كان مُسْتقِلا على المستوى المهني، ومُتَحرِّرا على المستوى النفسي، تماما؛ مُتحَرّرا من كل ما من شأنه، أن يغوي القاضي عند تطبيق القانون، وكذا؛ عند الفصل في الدعاوى المرفوعة، التي تتطلب محاكمات عادلة شفافة، وَلَجَدِيرٌ بالذكر؛ أن تَحَرُّر القاضي من الشرنقة الحزبية، يجسد المأمن الآمن من تسييس الملفات القضائية، والدرع الحامي من تحيز القاضي لِهوَاهُ المُؤَدْلَج، ذلك؛ لأن الوظيفة القضائية، تفرض التزام القضاة بالحياد، عن جميع أشكال الحمية الحزبية والسياسية.
مثلما؛ أن العقل القضائي، إذ يعمل مُنْضبطًا ضمن ترسانة القوانين، التي شَرَّعَتْها الإرادة العامة، لَبِغَرَضِ الفصلِ القويم بين المتقاضين، وبغية تكريس الإنصاف السليم داخل المجتمع المغربي، عبر حماية الحقوق والحريات، ومن خلال رفع الجور الذي قد يلحق بأحد خصوم الدعوى، حتى من بعض القضاة أنفسهم، جميع ذلك؛ بهدف صيانة ميزان القضاء الشامخ، وحفاظا على ثقة المتقاضين في المؤسسة القضائية، وتنزيها لمنطوق الأحكام عن مؤثرات الغواية الحزبية، هاته الغواية السياسية الممنوعة، التي تتعارض مع مبدأ الحياد، المحمول على رقبة كل قاض أمين، من حيث أن تحرُّر القضاة، يختزل جميع العناصر الأخلاقية، المفروضة في حماة الحقوق والحريات.
فالقاضي الحقيقي؛ لا يَتَّبِعُ هوى الإنحياز، لأيّ من أطراف الخصومة، بل؛ يعتمد مقاربة الإنصاف السليم، ولَدُون الإنزياح نحو مُمْلَيَات التبعية الإيديولوجية، أو الولاء الحزبي، أو ما شابهَهُما. لأن غاية المشرع من تقنين مبدأ الحياد، لن تكون عدا ضمان المساواة بين أطراف الخصومة، وقد كان المشرع المغربي حاسما، في منع القضاة من حق الإنضمام إلى الأحزاب السياسية، طالما أن ذلك سيؤثر على سلامة الأحكام القضائية.
فلهكذا أوْ إذَنْ؛ إن استقلالية القضاء، تعني ملامسة الوصول إلى العدالة القانونية، وأن تحرّر القضاة يعد العلامة الفارقة، عند كل منظومة قضائية منصفة، حيث؛ يصعب علينا الحديث عن حياد القاضي، دون تأمين استقلاليته الحقيقية عن هواه السياسي، وعن منطق الإيديولوجيا الحزبية الفئوية.
ولأن الأحكام القانونية السليمة؛ شرط لا محيد عنه لصلابة الدولة القانونية، فيَجب على القاضي أن يجتنب الانغماس، وراء المؤثرات الحزبية، كيفما تمظهرت جهتها المصدرة، ومهما تعددت طبيعتها المؤثرة، فلا يجوز اختزال دلالات استقلالية القضاء، فقط في عدم التبعية الإدارية والمالية، بل كذلك؛ يتجسد في تحرر القاضي عند اتخاذه القرار، بريئا من زيغان ميولاته الحزبية المُؤَدلَجَة.
و عليه؛ إن القاضي لا يجوز له أن يعلل حكمه، بناء فقط على علمه الشخصي، لأن مراد الحياد يتجلى بوضوح، في كون إثبات الدليل يقع على عاتق المتخاصمين، بالتالي؛ لا يمكن للقاضي أن يمنع المتقاضين، من حق مناقشة الأدلة المقدمة في موضوع الدعوى، مثلما حصل من وقائع لا قانونية، تَهُمُّ الملف رقم 913/2102/2021 بالمحكمة الابتدائية سطات، والتي كاد عندها رئيس هيئة الحكم الموقرة، أن يتحول إلى خصم وحكم في آن واحد، بينما القاضي؛ لَمُلْزم بتلقي طلبات ودفوع أطراف الخصومة، وضبط مناقشة أدلة الإثبات، وفقا؛ للإجراءات التي يقررها القانون المغربي.
ختاما؛ إن إحقاق الأمن القضائي، يتطلب وجود القاضي المتحرر، الذي لا يتبع هواه السياسي الزائغ، لِكيْ؛ لا يُحْكَمَ عليه بفقدان الموضوعية، وانعدام شرط العدالة، من حيث أن الخصومة، لَمَرفُوعة أمام أنظار هيأة الحكم الموقرة، ثقةً في حياد قاضيها، وعدم تَحَيُّزهِ ولا انْحِيازِه، عدا لِسُمو القاعدة القانونية العامة المجردة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.






اترك تعليقاً