غزة بين شروال الأردن وطربوش مصر وعمامة إيران

غزة بين شروال الأردن وطربوش مصر وعمامة إيران

أ. عمر علي

كاتب سوري مختص بالشأن السياسي

ربما يقول التاريخ يوما، إن الجغرافيا خذلت قطاع غزة خصوصا وفلسطين عموما، فالجوار المطبع مع إسرائيل، كان عقبة كبيرة أمام أي عمل جدي فلسطيني للخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، وإن كانت “إسرائيل” بلا عمق جغرافي، فإنها ولدت هكذا، أما الفلسطينيون فقد أداروا صراعهم مع العدو تاريخيا على أرضية العمق العربي، شرقا وغربا وشمالا.

السؤال اليوم، كيف تغيرت معادلة العمق لصالح إسرائيل، ولماذا بات الفلسطينيون محاصرون ضمن أسلاك شائكة سياسية عربية بالمطلق، بينما توسع الأمن القومي الإسرائيلي ليصبح أكثر عمقا، وهذا ما كشفته الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ سبعة أشهر.

لنبدأ من الأردن، ونسأل عن مدى تأثيره في هذه الحرب، وهل كانت عمان نصيرا لغزة، الجواب تقدمهم مجموعة وقائع يعرفها الجميع، فمع انطلاق الحرب في غزة عززت القوى الأمنية الأردنية والجيش إجراءاتها الأمنية على الحدود مع الضفة الغربية و الاراضي الفلسطينية عموما، كما أغلقت بشكل محكم الحدود مع سوريا، وكان الهدف واضحا، لايريد الأردن أن تتحرك جبهة الضفة الغربية لنصرة غزة، كما أنها ارادت فصل الجبهة الأردنية الداخلية عما يجري في غزة، وحاولت تغطية موقفها بتصريحات سياسية تدعو لوقف الحرب لكنها كانت مفضوحة بأنها ليست سوى قنابل دخانية لتغطية الموقف الاردني الحقيقي الراغب بانهاء حالة حماس في غزة.

في مكان آخر، فتحت الأردن أراضيها أمام قوافل التجارة البرية من الخليلج العربي إلى إسرائيل، لتعويض إغلاق طريق البحر الأحمر من قبل جماعة أنصار الله في اليمن، وبات الأردن طريق الإمداد الرئيسي للإسرائيل تجاريا، في وقت كان الملك “عبد الله بن الحسين” يلتقط الصور وهو يلقى مساععدات جوية فوق غزة من طارة ملكية، حصلت مسبقا على مواقة إسرائيلية.

لكن الموقف الأردني الأبرز ظهر عندما أشتبكت إيران وإسرائيل بشكل مباشر وقررت إيراد الرد العسكري على استهداف قنصليتها في دمشق وقصف الاراضي الإسرائيلية، لقد كان سلاح الجو الملكي الأردني حاسما في التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية وإسقاطها قبل أن تصل إلى إسرائيل، كان الاردن واضحا جدا في هذه اللحظة، وهو أنه جزء من منظومة أمن إسرائيل التي صممها حلف الناتو.

بالذهاب إلى مصر العروبة، ربما كانت الخيبة الفلسطينية أكبر، بحكم التاريخ، فالأردن لا يقارن بمصر، ولا ينسى الفلسطينيون جمال عبد الناصر، وكيف كانت إسرائيل ترتجف لسماع اسمه، فماذا حصل ولماذا خيب المصريون أمل جيرانهم في غزة؟.

مرت علاقة مصر بالفلسطينيين بأربعة مراحل مصر عبد الناصر كانت حليفا لفلسطين وعدوا لإسرائيل، وفي زمن السادات اصبحت مصر، حليفا للفلسطينيين لكنها باتت في حالة لا حرب مع إسرائيل، وجاء زمن حسني مبارك، حيث وانت مصر بين السلام مع إسرائيل والموقف العربي الداعم للقضية الفلسطينية، وتحول الدعم إلى دعم سياسي أدبي لا أكثر.

مع قدوم عبد الفتاح السيسي، ظهرت مستجدات خطيرة في خارطة الصراع العربي الإسرائيلي، توجت باتفاقات سلام بين إسرائيل وكل من عمان والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وكانت مصر هنا هدفا للضغط المالي الخليجي لوضع مصر في جانب هذه الاتفاقات، وقبلت مصر “السيسي” بتلقي الهدايا السياسية (تثبيت الحاكم) و الاقتصادية (معونات مالية واستثمارات خليجية) مقابل تبني مصر للموقف الخليجي الرافض للحرب مع إسرائيل.

سمحت مصر بإغلاق معبر رفح للضغط على الفلسطينيين إنسانيا وعسكريا، وكانت عنصرا حاسما في إيقاع الفلسطينيين في فخ أسمه قطاع غزة للضغط على الفصائل الفلسطينية التي تقاتل إسرائيل وجمهورها محاصر تحت القصف دون حماية من أحد.

نعم لقد اختارت مصر أن تكون ضمن التيار المصر على فرض تسوية على الفلسطينيين لاتتناسب مع طبيعة الصراع، وقبلت مصر أن تتراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 60 بالمئة، لأنها تلقت تعويضا خليجيا أوروبيا عن ذلك، كما أنها لعبت دورا محايدا هي وقطر عندما استضافتا مفاوضات الهدنة، وتعاملتا مع الطرفين بنفس المقياس، مع أفضلية لإسرائيل بسبب المونة المالية.

ولمن يسال عن سوريا، فإن المراقب لا يحتاج الكثير من الجهد ليكتشف أن الدولة التي تعيش صراعا داخليا مدمرا منذ 13 عاما، ليس لديها ما تقدمه للفاسطينيين، وهي بالكاد تستطيع أن توفر الوقود لنقل الموظفين إلى عملهم، ومع ذلك يمكن القول إن سوريا لم تكن متشجعة لدخول الحرب خاصة وأن حماس كانت قد وقفت موقفا سلبيا من الحكومة السورية في بداية الحرب السورية، لذلك ربما لم يكن لدى سوريا مشكلة في تلقي حماس ضربة قوية، لكنها لم تكن تتخيل أن تصل الأمور إلى حد التصفية العسكرية والسياسية لحماس.

يبقى أن نتحدث عن إيران وحزب الله، وهما حليفان كبيران لحماس، ويعلنان العداء لإسرائيل، فهل كانا قادرين على فعل شيء، أكثر مما قاما به؟.

بالنسبة لحزب الله فقد اختار أن يكون مشاغلا لإسرائيل في الجبه الشمالية لتخفيف الضغط عن جبهة قطاع غزة، وكانت الاشهر السبعة الماضية حافلة بالضربات المتبادلة بين الحزب و إسرائيل، لكن هل كان ذلك كافيا؟، الجواب قطعا لا، أما لماذا؟، فربما لأن الحزب لم يحصل على موافقة إيرانية على بدء حرب مفتوحة مع إسرائيل، فغيران لديها حساباتها كدولة إقليمية وهي حسابات تلتقي مع حسابات حزب الله في نقاط كثيرة لكنها أوسع منها في كثير من الجوانب، وخاصة لجهة العلاقة مع أمريكا ودول الخليج، وتأثير الحرب المفتوحة على المشروع الإيراني الممتد من طهران إلى غزة وخاصة أن المعركة مع إسرائيل تعني بالضرورة المعركة مع أمريكا، فهل تخاطر إيران بمشروعها كاملا مقابل جبهة اعتادت على تلقي الضربات بشكل منفرد؟ كان الجواب الإيراني واضحا..تسطيع غزة أن تتحمل المزيد..ولو كانت غزة على حدود إيان لتغير الوضع حتما لكنها للأسف بعيدة عن طهران، قريبة من القاهرة وعمان ودمشق والرياض.

هل انتهت الأمور هنا؟، لايبدو ذلك مقنعا، فالجميع يعلم أن العرب و الأاوروبيين والأمريكان، أعطوا فرصة لنتانياهو للقضاء على حماس، لكنها ليست فرصة بلانهاية، ويبدو أن إسرائيل غير قادرة على تنفيذ المهمة، لذلك حتى لو اجتاحت رفح ودمرتها فإن الحرب ستنتهي لكن حماس لم تنتهي، وهناك يبدأ فصل آخر، تعلم الفلسطينيون الدرس، وأدكوا ان المعركة يجب ان تنتقل لداخل إسرائيل، ليس عبر الصواريخ فقط، لابد من وجود حماس داخل إسرائيل، وهذا ما أتنبأ به شخصيا…لن يعتمد الفلسطينيون على شروال عمان أو طربوش مصر أو عمامة إيران، سيعملون تحت القلنسوة الإسرائيلية ..والأيام ستكشف أن الشعوب عندما تشعر باليأس تبدأ بالبحث عن معجزة.. فهل اقتربت معجزة انهيار إسرائيل؟ .. لننتظر ونرى ما سيجري بعد وقف إطلاق النار وانكشاف مدى خيبة الفلسطينيين من الجغرافيا.. التي خانتهم دون تخفي أو مواربة هذه المرة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ. عمر علي

كاتب سوري مختص بالشأن السياسي

اترك تعليقاً