فرنسا: المصلحة أولا فلا حفتر ولا السراج!

فرنسا: المصلحة أولا فلا حفتر ولا السراج!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

في حين يتبادل اطراف الصراع في ليبيا من الليبيين الاتهامات لبعضهم البعض، ويحاول كل منهم ان يسجل نقاطا على الآخر في صراع عبثي سخيف، دون مراعاة لمصلحة الوطن العليا، تقدّم لهم كل يوم جديد دروس حقيقية، حول كيف تسعى وتحافظ الدول الأخرى على مصالحها، وكيف تضع اولوياتها الاستراتيجية وتحرص عليها، دون مراعاة لأي اعتبارات أخرى لأطراف ربما كانوا يوما ما حلفاء لها، أو التقوا في المواقف لمقتضيات مصلحة مشتركة ولكنها مرحلية، فهل يا ترى هناك من يتعظ ويعتبر ؟! أم أن ساستنا يتغافلون عن ذلك ويضعون انفسهم خارج دائرة العقل والتفكير وبالتالي هم فعلا خارج نطاق التغطية السياسية والوطنية، ولا يستوعبون دروس التاريخ التي تقدم لهم تباعا.

لا يخفى على احد تدخل بعض الدول النافذة في الشأن الليبي منذ عام 2011 اقليميا ودوليا ، ومن بين تلك الدول فرنسا التي سبقت غيرها باستخدام القوة، عندما قامت طائراتها بقصف رتل الجيش الليبي المتجه نحو الشرق، اثناء الأيام الأولى لإنتفاضة فبراير وما كان لذلك من أثر في ايقاف تقدم الجيش في عهد القذافي، ومن ثم التمدد غربا الى ان سقط النظام ، وبعد سقوط النظام تُرك الليبيون لشأنهم ولكن تحت عيون غربية تراقب عن كثب!، وحيث أن الليبيين كان يجمعهم هدف واحد وهو اسقاط نظام القذافي، لم يفكروا في مرحلة ما بعد القذافي، فأختلفوا في بعضهم مباشرة بعد سقوط النظام، ولم يتمكنوا من الإمساك بزمام الأمور في البلد الخارجة من تقاتل أهلي مسلح نتج عنه تباين عقائدي وجهوي، ليجدوا انفسهم في فوضى عارمة لا أول لها ولا آخر.

لقد تبيّن للعالم عندئذ أن الليبيين لم يكونوا في مستوى الحدث، وبالتالي كان لزاما أن يستمر التدخل الأجنبي في شئونهم ولو عن بعد، وكان طبيعيا ان تنقسم الدول النافذة المهتمة بالشأن الليبي تبعا للإنقسام الداخلي، وتشكلت بذلك حالة اصطفاف واضحة فدول تدعم هذا الطرف واخرى تدعم الطرف الآخر، فرنسا مثلا كانت أول من دعم عملية الكرامة في الشرق بقيادة حفتر واستمرت في ذلك، وبين الحين والآخر كانت تحاول أن تلعب دورا بارزا في القضية الليبية، لكنها تصطدم احيانا بالموقف الايطالي الذي يدعم الطرف الآخر، وهو ما جعلها تبحث عن مبادرات لجمع الفرقاء الليبيين على طاولة واحدة، وقد نجحت فعلا في ذلك واستطاعت ان تجمع كل من عقيلة وحفتر من جهة مع السراج والمشري والسويحلي من الجهة الأخرى من خلال مؤتمرات عقدت بالخصوص.

فرنسا هذه انطلاقا من استراتيجيتها القومية، ومحافظة على نفوذها في افريقيا، وخاصة في الدول الفرانكوفونية حينما وجدت أن تهديدا محتملا من المعارضة التشادية لنظام الرئيس دبي، حليفها في تشاد سارعت وبدون تردد لدعم النظام التشادي، ولم تعر الشأن الليبي كبير اهتمام، فأولويات المصلحة الفرنسية تتطلب أن يتأخر الملف الليبي عن الملف التشادي، وهذا ما تم تطبيقه فعليا حينما قامت الطائرات الفرنسية بقصف رتل من المعارضة التشادية المسلحة كان فارا من ليبيا وداخلا تشاد، بمنظور المصلحة الليبية يعتبر ذلك الإجراء ضربة شديدة لجهود الجيش الليبي، الذي يسعى لطرد المعارضة التشادية من الاراضي الليبية، اذ منطقيا سيجعل ذلك التصرف المعارضة التشادية تغيّر من حساباتها، وقد تعزف عن العودة أو تأخير العودة لتشاد، وبالتالي استمرار بقائها في ليبيا وما يترتب عن ذلك من معارك قد تفرض على الجيش الليبي كان سيتجنبها لو سُمح للمعارضة التشادية بالعودة الى بلدهم دون قصف الفرنسيس!.

اذا على الذين يصرّون على ان فرنسا تدعم الجيش الليبي في الجنوب، عليهم اعادة النظر في رؤيتهم وفقا لهذه المتغيرات، وعلى الجيش الليبي في الجنوب ايضا ان يدرك هذه الحقيقة، وأن يحسن التعامل معها، واستغرب في هذا السياق كيف تناولت بعض الجهات والقنوات المحسوبة على الجيش الليبي، موضوع القصف الفرنسي للمعارضة التشادية على الحدود الليبية، وكأنه دعم لجهود تطهير الجنوب الليبي من المعارضة التشادية! إذا ينبغي على الجيش الليبي في الجنوب التعامل مع الأحداث وفقا للمصلحة الوطنية وأن لا يعوّل دائما على دعم الأجنبي مهما كانت المبررات، وأن يبحث عن قنوات تواصل مع المعارضة التشادية تجنب الليبين الإصطدام المباشر معها حفظا لدماء ابنائنا، والبحث عن مخارج سلمية، إما بتسليم اسلحتها طوعيا أو بالخروج من الأراضي الليبية الى تشاد وفق اتفاق محدد، وأعتقد أن قادة الجيش الليبي يعون هذا ويتعاملون مع الموقف كما ينبغي، من هذا المنطلق هل يفهم ساستنا المختلفين التائهين كيف أن مصلحة فرنسا تأتي أولا؟!  فلا حفتر ولا السراج، ويدركون أن التفافهم حول بعضهم هو الخيار الصحيح!؟.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 3

  • عبدالحق عبدالجبار

    اخي الدكتور عبيد الرقيق .المحترم … مقال رائع و واقع لا غبار علية … مصلحة فرنسا وقطر في 2011 و مصلحة فرنسا في الجنوب الليبي … ولكن اخي الدكتور عبيد تطلب من المغروسين من هذه الدول التي لا تري الا مصلحتها ولم تغريهم الا لمصلحتها الالتفاف حول بعضهم …. هذا يعني تقوية تلك الدول … و خبط البلاد والعباد … مشكلة البلاد في خيرات الصخيرات و الدوامة التي وضعت هذه الخيرات البلاد فيها …. الحل بسيط جداً حل خيرات الصخيرات من جذورها … وأعطي البرلمان والحكومة الوقتة بمساعدة الجيش الموحد اقامة الانتخابات الرائسية و البرلمانية والتصويت علي الدستور … هذا هو الحل …
    راهو يا خو عبيد السراج ورق بل اصبح ملف يعتقد انه رئيس بحق وحقيقي …. لقد عين رئيس اركان جديد اليوم بأمر من اصحاب المصلحة … وكما تعلم الكذاب كذاب الي حين يصدق نفسة

  • عبدالحق عبدالجبار

    يزرعون أنفسهم بداخلنا…..وبعدها يمزقون أجسادنا….وهم يخرجون….مؤلم حقا ان نكتشف متاخرين اننا لم نكن نعني لهم شيء!. ونتعلم او لا نتعلم بعد مر السنيين الذي كان يعني لهم انه تحت الارض …رزقه الله لنا بدون استشارتهم … ونقوم نحن باستشارتهم وأخذ بقراراتهم بقتل بَعضُنَا البعض لإخراجه وإعطاءه لهم مقابل حفنة لا تصل إلي اصحاب الارض التي اخرج منها….انها قصة بدائة و نهاية الحكاية ……

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً