آلاف اللبنانيين يبحثون عن وطن بديل عبر «قوارب الموت»

بعد أنفجار مرفأ بيروت وتأزم الوضع المعيشي في لبنان.

يتهافت اللبنانيون بالألاف لمغادرة بلادهم بحثا عن وطن بديل بعدما فاقم الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في4 من أغسطس الماضي الأزمة المعيشية التي تعاني منا كل الطبقات الاجتماعية بسبب حال الإفلاس العام في البلاد وتوقف المصارف عن دفع مستحقات المودعين .

ولا يتورع الباحثون عن أمل بحياة أفضل عن المخاطرة بحياتهم لمغادرة البلاد على قوارب الموت كما هو الحال بالنسبة لشعوب بلدان تعاني اما من الفقر او من الظلم والحروب . ووفق مانقلت إذاعة مونت كارلو عن وكالة الصحافة الفرنسية التقرير الاتي عن هجرة الفقراء اللبنانيين :

لم تتوقّع سعاد محمّد أن زوجها الذي اختار خوض غمار البحر على متن أحد قوارب الموت، هرباً من فقر مدقع في شمال لبنان، ستبتلعه الأمواج قبل بلوغه قبرص ولن تعود حتى جثته إليها.

   وتقول سعاد 27 عاماً، وهي تحضن رضيعها  بينما تغالبها دموعها “أنتظر جثة زوجي”.

وزوجها شادي رمضان 35 عاماً السوري الجنسية كان في عداد عشرات فروا على متن قارب انطلق من منطقة عكار شمالاً بعدما دفعوا مبالغ مالية لأحد المهربين، آملين ببلوغ السواحل القبرصية، على بعد 160 كيلومتراً.

وانتهى بهم الأمر ضائعين في عرض البحر لأيام قبل أن تعثر عليهم وحدة من قوة الأمم المتّحدة الموقّتة في جنوب لبنان يونيفل وتعيدهم.

وعلى وقع الانهيار الاقتصادي الأسوأ في تاريخ لبنان، تكرّرت مؤخراً محاولات الهجرة غير الشرعية.

واعترضت السلطات القبرصية واللبنانية خمسة قوارب على الأقل، أقلّت وفق الجانب القبرصي أكثر من 150 مهاجراً سوريا ولبنانياً، وبينهم نساء وأطفال.

 في منزل والديها في منطقة القبّة، في مدينة طرابلس، إحدى أكثر مدن لبنان فقراً، تمرّ الدقائق على سعاد وكأنّها دهر.

وتوضح من دون أن تتمالك نفسها “شادي رجل مسكين يعاني من مرض السكري ونوبات في الرأس، لا أم له ولا أب”، مضيفة “هرب من لبنان من شدة الفقر لتأمين المال لنا”.

في أزقة طرابلس، عمل شادي خلال الأشهر الأخيرة على عربة لبيع المثلجات. ولم يكن مدخوله اليومي يتخطى عشرين ألف ليرة، أي دولارين ونصف وفق سعر الصرف في السوق السوداء، بينما سعر كيس الحفاضات 33 ألف ليرة.

على وقع الأزمة الاقتصادية وتدهور سعر صرف الليرة، فقد السكان قدرتهم الشرائية في ظل ارتفاع جنوني في أسعار السلع على أنواعها. وخسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من مصادر دخلهم.

وفاقم انشار فيروس كورونا المستجد ثم الانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس الوضع الاقتصادي سوءاً.

“تجار البشر”

وعثرت قوة من اليونيفيل الإثنين الماض على القارب وكان على متنه 36 شخصاً وآخر متوف في المياه الدولية قبالة الشواطئ اللبنانية.

وتوزّع الركاب بين 25 سورياً وثمانية لبنانيين وثلاثة من جنسيات أخرى بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ورافق شادي في الرحلة عدد من أقارب زوجته من آل محمّد توفي منهم طفلان صغيران جراء العطش والجوع، ما دفع الركاب إلى رميهما في البحر، وفق ما ينقل زياد البيرة، أحد أفراد العائلة.

ويروي زياد لفرانس برس أن القارب انطلق من شاطئ المنية في 7 سبتمبر بعدما دفع كل راكب مبلغ 5 ملايين ليرة “لأحد المهربين” الذي وصفه بأنه “من تجار البشر”.

وينقل عن ناجين أنّ المهرّب “منعهم من حمل أمتعتهم التي تحتوي على الماء والطعام وحليب الأطفال، وطلب منهم وضعها في مركب ثانٍ لثقل الحمولة على أن يلتقوا سوياً في إحدى الجزر، لكنه اختفى عنهم”.

وبقي الركاب، وفق قوله، “عالقين في البحر من دون مرشد وانقطع التواصل معهم لأيام إلى أن عثرت عليهم اليونيفل”.

وبحسب زياد، بادر شادي، زوج سعاد، إلى السباحة لاستطلاع إمكانية العثور على وسيلة إنقاذ، بعد وفاة الطفلين “لكنّه ذهب ولم يعد”.

وأقدم محمّد 27 عاماً على الأمر ذاته ولم يعد أيضاً. ويروي والده خلدون 54 عاماً لفرانس برس “كان إبني عاطلاً عن العمل، وهرب من دون علمي”.

ويضيف بغصّة بينما يعرض صورة لابنه عبر هاتفه “بقي المهرب يطمئننا أن المركب وصل بخير، إلى أن اكتشفنا بعد ثلاثة أيام أنه يخدعنا ولم نستطع التواصل مع أحد من أولادنا”.

ومنذ انكشاف مصير القارب، يحاول أفراد عائلة محمّد عبثاً التواصل مع المهرّب، وهو أحد أبناء المنطقة، لكنه متوار عن الأنظار. وتم حتى الآن تقديم ثلاث شكاوى بحقه أمام النيابة العامة التمييزية.

“أكرر التجربة”

لم يكن هذا القارب الأول الذي يغادر شواطئ الشمال اللبناني باتجاه قبرص خلال الأسابيع الماضية. ورغم أن الرحلة محفوفة بالمخاطر لكن كثراً يفضلون قوارب الموت هذه على العوز.

ومطلع الشهر الحالي، هرب العشرات من منطقة الميناء، بعدما اشتروا قارباً مشتركاً تقاسموا ثمنه بعدما باعوا مقتنيات منازلهم، وفق ما يروي خالد عبدلي 47 عاماً الذي كان في عدادهم مع صديقه محمّد الخانجي 37 عاماً.

وبعد 40 ساعة في البحر، اعترضت البحرية القبرصية قاربهم لتعيدهم لاحقاً مع مجموعة لبنانية أخرى كانت وصلت قبلهم من طرابلس.

ويقول خالد الذي يعمل حارساً لمدرسة ويجني نحو ثلاثة دولارت يومياً “ما زلت مصراً على أن أعيد تجربة الهروب بأي ثمن”. 

أما محمّد، بائع الخضار المتجول وأب لطفلين صغيرين، فقد اختار الهرب بعدما أصبح “عاجزاً” عن تأمين احتياجات عائلته الأساسية ودفع بدل إيجار منزله.

ويروي لفرانس برس “رأينا الموت بأعيننا، فيما كان الأطفال يبكون طوال الوقت”.

وبرغم ذلك، يبدي استعداده لإعادة الكرّة مجدداً، مؤكداً “سأفعل المستحيل لأطعم أولادي  من سابع المستحيلات أن أبقى في هذه البلاد”.

ويقول “إما أن نصل أو نموت سريعاً بينما في هذا البلد نموت ببطء”.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً