أزمة حكومة… أم أزمة حكم؟

أزمة حكومة… أم أزمة حكم؟

اختلفت الآراء كثيراً حول توصيف حقيقة الأزمة التي تعيشها بلادنا منذ فترة، بين قائل بأن المسؤولية الكاملة عن الأزمة تقع على عاتق الحكومة، لأنها فشلت في إنجاز ما تحدثت عنه من خطط وبرامج، وعجزت عن مواجهة ما أخذت البلاد تتعرض له من أزمات خطرة، خاصة على صعيد الأمن وبناء المؤسسات، وبين قائل إن الأزمة هي أبعد وأوسع من نطاق الحكومة، وأن الحكومة ليست إلا مظهراً من مظاهر الأزمة الحقيقية، التي تقع على صعيد نظام الحكم برمته.. ومن ثم فأنصار هذا الرأي الأخير يقولون إن أزمتنا في الحقيقة ليست أزمة حكومة، بقدر ما هي أزمة حكم.

وإني أرى أن ملامح الأزمة أخذت تظهر، ولو في صورة غائمة، بدت قليلة الأهمية والأثر، منذ اليوم الأول لتولي المؤتمر الوطني العام أعماله.. وكلنا نذكر كيف أن رئيس المؤتمر الوطني، الدكتور محمد يوسف المقريف، لم يمض على انتخابه يوم واحد، حتى رأيناه يغادر البلاد ليحضر مؤتمر قمة عربياً في المملكة السعودية، فأخذ السؤال يطرح بقوة: هل رئيس المؤتمر الوطني من صلاحياته ممارسة مهام رئيس الدولة؟ أم أن المؤتمر الوطني العام كمؤسسة هو الذي يخوله الإعلان الدستوري ممارسة تلك المهام؟

ثم أخذت مظاهر الأزمة تتوالى واحدة بعد الأخرى. وكان المظهر الثاني الذي لفت الأنظار بقوة، وأثار التساؤلات يتمثل في شروع المؤتمر الوطني في مناقشة وإصدار قوانين وتشريعات، رأى كثيرون أنها ليست من صلاحياته باعتباره مؤسسة مؤقتة، لها صلاحيات محدودة بالأمور الضرورية لإدارة وتسيير المرحلة الانتقالية حتى الانتهاء من انتخاب مؤسسات الدولة كما ينص عليها الدستور الدائم للبلاد… وأخذنا نتابع كيف أن المؤتمر بات ينشغل بمثل هذه التشريعات أكثر من انشغاله بالمهام والاستحقاقات الأساسية التي كنا نحسب أنه انتخب من أجلها وفي مقدمتها تشكيل/انتخاب اللجنة التأسيسية لوضع مشروع الدستور الدائم.

ثم برزت ملامح أخرى للأزمة تمثلت في حدود العلاقة بين المؤتمر الوطني، كمؤسسة ذات صلاحيات تشريعية ورقابية، وبين الحكومة، كمؤسسة ذات صلاحيات تنفيذية، فبتنا نشاهد تداخلاً خطراً بين الجانبين، تمثل في تدخل المؤتمر الوطني في صلاحيات الحكومة التنفيذية، وبلوغ ذلك أحياناً حداً خطراً، أدى إلى عرقل الحكومة عن تنفيذ برامجها ومخططاتها.

ولعل من أخطر ملامح الأزمة تلك النسبة التي اشترطها الإعلان الدستوري لحسم مسألة منح أو سحب الثقة من الحكومة، وهي نسبة عالية، تبين عملياً أنها مستحيلة التحقق، في ظل ما أخذ يشهده المؤتمر من تجاذبات وصراعات بين مكوناته، ولا سيما ما بات يعرف بصراع الكتل وتجاذباتها. ولعل ما تعيشه البلاد الآن من أزمة مستفحلة على صعيد البت في مسألة سحب الثقة من حكومة السيد علي زيدان خير مثال على ذلك… فقد ثبت أن جمع المائة وعشرين صوتاً اللازمة لإسقاط الحكومة أمر غير ممكن..

وهنا برز الملمح الأخطر في تقديري للأزمة، وهو عدم وجود الآلية الضرورية لتجاوز مثل هذه الأزمة، وهي الآلية التي تتبعها الدول المستقرة، من خلال الوسيلة التي تنص عليها دساتيرها لحل الأزمة السياسية عندما تقع؛ إذ يحق لرئيس الدولة في النظام الجمهوري البرلماني، عندما تفقد الحكومة الأغلبية التي استندت إليها في البرلمان، أن يدعو إلى انتخابات برلمانية مبكرة، كي يتم تجاوز الأزمة، والمضي في اتجاه تشكيل حكومة جديدة، في حين تنص الدول ذات النظام الرئاسي مثلاً على حق رئيس الدولة في حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة..

وهنا تمثل في تقديري لب الأزمة السياسية التي نعيشها في بلادنا الآن، وهو عدم تحديد طبيعة نظام الحكم ومؤسساته في الإعلان الدستوري؛ بما يكفي من الوضوح لوجود توصيف دقيق لمؤسسة التنفيذ (السلطة التنفيذية) ومؤسسة التشريع والرقابة (السلطة التشريعية)، ومؤسسة الفصل في المنازعات بين هاتين السلطتين (المؤسسة القضائية).

ومن هنا فإني أخلص إلى القول بأن ما نعانيه الآن في بلادنا ليس أزمة حكومة، تنتهي بسحب الثقة من الحكومة القائمة وإبدالها بغيرها، بقدر ما هي أزمة نظام الحكم.. وليس لنا من حل إلا إعادة النظر في الإعلان الدستوري، في اتجاه استبدال المواد المتعلقة بنظام الحكم بمواد أخرى، تنص على وجود سلطة تشريعية (مجلس نواب) وسلطة تنفيذية (رئيس دولة).. ثم الشروع في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، تأتي لنا بمؤسستين للحكم تستلمان السلطة من المؤتمر الوطني العام، لإدارة البلاد في مرحلة انتقالية ثالثة، نتفرغ خلالها لترتيب أولويات البلاد، والتوافق الوطني حول ملامح الدستور الدائم.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً