أكثر من 220 جريحاً في لبنان والأمن يعرض صورة «قنبلة يدوية»

أكثر من 220 شخصاً أصيبو بجروح في اشتباكات عنيفة، دارت أمس الأربعاء، لليلة الـ3 على التوالي، في مدينة طرابلس بشمال لبنان بين قوات الأمن ومتظاهرين خرجوا للاحتجاج على القيود الصحيّة والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ فيها البلاد، ونشرت قوات الأمن صورا أظهرت “قنابل يدوية” ألقيت على عناصرها. 

وقالت “الوكالة الوطنية للإعلام” الرسمية اللبنانية إنّ المواجهات أسفرت عن سقوط 226 جريحاً، 66 منهم نقلوا إلى المستشفيات بسبب خطورة إصاباتهم والبقية أسعفتهم ميدانياً طواقم طبية تابعة للصليب الأحمر اللبناني و”جهاز الطوارئ والإغاثة”.

وفي تغريدة على تويتر قالت قوى الأمن الداخلي إنّ عددا من عناصرها تعرّضوا لهجوم “بقنابل يدوية حربية وليست صوتية أو مولوتوف، مما أدّى إلى إصابة 9 عناصر، بينهم 3 ضباط، أحدهم إصابته حرجة”.

وذكرت وكالة “فرانس برس”، أنّ المواجهات اندلعت بعد الظهر عندما رمى عشرات الشبّان الحجارة وقنابل المولوتوف والمفرقعات باتّجاه عناصر القوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة وخراطيم المياه لتفرقتهم، في مشهد تكرّر في اليومين السابقين.

بعدها حاول حشد من المحتجّين الغاضبين اقتحام مبنى السراي، مقرّ محافظ المدينة، بينما تجمّع آخرون في ساحة النور، أحد أبرز ميادين الاعتصام خلال الاحتجاجات الضخمة التي شهدها لبنان بطوله وعرضه ضدّ الطبقة الحاكمة في خريف 2019.

وعند المساء، سمع إطلاق أعيرة نارية حيّة مجهولة المصدر في منطقة موقع التظاهرة بينما أشعل المتظاهرون النار في مدخل مبنى للشرطة.

وقال محمّد 25 عاماً، المتظاهر الملثّم الذي فقد عمله مؤخراً في تصليح السيارات، “اتخذنا قراراً بمواصلة تحركاتنا مهما كلّف الثمن… لأنّه لم يبق لنا ما نخسره في البلد”. وأضاف “نحن نعيش في المدينة بظروف بائسة، لم أترك باباً إلا طرقته، لكنّني لم أجد فرصة عمل تؤمّن قوتنا اليومي”. 

بدوره قال محمد عز الدين 20 عاماً، الذي يعمل في متجر لبيع المنظّفات، “نحن هنا لنطالب بالأكل، الناس جاعوا”، مشيراً تحديدا إلى الأحياء الشعبية والفقيرة في مدينة طرابلس. 

وبعد ساعات عدة من الاشتباكات، نشرت قوات الأمن الداخلي والجيش اللبناني تعزيزات حول مبنى السراي وفي ساحة النور لتفريق المتظاهرين ومنعهم من اقتحام مقرّ المحافظة.

لكنّ المتظاهرين تراجعوا إلى الأزقة المجاورة حيث تحصّنوا لتستمرّ الاشتباكات حتى وقت متأخر من المساء.

وكانت مواجهات مشابهة لكن أقلّ حدّة أسفرت، الثلاثاء الماض، عن إصابة 45 شخصاً، مقارنة بـ30 شخصاً أصيبوا في المواجهات التي دارت يوم الاثنين، وفقاً للصليب الأحمر اللبناني. 

وطرابلس، 2 كبرى مدن لبنان كانت أصلاً إحدى أفقر مدن البلاد حتّى قبل أن يتفشّى فيروس كورونا المستجدّ وتضطر السلطات لفرض تدابير إغلاق عام في محاولة لوقف تفشّي الجائحة، في إجراءات أدّت إلى تدهور الظروف المعيشية في البلاد.

ووجد قسم كبير من سكّان المدينة، ولا سيّما منهم العمال المياومون، أنفسهم دون أي مدخول منذ دخلت حيّز التنفيذ إجراءات الإغلاق العام.

وبالإضافة إلى الوضع الصحّي شبه الكارثي، غرق لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية (1975-1990) إذ انخفضت قيمة عملته إلى مستوى غير مسبوق وتضاعفت معدّلات التضخّم في البلاد واضطرت شركات عديدة إلى القيام بعمليات تسريح جماعية لموظفيها.

وبات نصف سكان لبنان الآن يعيشون تحت خط الفقر، في حين أن الطبقة الحاكمة متّهمة بعدم الاكتراث بمشاكلهم.

وبعدما كانت حركة الاحتجاج ضدّ تدابير الإغلاق العام تقتصر على مدينة طرابلس لوحدها، امتدّت شرارة الاحتجاجات، يومي الثلاثاء والأربعاء، إلى مدن أخرى حيث قطع متظاهرون بعض الطرق. 

وفي العاصمة بيروت، أضرم متظاهرون النار في إطارات سيارات أمام جدار يفصل ساحة رياض الصلح في وسط المدينة عن مقرّ البرلمان، فيما أغلق آخرون طريق المدينة الرياضية بحاويات القمامة والإطارات المشتعلة، بحسب ما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام.

ويشهد لبنان منذ نحو أسبوعين إغلاقاً عاماً مشدّداً مع حظر تجول على مدار الساعة يعدّ من بين الأكثر صرامة في العالم، لكنّ الفقر الذي فاقمته أزمة اقتصادية لا تنفكّ تتفاقم يدفع كثيرين الى عدم الالتزام سعياً إلى الحفاظ على مصدر رزقهم.

ولا يمنع تشدّد السلطات في تطبيق الإغلاق العام، الذي يستمر حتى 8 من فبراير، وتسطير قوات الأمن يومياً آلاف محاضر الضبط بحق مخالفي الإجراءات، كثيرين ولا سيّما في الأحياء الفقيرة والمناطق الشعبية من الخروج لممارسة أعمالهم، خصوصاً في طرابلس، حيث كان أكثر من نصف السكان يعيشون منذ سنوات عند أو تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة. ويرجّح أن تكون النسبة ارتفعت على وقع الانهيار الاقتصادي.

وذكرت وسائل اعلام محليّة، الثلاثاء، أنّ أباً يعمل سائق أجرة أقدم على ترك طفلته التي تبلغ بالكاد عامين مع أحد ضباط الجيش ليلاً في طرابلس لعدم قدرته على إطعامها. وتولى الصليب الأحمر الكشف عن صحتها قبل أن يصار إلى توقيف الأب ثم تسليمه الطفلة.

ولبنان، البالغ عدد سكّانه 6 ملايين نسمة، سجّل منذ مطلع العام معدّلات إصابة ووفيات قياسية، بلغت معها غالبية مستشفيات البلاد طاقتها الاستيعابية القصوى. وارتفع عدد الإصابات منذ بدء تفشي الفيروس إلى أكثر من 289 ألفاً و660، بينها 2553 وفاة. 

وشهد لبنان حركة احتجاج غير مسبوقة، في خريف 2019، ضدّ الطبقة الحاكمة المتّهمة بالفساد وانعدام الكفاءة وعدم الاكتراث. وخفّت حدّة الحركة الاحتجاجية تدريجياً قبل أن تتلاشى تماماً مع تفشّي كورونا المستجد وتدابير الإغلاق العام المتتالية التي فرضتها السلطات.

ولا يزال لبنان من دون حكومة، منذ أغسطس، بسبب عدم توصل الأحزاب الحاكمة إلى اتفاق، على الرّغم من تعرّضها لضغوط محليّة وإقليمية ودولية قوية.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً