إخواننا دعاة الفدرالية ومسألة انتخاب لجنة الدستور

إخواننا دعاة الفدرالية ومسألة انتخاب لجنة الدستور

لعله ليس خافياً على أحد أن إخواننا المؤمنين بالشكل الفدرالي للدولة، هم أساساً من كان وراء ذلك التعديل على المادة (30) من الإعلان الدستوري الذي قضى بأن يكون تشكيل لجنة الدستور بطريق الانتخاب المباشر، لا بطريق التعيين والاختيار. وفي تقديري أن ما حفزهم إلى ذلك هو تبينهم خطأ رهانهم على فشل انتخابات المؤتمر الوطني، وفشلهم في الحيلولة دون إتمام الانتخابات في موعدها، على الرغم من المحاولات المستميتة التي بذلوها في سبيل ذلك. وقد تبين لهم أنهم سيكونون أكبر الخاسرين؛ إذ تجري الانتخابات دون مشاركتهم فيها سواء بالترشح لها أو بالمشاركة في اختيار المرشحين.

وهكذا ظهرت فكرة بذل الجهد لإجبار المجلس الوطني الانتقالي على إحداث تعديل دستوري ثان على المادة (30) لجعل تشكيل اللجنة يكون بطريق الانتخاب. وبصرف النظر عما فعلوه في هذا الصدد، ونوعية الضغوط التي مارسوها على المجلس الانتقالي، وخاصة رئيسه السيد المستشار مصطفى عبد الجليل، فإن علينا الاعتراف بأنهم نجحوا في ذلك، فصدر التعديل المطلوب.

بيد أني أريد في هذه المقالة أن أثير تساؤلا أوجهه إلى إخواننا دعاة الطرح الفدرالي هو التالي: وما يضمن لكم أن تكون انتخابات لجنة الدستور في مصلحتكم؟ وماذا لو جاءت النتيجة في غير صالحكم، أي لم تحصلوا في الانتخابات على أية أغلبية مؤثرة داخل اللجنة؟

ليس لدينا من المعطيات الإحصائية الدقيقة ما يساعدنا على تقدير مدى الوزن الحقيقي لدعاة الطرح الفدرالي. هم يراهنون على أن لهم وزناً شعبياً مهماً، يضمن لهم موقعا مؤثرا في اللجنة، ولكني، وأحسب أن كثيرين مثلي، لا يوافقونهم على هذا الرهان، فالدخول في المنافسة الانتخابية يظل دائماً مغامرة مرهونة نتائجها بطبيعة الحراك السياسي وفعالية الوصول إلى الناخبين، ويمكن أن يقع الفدراليون ضحية حسابات خاطئة لمدى قوتهم في الشارع السياسي، أو ضحية تآلف القوى التي لا توافقهم على هذا الطرح ضدهم، فيخرجون من المنافسة، بلا أي حصة أو بحصة ضئيلة لا يكون لها تأثير حقيقي.

فهل من مصلحة إخواننا دعاة الفدرالية خوض هذه المغامرة، أم أن مصلحتهم الفعلية في أن يخوضوا حواراً ديمقراطياً سلمياً، مع سائر القوى السياسية الفاعلة في الساحة، ومع إخوانهم أعضاء المؤتمر الوطني من أجل الوصول إلى حل قد يرضيهم، مقابل موافقتهم على تشكيل اللجنة بطريقة الانتخاب، وهو أن تخصص لهم نسبة عددية محددة في عضوية اللجنة، يختارون هم بالطريقة التي تناسبهم من يمثلهم.

أعرف أن المتطرفين المتشددين من كلا الطرفين: مؤيدو الفدرالية وخصومها سوف يرفضون هذا الاقتراح حتى دون مناقشته، ولكني أطرحه على النظر والحوار على كلا الطرفين، لأني أرى أنه قد يكون كفيلاً بالتخفيف من حدة الاحتقان الذي نعيشه ونحن نواجه معضلة تشكيل لجنة الدستور، وما أوقعنا فيه التعديلان على المادة (30) من الإعلان الدستوري من إرباك وخلط للأوراق، أحدث خللاً خطراً في الموازين والتقديرات.

وأزيد الأمر تحديداً فأقول: لو افترضنا التوافق على تشكيل لجنة الدستور من أي عدد (أنا على الصعيد الشخصي عبرت عن أملي في أن يكون عددا لا يقبل القسمة على ثلاثة)، فربما نتفق أن تخصص لأنصار الطرح الفدرالي نسبة 10% على سبيل المثال، كما نتفق على أن تخصص نسب محددة أخرى لمختلف شرائح وفئات الشعب الليبي: الاجتماعية والمهنية.

بهذا الشكل يمكن أن يضمن إخواننا أنصار الفدرالية حضوراً في لجنة الدستور يمكنهم من قول كلمتهم، والدفاع عن رؤيتهم، ثم يتفق على صيغة إحصائية دقيقة لمعرفة الخيار الذي تؤيده تلك الأغلبية المعتبرة من الناخبين التي تحدثنا عنها في مقالتنا السابقة، وهي صيغة الاستفتاء السابق على صياغة الدستور حول القضايا الجوهرية التي هي محل خلاف أو تباين في وجهات النظر، وبالطبع تأتي على قمة هذه القضايا قضية شكل الدولة: بسيطة أم مركبة، موحدة أم اتحادية (فدرالية).

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً