إخواننا في المؤتمر الوطني: نداء الفرصة الأخيرة

إخواننا في المؤتمر الوطني: نداء الفرصة الأخيرة

أعرف جيداً أنه لا يخفى على إخواننا في المؤتمر الوطني ما يعتمل في نفوس (الناس) من غضب وسخط وتذمر، لما آلت إليه أوضاع البلاد على مختلف الصعد، من انهيار وتخبط وتعثر في مسيرة بناء الدولة في كل الاتجاهات.. فإخواننا في المؤتمر الوطني لم يهبطوا إلينا من كوكب آخر، وهم خرجوا من بين صفوفنا ومن بيوتنا وقبائلنا وعشائرنا، ولم يفقدوا صلتهم بنا، على الرغم من الأوقات التي يقضونها في العاصمة، متمتعين، كما يحسب كثير من الناس، بتلك الإقامة في الفندق الفاخر، وبالمزايا المادية التي خصصت لهم. ومن هنا فلا شك أنهم حين يعودون إلينا في العطلات ونهايات الأسابيع، يتصلون بجسم الشارع ويسمعون نبضات قلوب الناس، ويعايشون جوانب مختلفة من جوانب المأساة والمعاناة والآلام، ونفترض أنهم يتحسسون ما يعتمل في نفوسهم من آمال وتطلعات للدولة التي يحلمون بها، ولنوع الحياة التي يطمحون إليها هم وأولادهم وأحفادهم.

ومن هنا فإني أحسب أنهم، وإذا أردنا التحفظ في إطلاق الكلام، نقول كثيرون منهم باتوا يعلمون أن غالبية كبيرة من الناس تحمّل المؤتمر وحكومته المسؤولية التاريخية الكاملة عن كل مظاهر الفشل والتخبط والتعثر التي تعاني منها البلاد، وأن الناس أخذت منذ وقت طويل تتطلع إلى وجود بديل عن المؤتمر، يحملونه المسؤولية عن إدارة المرحلة المقبلة من مسيرة البلاد نحو وضع أساس بناء الدولة، وهو الدستور الدائم، بعد أن يتمكن من إيجاد حلول ملموسة فعلية لأهم مظاهر الفشل والتخبط، المتمثلة في الوضع الأمني الكارثي، والتعثر المؤسف في خطوات بناء المؤسستين العسكرية والأمنية، والفشل في تحقيق المصالحة الوطنية.

بيد أننا أخذنا نشاهد ونتابع كيف أن إخواننا في المؤتمر الوطني يعجزون عجزاً فاضحاً ومؤلماً عن الاستجابة لهذه التطلعات، ويفشلون في اتخاذ أي خطوات فعلية تطمئن الناس إلى أنهم يدركون أبعادها، ويسعون جادين لإيجاد حلول لها.. ثم أخذنا نتابع كيف أنهم صموا آذانهم تماماً عن الاستماع إلى مطالبات الناس لهم بالرحيل، وأخذوا، أو بالأحرى أخذ كثيرون منهم، حتى لا نظلم بعضهم، يضربون عرض الحائط بالمبادرات والمقترحات التي أخذت تتوالى عليهم، من النشطين والمثقفين والنخبة السياسية في البلاد، متضمنة وجهات نظر محددة حول القضية وآليات إيجاد المخارج والحلول.

وقد كان من أهم ما بدر من تلك الفئة من إخواننا في المؤتمر الوطني أنها، بدلاً من أن تسعى لإيجاد بدائل عن المؤتمر، أخذت تسعى بكل جهدها لإيجاد مبررات وفتاوى تتيح للمؤتمر أن يبقى ويستمر، بعد الأجل الذي يرى كثيرون أن المؤتمر يجب أن تنتهي ولايته عنده، وهو يوم السابع من فبراير 2014. وهكذا خرجت علينا هذه الفئة بما سموه (التصويت المبدئي) على أحد الخيارات المطروحة عليهم، وهو الخيار الذي يتضمن الإبقاء على المؤتمر الوطني كما هو حتى مهلة تصل إلى نهاية سنة 2014 على الأقل.

وإني في هذه المقالة أود أن أوجه إلى إخواننا في المؤتمر الوطني، وأخص منهم بالذكر أولئك الذين ما زلنا نثق في وطنيتهم وإخلاصهم للثورة، ونريد أن نتمسك بالأمل في أنهم ليسوا حريصين فقط على الإبقاء على ما يحققونه من وراء عضويتهم في المؤتمر من مكاسب مادية ومصالح شخصية، أوجه إليهم ما أسميه نداء الفرصة الأخيرة، وهو أن ينحازوا إلى إرادة أغلبية أبناء شعبهم، التي لم يعد يماري أحد في أنها تتجه إلى مطالبة المؤتمر بالرحيل، وترفض التمديد له بأي شكل من الأشكال.

وإني أتوجه إلى هؤلاء بنصيحة صادقة ومخلصة، هي أن يبادروا إلى اتخاذ موقف وطني متميز، في هذه اللحظة الفارقة في تاريخ الوطن والثورة، فينحازوا إلى إرادة شعبهم، ويقفوا وإياهم وراء المطلب الذي بات يتلخص فيما عبرت عنه (مبادرة الخلاص) وهي تمثل بالفعل (خلاصة المبادرات) التي شهدتها الساحة السياسية منذ عدة أشهر، وقدمت جميعها إلى لجنة خارطة الطريق التي شكلها المؤتمر، وتتحدث عن فكرة إجراء تعديل جذري على الإعلان الدستوري، في اتجاه تغيير المواد التي تتعلق بنظام الحكم، وتدعو إلى انتخاب مؤسسة تشريعية (مجلس نواب) ومؤسسة تنفيذية (رئيس دولة)، ثم تخويل لجنة إعداد الدستور العمل على ذلك في مدة زمنية مريحة، تسعى فيها إلى تبين وبلورة التوافق الوطني حول مختلف محتويات الدستور ومضامينه.

وإني أرجو أن يدرك إخواننا هؤلاء أن هذه الفرصة المتاحة لهم قد تكون آخر فرصة لمن يريد منهم أن يواصل وجوده على الساحة السياسية؛ إذ يسجل له المواطنون هذا الموقف الوطني، فيسمو في نظرهم، ولا يفقد ثقتهم، ومن ثم يحتفظ لنفسه بموقع في أي حركة سياسية قادمة… أما من يصر منهم على إغلاق سمعه وقلبه عن دعوات الناس ومطالبهم، فأزعم أنه سوف يكون قد حكم على نفسه بفقدان ثقة المواطنين، وأغلق عليها من ثم فرص مواصلة العمل السياسي في مستقبل الأيام..

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً