إعادة توزيع الثروة بقانون القوة!!

إعادة توزيع الثروة بقانون القوة!!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

عطفا على مقال سابق عنونته بـ  “متلازمة الفقر والإرهاب” ، لازلت أؤكد على أن الفقر والحرمان هما السبب الرئيس وراء اغلب الاعمال الإرهابية والاجرامية ، وانطلاقا من ذلك فأنه لا يمكن فصل ما يجري في ليبيا اليوم من اعمال حرابة وخطف على الطرقات العامة بغرض الارتزاق عن هذا السياق! ، ونظرا لفقدان العدالة الاجتماعية المنصفة – وليست المساواة المطلقة – بين أطياف الليبيين خلال العقود الماضية ترتب عنه ظهور طبقات اقتصادية مختلفة داخل المجتمع الليبي ، تفاوتت من طبقة مرفهة وغنية جدا ، مرورا بطبقة متوسطة ، وانتهاء بطبقة ضعيفة وشبه معدومة ، وهو ما دفع  القذافي بعد ان تحسس عمق تأثيرها في المجتمع الليبي الى دعواته في اكثر من مناسبة الى ما يسمى بتوزيع الثروة او إعادة توزيع الثروة على الليبيين !. وسواء كان القذافي صادقا في ذلك او مستغلا لها كنوع من “التنفيس بالأماني” فان الفكرة كانت جديرة بالاهتمام، وكان ممكنا تفعيلها من خلال برنامج علمي مدروس يستهدف العدالة في توزيع الثروة لتصل كل الفئات وتعيد تشكيل الخارطة الاقتصادية للشعب الليبي بما يقلل من الفجوة العميقة بين الطبقات وكان ذلك لو فعل عملا وطنيا يستحق الإشادة والثناء.

غير ان تلك الدعوات لم تغادر اطارها الإعلامي ، فبقت مجرد شعارات ترفع ، لا اثر لها على ارض الواقع! ، لقد كان مبعث ذلك ولا شك هو الشعور الحقيقي باختلال الموازين في المجتمع الليبي ، وعدم العدالة في توزيع الثروة على الليبيين ، ما يعني استحواذ زمرة من الحذاق على النصيب الأكبر منها ، من خلال ممارستهم لأساليب مختلفة ، عبر قنوات الفساد الممنهج الذي اتبعته مجموعات متنفذة في المواقع  القيادية العامة للدولة الليبية ، تحت  غطاء قانوني نأى بهم عن المسائلة او العقاب ، والذي كان غائبا او مغيبا بالفعل !، وحيث ان مصدر الثروة الليبي الوحيد الأساسي هو النفط فيكون اقتصاد البلد ريعيا صرفا ، وهذا ما انتج حالة من الغبن القسري لدى فئات الشعب المعدومة ، التي ترى انها قد حرمت من ثروتها ، التي استحوذ عليها القلة من مستغلي المناصب ومراكز القوة ، فولَد هذا الأمر حالة من الإحباط المعنوي لدى الكثير من افراد الشعب .

ان ما حدث في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي من تغيير راديكالي على مستوى بعض الافراد والجماعات اقتصاديا ، شكَل منعطفا خطيرا على مجمل الوضع الاقتصادي الليبي ، حيث حاولت بعض المجموعات ان تفتك الثروة بقوة السلاح في عدم وجود ما يردع ويحمي القانون ، وهو فعلا ما شهدناه من اندفاع لما يسمون انفسهم بالثوار للاستيلاء على ما يمكن من مقدرات الدولة العامة والخاصة ، وابعد من ذلك الى تطويع المسئولين تحت تأثير القوة واجبارهم على صرف المنح والمكافئات بدون ضوابط ، في اكبر حملة فساد مالي واداري شهدتها ليبيا حتى الآن ! ، الامر الذي ترتب عليه صرف المليارات في شكل مكافئات للثوار او على العلاج او غيرها ، ثم استمرار تغوَل المجموعات المسلحة ، وفرض توظيف عناصرها بالقوة في المؤسسات المختلفة رغم عدم الحاجة! ، وخاصة فيما يتعلق بالمؤسسات الأمنية تحت مسميات وهميَة في الداخلية والدفاع !

ذلك الوضع اوجد أرضية خصبة دفعت ببعض المحرومين والفقراء من الليبيين الى امتلاك السلاح الذي كان سهلا الحصول عليه ومحاولة توظيفه في الحصول على الأموال ، ولأنهم لم يتاح لهم الانضواء تحت تلك التشكيلات المسلحة التي ظهرت على اثر سقوط النظام لأسباب كثيرة ، منها حالة الاقصاء والتهميش المتعمد لهم من قبل من يسمون ثوارا! ، فقد انتهجت هذه المجموعات سياسة أخرى مغايرة للحصول على المال من خلال وسائل الخطف والحرابة في الكثير من المناطق ولذلك شاعت ظاهرة الاختطاف والحرابة والمطالبة بالفدي المالية والتي أصبحت وللأسف واقعا فرض نفسه ويتعامل معه الليبيون مرغمين.

ما يجب الإشارة اليه في هذا السياق ، انه وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن الليبي ، وحالة الغبن والعوز والحرمان ، وخاصة في هذه الآونة ، بعد اشتداد حدة الازمات الاقتصادية والمعيشية قد يكون الباب مفتوحا لتعاظم وتزايد عمليات الخطف والحرابة ، بقصد الحصول على المال ، واذا كنا حتى الآن نجد ان مثل تلك العمليات يقوم بها قلة من عديمي الضمير والسلوك ، فان الحالة البائسة والمستمرة في التدهور لمعيشة المواطن الليبي قد تدفع بالكثير من المواطنين الفقراء الى اللجوء الى مثل هذه الاعمال تحت ضغط الحاجة والعوز لسد الرمق ،  ان الأمر قد يبدو محاولة جديدة لإعادة توزيع الثروة بين الليبيين بقوة السلاح  يراها الفقراء والمحرومون ، في ظل دوافع واقعية تتفاقم كل يوم جديد .

اذا هذه دعوة صادقة للاهتمام بالأمر، والبحث الجاد عن السبل الناجعة التي تحول دون تحول عدد كبير من الليبيين الى محاولات الحصول على معيشتهم بالقوة، في غياب الردع الكافي وتحت ضغط الحاجة الملحة والعوز المعيشي، فهل يتدارك مسئولي اليوم الأمر ؟! ويجدون الحلول التي تبقي الليبيين المحرومين الفقراء، في منأى عن التحول الى وحوش كاسرة طلبا لرغيف العيش!  ام انهم سيعجزون عن ذلك ويفتحون بابا من أبواب الفوضى وما اكثرها!، تجعل الفقراء وغيرهم ممن يستغلون الوضع يصرون على ان إعادة توزيع الثروة بين الليبيين بالقوة امر لا بديل عنه! هل من مهتم؟! ام أن لثورة الجياع شأن آخر؟!… نسأل الله اللطف بنا وان يجنبنا ما لا تحمد عقباه بأكثر مما نحن فيه من ضنك وبؤس ومعاناة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً