إما الانتعاش وإما الإفلاس!.. قراءة في الوضع الليبي بعد قرار تخفيض قيمة الدينار

إما الانتعاش وإما الإفلاس!.. قراءة في الوضع الليبي بعد قرار تخفيض قيمة الدينار

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

إن القرارات الاقتصادية والمالية ذات أثر كبير وشامل في المجتمع، ولذلك تسعى الحكومات أن تكون قراراتها المتعلقة بالمال والاقتصاد مدروسة بعناية فائقة، وتحاول الدول في سبيل ذلك الاستعانة بالخبراء المتخصصين محليا ودوليا، لضمان قدر كبير من نجاعة تلك القرارات ونجاحها في تحقيق أهدافها، بدرجة متوازنة من حيث التأثير على معيشة المواطنين، كما تضع الحكومات نصب أعينها مسألة الاستئناس بتجارب الدول الأخرى في هذا السياق، وأني من باب التفاؤل افترض أن المصرف المركزي والحكومة الليبية، قد راعوا كل هذه الاعتبارات في اتخاذهم قرار تخفيض قيمة الدينار الليبي، من دولار واحد يعادل 1.4 دينار إلى دولار واحد يعادل 4.48 دينار ليبي.

وحيث أن القرار قد صدر فعلا عن المصرف المركزي، فطبيعي أنه قد صدرت المخاطبات التي تخص الجهات المالية والاقتصادية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي وكبريات المصارف العالمية للتعامل مع القيمة الجديدة للدينار الليبي في الأسواق والمصارف العالمية، اعتبارا من 3 يناير 2021م، وهذا يعني أن الأمر أصبح واقعا يستوجب أن الحكومة الليبية قد استعدت له، واتخذت جملة من الإجراءات والقرارات التي تُشكل حزمة واحدة من التدابير المالية والاقتصادية المصاحبة، وفق خطة عمل مدروسة ومحددة الأهداف والخطوات زمنيا وإجرائيا.

إن من أهم التدابير المالية والاقتصادية التي ينبغي التركيز عليها ووضعها في عين الاعتبار تتمثل فيما يلي:-

  1. توفير القدر الكافي من العملة الدولية “دولار- يورو” في المصارف الليبية بحيث لا يسمح مطلقا بتجاوز حجم الطلب المعروض منها واستمرارية ذلك دون انقطاع
  2. مراقبة أسعار المواد والسلع ووضع تسعيرة متحركة لكل المواد والسلع في السوق الليبي من خلال وزارة الاقتصاد
  3. وضع آلية مالية إجرائية واضحة للتعامل مع السلع المدعومة حاليا مثل المحروقات وبعض السلع الاستهلاكية الأساسية والأدوية وغيرها
  4. زيادة مرتبات القطاع العام بنسبة تحافظ على عدم انهيار القدرات الشرائية للمواطنين وتساهم في امتصاص هامش التخفيض المنعكس بالزيادة في أسعار بعض المواد والسلع الأساسية والخدمات
  5. الإسراع في إصدار قانون عام للمرتبات في القطاع العام يلغي كل التشوهات التي حدثت مؤخرا والمتمثلة في وجود جداول خاصة للمرتبات لبعض الجهات العامة بما يساهم في تقليل الفجوة بين مرتبات العاملين في القطاع العام وفقا لمعايير الدرجات الوظيفية والأقدمية
  6. وحيث أن ليبيا تعتمد على حوالي 95% من مواردها على بيع النفط، ما يعني توفر العملات الأجنبية القوية مثل الدولار واليورو في المصرف المركزي فإن أمر التعديل في سعر الدينار مقابل تلك العملات يجب أن يبقى قائما وهناك إمكانية لرفع قيمته تدريجيا حتى الوصول إلى سعر عادل أرى انه لا يتجاوز دولار واحد لدينارين

وبالنظر إلى جملة هذه الاعتبارات والتدابير المقترحة، فإني أشدد على ضرورة الالتزام الصارم بها ودون أدنى تقاعس والحرص على تنفيذها كحزمة إجرائية واحدة، حتى يمكن القول بأنه ستحدث معالجات إيجابية للاقتصاد الليبي وستنعكس إيجابا على حياة الليبيين ومعيشتهم وإن صاحب ذلك بعض التقشف والشدة التي يفترض أن تكون محدودة بزمن معين، وأما إذا ما أخفقت الحكومة في تنفيذ هذه الإجراءات بعضها أو كلها فإن الوضع من وجهة نظري سيتعقد أكثر وستتشكل سوق موازية جديدة لسعر الدينار أكثر مما هو موجود الآن، ما سيجعل الدينار الليبي يتهاوى إلى مستويات غير مسبوقة، وسيقع التشوه الكبير الذي سيؤثر سلبا وبقوة على حياة ومعيشة الليبيين، ويصعب عندئذ معالجة الأمر وقد تفتقد السيطرة على ذلك وتتجه الدولة إلى الانهيار والإفلاس، إنها مرحلة حاسمة في حياة الليبيين فإما انتعاش واستقرار وإما انهيار وإفلاس.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً