عبد المالك محمد: استبدال قانون العزل بقانون التبادل

أ‌. عبد المالك محمد

العزل السياسي سابقه تاريخية خطيرة على حقوق الإنسان بكل المعايير… والأكثر خطورة تحصين قانون أمام الدستور، وهذا بكل المفاهيم السياسية والقانونية غير مقبول ومناهض لحقوق الإنسان، والحريات، والديمقراطيات المنشودة، وما إقراره بأي صورة أو غاية كانت، فإنه يعكس إرادة الجبان المستنصر بقوة السلاح، وأعتقد أن الكيفية التي تمت بها طرح فكرة العزل السياسي كانت غير موفقة ومنافية لمبادئ 17 فبراير لعدة أسباب:

– أحد أهم أسباب قيام ثورة 17 فبراير كانت ضد العزل السياسي نفسه الذي كان مفروض في النظام السابق عملياً رغم أنه كل اللوائح والتشريعات كانت تدعوا لسلطة الشعب.

– خلق نظام ديمقراطي تعددي مبني على التناوب، وفصل السلطات، وتعزيز الحريات خاصة الإعلامية، رغم إنني لا أتفق مع النظام الحزبي في مجتمعات قبلية، لأنها محفوفه بالمخاطر أهمها وأساسها الصراع المقيث على السلطة، وتغليب المصالح الشخصية والحزبية على المصلحة الوطنية، ولكن لا بأس في سبيل أن الشعب الليبي يعيش تجربة جديدة، في النهاية قابلة للتغيير والتعديل والتطوير.

لتلك الأسباب إتفق الشعب الليبي وحاول أن يخلق من 17 فبراير ثورة تصحيح حقيقية للجميع وبالجميع، ولكن الذي حصل للأسف ممارسات بعيدة كل البعد عن 17 فبراير وربما المتسلقين والسلطويين هم من وراء ذلك… أستغلوا الشعب والناتو لإزاحة معمر القذافي ليبقوا هم على رأس الدولة، وتجد الإتهامات توجه من طرف إلي طرف آخر، وعند فقدان الحجة والبرهان يتوجهوا باللوم على الازلام تارة، وبالقادمون تارة أخرى مع تجهيل وتعتيم إجباري، وممنهج لعموم الشعب بحيث لا يعلم ولا يكتشف الحقيقة كم حالة خطف، وقتل وتعذيب، وتفجير تمت؟ كم من الحالات التي تشير إلي الإختلاس للمال العام والخاص؟ ومسئولين كبار وجهوا لبعضهم الإتهامات، وخرجت علينا الأجهزة واللجان الأمنية والدفاعية السابقة والحالية، وصرحوا بشكل عاجل للاعلام بأنهم تمكنوا من معرفة الفاعلين، ولقد تم القبض على المجموعة التي قامت بتفجيرات في شرق وغرب وجنوب ليبيا، ولم نشاهد أعلام يتابع الحقيقية، والإعلامي النزهية إذا أخفى الحقيقة فهو مع 17 فبراير وإذا أظهر الحقيقة من الأزلام ورحمة الله عليه، وظل الشعب عايش على الخوف، والكذب، والتزوير على رأي أخواننا المصرين (أعطيه خمسة بلدي)؟ ألم يتّهم المقريف رئيس ليبيا السيد الكيب بالإختلاس، والحمروش، وزقلام وغيرهم لماذا لم نشاهدهم خلف القضبان؟ أو على أهل 17 فبراير حلال، و1 سبتمبر حرام!

لهذا واجب تصحيح المسار والمفاهيم قبل فوات الآوان بغض النظر عن منْ مِنّا على حق، ومنْ على باطل لأننا في زمن أختلط فيه “الحابل بالنابل ” ولم يكن بوسعنا معرفة الحقيقة التي هي ظاهرة للعيان ولكن كل واحد يرها من جانب لدرجة أننا فقدنا روؤيتها وعليه:

(1) يجب أستبدال قانون العزل السياسي… بقانون إتاحة الفرص… بحيث الوظائف القيادية يجب التناوب على إدارتها بفترات محدودة كأن نقول كل من تقلد وظيفة قيادية سابقاً يجب أن يترك الفرصة لغيره، وكل من يتقلد وسيتقلد وظيفة قيادية في الوظائف العامة فقط لدوره واحدة مدتها لا تتجاوز 5 سنوات أو أي مدة يحدددها دستور، وإذا كانت الدولة في حاجة ماسة لخدماته يستمر كمستشار، وهنا لا ندعوا للعزل بل للمساواة بين الليبيين، وتجديد القيادات وإتاحة الفرص للشباب، ومنع تشكيل مراكز قوة داخل المؤسسة، وهكذا كل من تقلد في السابق أو حالياً أو مستقبلاً يكون على علم مسبق بأن فترة قيادته مؤقته، وتظل المنافسه بين الشباب الجدد، والطامحين لتولي مناصب قيادية تحكمها شروط أخرى هى من تحدد المعزول تتعلق بالكفأة وشروط النزاهة المدنية والجنائية.

(2) ضرورة خلق الوعي الكافي والعاجل بالمصالحة الوطنية، ولا يجب أن ننظر لها على أساس تقليل المنافسة السياسية لأمتلاك بلد، ولا يجب أن ننظر لها على أساس طرف فائز وآخر خاسر، (والعيب على زائد العقل) من هو العاقل؟ من المفترض الطرف المنتصر، وعليه لابد من زرع مفاهيم وقيم تدعوا للمحبة والسلام، ونبتعد عن المسميات التي تذكرنا بالحرب، والأستفزاز السياسي والإجتماعي، إن التذكير بشكل مستمر بالشهداء، وبيوم الشهداء، وتخليد ذكرى المعارك بين الليبيين ما هو إلا ترسيخ ثقافة الحرب على السلام، والكره على الحب، والعنف على الأستقرار جيل بعد جيل، وهكذا ننقل هذة الثقافات من جيل إلي جيل فلن يكون بيننا سلام حقيقي، ولا مصالحة حقيقية، ربما نحقق هدوء نسبي بفعل القوة، ولكن هذا ليس كافي لإخماد الحرائق في حين لو تم أستبدال هذه المصطلحات بذكريات تدعوا للسلام والحب بيننا فإن هذا سيساعد على خلق ثقافة تخليد قيم سمحه، وتزرع في نفوس آبنائنا وآحفادنا الأخوة، وحب التعايش السلمي الأخوي، وهكذا نبتعد عن الإستفزاز فمن يسمى قتلاه بالشهداء فإنهم في نظر الطرف الأخر خونه والعكس… والشهادة لا تمنح بقتل الإخوة لبعضهم البعض! وما يجب تخليده هي تلك المعارك التي قادها آبائنا , وآجدادنا ضد المستعمر والمحتل الأجنبي هذه الحقبة الواجبة التذكير بها وتخليدها، وإنها أنعمْ شهادة.

وحتى نلغي هذه المفارقات فإن الشهادة من عدمها يعلمها الله عز وجل، ولكن من مات أو أستشهد كما يريد البعض تسمية قتلاه فهم مواطنين كلاً منهم ضحى بحياته من أجل الوطن على الأقل حسب وجهة نظرة، وبالتالي تخليد ذكراهم بإحياء مبادرات سلام لا بتخليد يوم الشهيد ولا بتخليد ذكرى لمعارك بين الليبيين، فمهما كانت الأسباب هل من المنطق تخليد معركة تحرير تاورغاء وتهجير أهلها؟ هل من المنطق تخليد معركة تحرير بني وليد وتطهيرها؟ وغيرها من المعارك الجهوية… إننا نزرع الحقد والكره جيلاً بعد جيل ولهذا لا يجب أن نسمح بهذه الثقافة أن تظل بيننا، فالعدو المتربص بنا هو صاحب المصلحة في ذلك، نحن نريد أن ندفع بالأجيال إلي نسيان مأساة الحرب والمعارك حيث الفائز خاسر والعكس صحيح… ماذا فعل شباب مصراته عند دخولهم لبني وليد؟ قاموا برفع صورة المجاهِدين رمضان وسعدون السويحلي على مؤسسات الدولة، في إشارة وتذكير بماضي طمست حقيقته، وهذا ما يدعوني اليوم إلي التنبيه من مخاطر أحداث تمت بين الليبيين في هذه الأزمة خاصة اليوم لدينا وسائل توثيق حديثة صوت وصورة ترسخ في هذه الثقافة بيننا، والذي يجب توثيقه السلام والحب والمصالحة ومنع منعاً باثاً بحكم القانون والقرارات الصارمة لأي قناة أعلامية من بث سمومها عبر بث أشرطة وثائقية تبرز معارك بين الليبيين أنفسهم،بحجة حرية الإعلام، ويستغلها أصحاب النفوس المريضة لأستعراض بطولاتهم على حساب أخوانهم الليبيين بعضهم على بعض، يجب ردع الترويج لمثل هذه المعارك، ولهذه الشهادات التي أفرغت من محتواها، فإذا حاز على الشهادة من قتل أخيه المسلم الليبي وصار شهيداً… إذاً منْ يقتُل العدو الغاصب والمستعمر الأجنبي ماذا يكون وماذا نسميه؟ أتقوا الله… أتقوا الله…. وحسبي الله ونعم الوكيل.

(3) التحول الحضاري داخل أي مجتمع لا يقاس بمدى أكتساب أفراده ثقافة أخرى على حساب ثقافته الأصليه وعاداته وتقاليده في كل الجوانب… إن التشبه بالغرب في مجتمع أسلامي محافظ سيقود إلي خلق جيل بدون هوية ثقافية ولا وطنية، ولا حضارية عربية أسلامية، جيل هش بدون محتوى… جيل مستورد لثقافات لا تمت له بصلة… عاجز على تصدير أي شئ لأن فاقد الشئ لا يعطيه… وهنا يقع الدور على وسائل الأعلام والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني من خلال سن قوانين وقرارات تدفع في تشكيل الهوية العربية والأسلامية لمجتمعنا، وهكذا فقط نحصن شبابنا من أي إنحراف، من تعلم لغة قوم آمن شرهم… ولكن من فرط في لغته نال شرهم.

وأخيراً… إن التنازلات التي يقدمها أبناء الوطن الواحد لصالح بعضهم البعض هي السلالم التي سترفعهم لأعلى مراتب الوطنية.

والله ولي التوفيق

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً