للاسف ان العقلية المتخلفة لدى البعض تجعلهم ينظرون الى حكامهم وكأنهم القدر المحتوم فيبدأون في التماهي معهم متنازلين عن ابسط الحقوق في الشعور بالمسئولية. يتغاضون عن هفواتهم الصغيرة والكبيرة يتسامحون معهم في اخطائهم حتى الشنيع منها يخلقون لهم الاعذار حتى ولو كانت واهية!. يحاولون باستماتة تنزييهم عن كل نقيصة ولا يتورعون في وصفهم بصفات الكمال!. يتلذذون بمديحهم ويتسابقون في الافصاح عن ذلك وان كان نفاقا مستبينا!.
كل ذلك الهوس بالحاكم المطلق يؤسس الى نظام حكم فردي لا يقيم وزنا للاخرين. لذا يجد الحاكم في مثل هذه الظروف نفسه محاطا بهالة من الطبَالين المدَاحين! فلا يقوى على مغالبة شعوره الغريزي في التعالي والتكبر فيدفعه ذلك التيار إلى حيث المقام العالي الذي لا يطاله الا هو!.. فهو العالم والفارس والخبير والقائد …الخ من قائمة الالقاب التي تهدى إليه كل حين! . يستمر الشعب المحتقر لذاته في تعظيم وتبجيل حاكمه الى ان يقنع نفسه بأنه الاوحد الذي لايمكن ان تجد مثيلا له فتبدأ رحلة تكوين الطغيان ويبدأ الشعب في رحلة جلد الذات من خلال رد كل مثالب النظام لافراد الشعب اذ لايجوز للحاكم ان يخطيء فهو المنَزه عن النقائص!
وبعد ان يفعل الحاكم الطاغية في شعبه كل المنكرات والتهميش والاحتقار والإذلال! تأتي لحظة التخلص منه بطريقة او أخرى حين ينفجر الغضب المتواري بركانا يكتسح كل شيء!. وعندئذ تكون نهاية الحاكم الطاغية مأساوية بكل تحمله الكلمة من معاني غائرة في نفوس أضناها الطغيان وأنهكها جور السلطان! تأتي لحظة التحرير من ربقة الاستعباد المميت فيتحرر الشعب من جلاديه لتنفتح شهية الانتقام المؤجل حتى تكاد تأتي على الأخضر واليابس وعند تلك اللحظة يعجز الشعب عن التخلص من ثقافة حكم الجور والظلم وما أفرزته من أثار النفاق والكراهية والحقد الدفين فيتقدم الانتهازيون الذين لا خلاق لهم! يتحلَقون حول سدة الحكم الجديد, يحيطون بالعرش يستنسخون تماما ما كان يفعله سيدهم الذي انتهى! يبدأون ممارسة طقوسهم التي جبلوا عليها نفاقا وزيفا وعهرا سياسيا لا مثيل له!..يكررون نفس أسلوب الحاكم الميت في قوالب جديدة يستشعرها البعض ولا يحس بها آخرون!.
عند هذه النقطة يشعر عموم الشعب بغبن يدفعهم اليه تحسرهم في عدم تحصلهم على مكاسب رغم التغيير, فيقررون في لحظة عناد متكلَس, ان سيدهم ذلك الطاغية الذي طالما اشتكوا منه وفيه هو أفضل من سلفه!. لذلك تبدأ رحلة تباكي مقيتة تجعل من ذلك الطاغية بطلا ويتداعى البسطاء في تمجيده والتهليل له حتى بعد مماته, أنهم عنادا يريدون ان يصيَروه بطلا ويحاولون إقناع الآخرين بمحاسنه مقارنة بوضع جديد أسوأ يفرضه بقوة السلاح والسلطان مجاميع من محترفي الإجرام تجار المناصب! يتسيَدون المشهد في لحظات فراغ غير مقصود قد تفرضه المرحلة.
ان من يدفع العامة من الشعب الى ذلك هم أولئك الأشباه والأشباح من أدعياء الثورة وهي منهم براء! الذين قذفتهم ثقافة انتهازية موغلة في الذاتية فلم يقووا على التحرر من عقدة ذلك الماضي القاتم السواد وليس بمقدورهم الانطلاق من جديد وطي صفحة الماضي الاليم فيصرون على اجتراره وبذلك يعيدون هيبة الطاغية من جديد ويبنون له اسوارا اخرى تمتد الى المستقبل فتتلقفه الأنفس الضعيفة التي أنهكها التغيير ولم تجد فيه جديدا ينسيها حقبة من الزمن الماضي مليئة بالهموم والمعاناة! خصوصا اولئك من عامة الشعب فيركنون الى التباكي عن الماضي ويجعلون من العناد رد فعل مغلق فيصيَرون جلادهم السابق بطلا تحن إليه قلوبهم وحتى أبصارهم!!
هذا ما أجده واقعا مجسدا الآن في مجتمعنا الليبي بعد الثورة, فهل ننتبه إلى ذلك ونصحح المسار؟! أم أن الكل منهمك في شئونه الخاصة جدا!! هل من وقفة مع الضمير الحي والحس الإنساني تجعلنا نفيق من غفلتنا فنغلَب العقل على العاطفة؟! وننظر بعين الإخلاص للوطن الذي قدمت الأرواح فداء له ؟! هل تعود إلينا نفحات من الحب والود والوفاء تحرك فينا روح العقل ولب الحكمة ؟! ام انه على قلوب أقفالها!! هل يعي الليبيون خطورة المرحلة ويتجشمون مخاطر استنساخ الطغيان فيقررون جميعا نبذ الفرقة والتصالح مع أنفسهم أولا ثم مع بعضهم ليقطعون الطريق على من يريد سرقة ثورتهم ليستعبدهم ويحكمهم من جديد!
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً