اقاصيص من ليبيا (3)

اقاصيص من ليبيا (3)

محمد علي المبروك

كاتب ومحلل سياسي ليبي.

6- رضيع يستشعر مقتل أمه – شهر 7-2014م

في منطقة السياحية في طرابلس، رضيع يصرخ يستجدي أمه الإرضاع. ولكن صراخه ليس صراخ الجياع. هو صراخ فيه ضياع او التياع. او هو يشعر في خفايا براءته بإيقاع. مع دوي القذائف المندفع الى الأسماع. ولكن أمه تعتقد ان وليدها يطلب الإرضاع. أخذت الأم وليدها الاول بين ذراعيها وضمته الى منبعي صدرها وجلست به على السرير فالحياة في صدور الأمهات وأصبح يسحب بثغره الرقيق الحليب الدافئ الرطيب غامرا انفه الناعم الدقيق  في منبع الأم المتدلي خصوبة. المفرز في ثغر الرضيع شبعا وعذوبة. ولكن الرضيع على غير العادة، فالرضيع لايستمر في سحبه للحليب من صدر أمه فهو يسحب حينا ثم يتوقف ليبدأ في الصراخ فتهدهده الأم بهزه قليلا بذراعيها فيعود الى أمه ليسحب منها الحليب ثم يعود مرة اخرى الى الصراخ  وكأن إيقاع مجهول بدا يقترب يدركه هذا الرضيع ولاتدركه الأم،من بعد صراخ الرضيع وهدهدة الأم له عاد يسحب الحليب بثغره فاخترقت رصاصة رشاش (14.5) مزمجرة عبر النافذة لتثقب جبهة الأم فألقت بها على السرير ميتة وانقلب معها الرضيع الذي لازال على صدرها معتقدا ان أمه غيرت وضع جلوسها وأخذ يسحب منها الحليب ولكن الحليب تغير طعمه وسحبه اصبح مجهدا فأشاح ثغره عن منبع أمه وأخذ في الصراخ، صراخ يقطعه تعاقبا نفسا مخنوقا، ساعات من الصرخات في حضن الأم الميتة والجيران لم يسمعوا صوت الرصاصة المجنونة التي أطلقها مجنون من مجانين ليبيا ولاصرخات الرضيع المخنوقة  حتى عودة الأب من عمله، الذي فتح الباب و توجه من فوره الى غرفة النوم يجذبه صراخ رضيعه وكان المشهد الذي اجتاحه كعاصفة صادمة فجرت فيه الصراخ والصياح حتى اجتمع عليه جيرانه وأخذ الجيران الرضيع واصيب الأب بلوثة عقلية من هول الصدمة.

7- فتى يقتل عمه في الحرب

فتى لم يبلغ مبلغ الشباب بعد، نفخ في عقله أئمة الظلام ان القتال في جبهات المنطقة الغربية من ليبيا اي قتال اخوانه الذين يقاتلونهم هو اجرا عظيم ومن مات وهو يقاتل تنزل اليه الملائكة تغسله. وبماء الجنة تبلله. وبين أجنحتها الى الجنان تحمله. حيث من الحور صبايا. ومن الفاكهة والقصور عطايا. ويرى الفتى اقرانه وقد دفعهم الحماس. واعتدوا غرورا بالسلاح. فيعتد هو الاخر غرورا. يوقظ في داخله سرورا. يوهمه ذلك بان يجعل منه مهيبا مشهورا. ومع عناد الفتى للقتال الذي يثير في نفسه الإبهار، سمح له اهله بالذهاب الى الحرب واندفع الفتى بصحبة نَفَر في سيارات مسلحة، سيارات تعدو مترنحة يميناً ويسارا تسابق السيارات المارة في الطريق حتى لاحت أمامهم كثبان من الرمال حيث جبهة الحرب، نزلوا من سياراتهم ووجهوا من قادة الحرب ليكمنوا خلف كثيب من الرمل بسلاحهم وكمن الفتى وكمن معه اقرانه وطاف عليهم قادة الحرب يترقبونهم ويترقبون حينا اخوانهم الأعداء في الجهة المقابلة، كان الفتى يترقب اخوانه الأعداء في الجهة المقابلة وتتداعى في عقله خواطر الجنة والجنان وخواطر الحظوة والتقدير اذا ماعاد بعد هذه الحرب الى اهله، كل هذه الخواطر تحتدم لتدفعه لكي يثب على الجهة المقابلة وثبة الأسد او ينقض انقضاض الصقر وبينما الفتى مستغرقا في خواطره المحتدمة يتوهج لفح النيران المحموم بالحديد والرصاص بين الإخوة.. اخوة الجاهلية. . اخوة ماقبل الجاهلية ويندفع الفتى بشجاعة ويصحبه البعض  الى جهة من الجهات فيهجمون على سيارة مسلحة يصبون عليها حمم الرصاص الملتهب نارا المندفع من فوهات أسلحتهم  حتى افنوا من في داخلها وامتد القتال. حتى تقطع ماشد من حبال. وانسحب الطرف الاخر قليلا وتقدمت الجبهة التى فيها الفتى قليلا، وخمدت النيران الى حين وتنفس المقاتلون الراحة، منهم من أشعل سيجارة ومنهم من أوقد  الحطب لطهي الشاي والقهوة ومنهم من حمل جثث القتلى  ومنهم من يستطلع إنجازات قتاله وكان الفتى من هؤلاء يجوبون بين الجثث المقطعة المتفحمة ولاحت للفتى السيارة التى هجم عليها مع اقرانه فسرع خطوه تجاهها حتى وصل اليها وانضم اليه البعض مستطلعا، نظر الفتى من النافذة ليرى جثتين هامدتين في السيارة اخترق الرصاص منهما الرأس والبدن ثم تطلع على وجه جثة ليغمره من وجه الجثة الذهول وأعاد تركيز بصره على وجه الميت فاندفعت اليه من وجه الميت صدمة ضربت نفسه زلزال. وألقته أرضا في الحال. انه عم الفتى، قتالا يلتقي فيه العم وابن أخوه عدوين، عم الفتى مع جيش الكرامة والفتى مع فجر ليبيا، أخذ الفتى في البكاء يلطم فخذيه ثم يرطم راسه على السيارة التي قتل فيها عمه وساد بين الجمع الصمت، منهم من جاش به الألم ومنهم من طافت به الحيرة. ولم تطفه الغيرة. ومنهم من أربد خجلا.  ومنهم من رحل عجلا. ومنهم من نطق دجلا: عمك مسؤول عن موته هو اختار ان يكون مع أعداء ليبيا. عاد الفتى من ساحة الحرب. ليدخل ساحة اخرى من الكرب. وأقيم  مأتم واحد للقاتل والمقتول  وجنازة واحدة يسري بها الى المقبرة اسرة القاتل والمقتول واعتكف الفتى في بيتهم مأسورا بكآبة شديدة عنيفة كآبة عنفها النفسي لايحتمل تدفعه للصراخ في كل ليلة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

محمد علي المبروك

كاتب ومحلل سياسي ليبي.

اترك تعليقاً