الأزمة الليبية بعيون نخبة من الأكاديميين والناشطين في أكاديمية الدراسات العليا

اختتمت الحلقة الحوارية بصورة جماعية.

أُقيمت في قاعة الاجتماعات بالأكاديمية الليبية للدراسات العليا في جنزور حلقة حوارية ضمت نخبة من المُثقفين والأكاديميين والناشطين الليبيين للنقاش في مُعظم القضايا التي تهم الشعب الليبي بهدف الخروج بأجوبة منطقية لما يحدث من ارتباك في المشهد الليبي.

وقد افتتحت حلقة النقاش بكلمة للدكتور محمد الهاشمي الحراري أستاذ القانون الإداري ووزير الحكم المحلي السابق، الذي رحب بالحضور باعتبارهم قامات فكرية مرموقة ومعروفة، كما أشاد في كلمته بأهمية التعاون بين المراكز الليبية والدولية ومن بينها المركز العربي الأوروبي.

الدكتور محمد الهاشمي الحراري أستاذ القانون الإداري ووزير الحكم المحلي السابق رفقة المدير العام المفوض للمركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الدكتور رمضان بن زير.

ثم أعطيت الكلمة للمدير العام المفوض للمركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الدكتور رمضان بن زير الذي رحب بالحضور وقدم لهم الشكر لمشاركتهم في هذه الحلقات النقاشية التي لها دور كبير في إزالة الغباشة عن ما تشهده ليبيا، مشيراً إلى أنه يُفضل الاستماع إلى الحاضرين أولاً ثم يدلو بدلوه في نهاية النقاش.

هذا ودارت محاور حلقة النقاش حول تساؤل مهم وهو كيف يُمكن لليبيا الخروج من الفترات الانتقالية التي عاشتها والوصول إلى الاستقرار السياسي.

وفي محاولة الإجابة عن التساؤل المهم قال المحامي والناشط الحقوقي سامي الأطرش:

حقوق الإنسان تنمو وتترعرع في ظل الدولة المستقرة سياسياً ولكن ليس لدينا هذه الميزة، بل على العكس تماماً في وضعنا الحالي، فعندما قامت ثورة 17 فبراير في 2011 كانت بعد مخاض طويل من المعاناة والألم والتعدي على حقوق الإنسان، لذلك عندما بدأ التعبير عن هذه المفاهيم في شكل صياغة دستورية مُتمثلة بالإعلان الدستوري الذي صدر في نوفمبر 2011 كان يحمل إلى حد كبير معظم المنظومة الأخلاقية والمبادئ الحاكمة لهذه الطموحات التي أخذت وقتاً طويلاً ولم تتحقق“.

وأضاف الأطرش في مداخلته بالخصوص:

لذلك بدأ المواطن الليبي يتنازل شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح هناك انكماش في الحراك وبدأ أعداء المفاهيم الديمقراطية، لذلك على المواطن الليبي أن لا يُعطي مزيداً من المساحة لهؤلاء الأعداء الوضع خطير، الوضع ليس فقط أزمة سياسية وحالة من الفوضى في ليبيا إنما بدأنا نفقد حريتنا في التعبير“.

من جهتها أضافت الدكتورة حميدة بورولية عضو هيئة تدريس في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حلاً أخر للخروج من الأزمة التي تشهدها ليبيا بقولها:

لكي تخرج من شيء لابد أن تعترف بالمشكلة التي تواجهها لكي تصل إلى الحل، الفوضى الموجودة الآن في ليبيا سببها عدم الحياد والانحياز إلى طرف دون الأخر مما جعل مشكلتنا أعمق وأكبر، علينا وضع الحقيقة أمام الجميع كما هي لكي نصل إلى الحل“.

أما بالنسبة الناشط السياسي المُهتم بالشأن الليبي علي البوتيلي كان له رأي آخر في طريقة الخروج من الانسداد السياسي الليبي حيث علق قائلاً:

للخروج مما تُعانيه ليبيا يجب وجود الإرادة السياسية الغائبة حالياً على مستوى ليبيا بالكامل، وعدم وجود انحياز لطرف دون أخر، مشكلتنا هي غياب بيوت الخبرة من الجامعات والأكاديميات بشكل كامل عن المشهد الليبي“.

في ذات السياق تحدث الدكتور حسين عقيل المتعاون في أحد الجامعات الليبية عن الأزمة الليبية بكل حرية مُرجعاً السبب فيما تشهده ليبيا إلى الأجسام السياسية الموجودة حالياً.

الدكتور حسين عقيل المتعاون في أحد الجامعات الليبية.

وقال:

ما يجري حالياً نتيجة الواقع الموجود والمجلس الرئاسي ومن حوله، فهم غير قادرين على بناء دولة وليس لديهم إمكانية للتضحية من أجل ليبيا وهذا ما جعل الفراغ موجوداً، من وجهة نظري لابد من وجود حكومة وحدة وطنية تجمع كل الليبيين وأيضاً وجود دستور“.

كما تطرق الدكتور عقيل إلى ما يشهده الجنوب الليبي من تهميش بقوله:

الجنوب الليبي مُهمش وهناك نزوح كبير من الجنوب إلى الشمال بحيث أصبح هناك منطقة بجانب خلة الفرجان تُسمي بخلة فزان، لا وجود لحقوق الإنسان في الجنوب ولا أي حقوق أخرى، ولا وجود أصلاً للحكومة المركزية، لابد من فتح فرع لرئاسة الوزراء في الجنوب الليبي لكي يٌقدم خدماته للمواطنين، والمشكلة في الأساس هي في حكومة المجلس الرئاسي حيث لم يعودوا أصحاب دولة بل أصبحوا أصحاب مال لا علاقة لهم بمدنهم ومناطقهم أبداً“.

الدكتور عقيل استهل حديثة بذكر تجربة أهالي المنطقة الجنوبية مع إغلاق حقل الشرارة النفطي حيث قال:

عندما أغلق أهالي فزان حقل الشرارة مُطالبين بحقوقهم، قال أحد مسؤولي طرابلس أن أي شخص يُغلق آبار النفط خائن، هذا المسؤول ليس لديه خطاب يمس الناس لكي يحل لهم مشاكلهم، نريد رجال يريدون التضحية وليس رجال همهم الوحيد هو كسب المال“.

ومن بين من حضروا هذه الحلقة الغنية بالنقاشات الموضوعية ممثل المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي في طرابلس عبد المنعم الصادي.

ممثل المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي في طرابلس عبد المنعم الصادي.

حيث لم يُفوت الفرصة دون وضع التعليق المناسب على المشهد الليبي قائلاً:

ليبيا الآن في المرحلة الانتقالية الرابعة واستمرار هذه المراحل يُعقد المشهد السياسي كثيراً في البلاد، الحكومة الموجودة الآن لا تقوم بوظائفها تجاه مواطنيها، وتعتبر مشكلة النزوح من الجنوب إلى الشمال من أكبر التحديات الحقوقية على الساحة الليبية“.

هذا ولم ينسى الصادي أن يذكر بأبرز الانتهاكات الحقوقية التي شهدتها ليبيا مؤخراً بقوله:

من أكبر الانتهاكات التي قامت بها الحكومة مؤخراً هو تسمية مفوضية للمجتمع المدني تتبع السلطة السياسية مباشرةً، تلقينا شكاوى في هذا الموضوع ولن نسكت عنه، ولاحظنا منذ أكثر من سنة أن هناك تقييد كبير للحريات في ليبيا والمؤشر العالمي الأخير الخاص بالحريات أظهر تراجع ليبيا حيث كادت أن تكون في نهاية القائمة على الصعيد العربي فيما احتلت تونس المرتبة الأولى عربياً“.

أما بالنسبة للدكتور والمُحاضر في جامعة طرابلس فرج دردور  فكان له رأي أخر بشأن أسباب وحلول الأزمة الليبية حيث قال:

الانسداد السياسي هو السبب الرئيسي لما تشهده ليبيا، وعلينا فتح ثغرة في هذا الانسداد، وقد ترتب على هذا الانسداد تدخل دولي لأننا لم نستطع القيام بواجبنا في حل قضايانا بأنفسنا، التدخل الدولي جاء بطلب منا نحن، والمشكلة في الأساس مشكلة ثقافية، لعدم وجود ثقافة في تداول السلطة، أعتقد أن المؤتمر الجامع سيحرك الجمود في المشهد الليبي، ونطالب بعقوبات تتناسب مع وضع ليبيا خلال المؤتمر المزمع عقده“.

ورغم قرار المدير العام المفوض للمركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الدكتور رمضان بن زير قبل الحلقة بأنه لن يتحدث لكي يستمع ويتمعن بما تطرحه نخبة الحاضرين من نقاط إلا أنه وجد نفسه في غمار النقاش يُشاركهم تطلعاته وأفكاره بشأن الوضع في ليبيا.

المدير العام المفوض للمركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الدكتور رمضان بن زير.

حيث قال:

سأضع مجموعة من التساؤلات من أبرزها، لماذا المؤتمر الوطني الجامع؟، لقد وصلنا إلى مرحلة انسداد، وهناك اتفاق سياسي لكن مجلسي الدولة والنواب لم يتفقا، وهما يتحملان مسؤولية استمرار الأزمة الليبية، بالإضافة إلى أن جميع الأجسام الموجودة في ليبيا حالياً مسؤولة عن هذه الأزمة التي تعيشها البلاد، والسبب المباشر لعقد المؤتمر الوطني الجامع هو عدم وصول الأجسام السياسية إلى اتفاق“.

وأضاف الدكتور رمضان بن زير مجموعة أخرى من التساؤلات قائلاً:

هل الملتقى الوطني بداية صراع جديد على السلطة أو هل يكون المؤتمر نهاية للصراع على السلطة ليكون بداية لبناء الدولة الديمقراطية؟، ما هي القيمة القانونية لنتائج هذا المؤتمر وهل هي ملزمة وكيف تكتسب صفة الإلزام؟، ما هي المعايير لاختيار الشخصيات المشاركة في المؤتمر“.

من جهة أخرى وضع الدكتور بن زير الحضور في خضم ما حدث معه خلال الفترة الماضية حيث شرح لهم ما حدث في اجتماعه مع سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا بقوله:

قلت لسفير الاتحاد الأوروبي بالحرف الواحد، انتم مسؤولون أخلاقياً وقانونياً على ما يجري في ليبيا، وانتم من تساهمون في إطالة عمر الأزمة في ليبيا، على البلديات أن تكون متواجدة في هذا الملتقى، وقد أكد لي سفير الاتحاد الأوروبي أن المؤتمر الوطني الجامع سيعقد خلال شهر مارس القادم“.

وأضاف رئيس المركز العربي الاوروبي الدكتور رمضان بن زير:

يجب أن يكون المؤتمر الجامع في إحدى المدن الليبية لتكون رسالة قوية واضحة لمن يسعى لإفشال هذا المؤتمر، والمخرجات المتوقعة منه هي اختيار رئيس مجلس رئاسي مؤقت بالإضافة إلى نائبين، واختيار حكومة مستقلة عنه ومجلس عسكري مع الاستمرار في العمل بالإعلان الدستوري مع تعديله بما يسمح لانتخابات مجلس تشريعي جديد لتوفير القاعدة القانونية سعيا لحل التشكيلات المسلحة“.

واختتم الدكتور بن زير كلمته أمام الحضور قائلاً:

نحن في هذا الوقت بحاجة ماسة لمشروع سياسي وطني يرتكز على مبدأ ليبيا للجميع دون إقصاء أو تهميش لأي تيار سياسي في ليبيا، وغياب هذا المشروع الوطني يجعل الأزمة الليبية تستمر، الليبيون وحدهم يتحملون مسؤولية استمرار الأزمة في ليبيا بالرغم من التدخلات الإقليمية والدولية، أملنا كبير في أن نصل إلى حل ينهي هذه الأزمة من خلال انعقاد الملتقى الوطني“.

من جهته علق عميد مدرسة العلوم الإستراتيجية والدولية في الأكاديمية الليبية الدكتور محمد الأسود على ما أُثير خلال هذه الحلقة النقاشية بقوله:

“الكثير من الأسئلة أُثيرت والأكثر منها ما يُثار خارج هذه القاعة، والكثير من هذه الأسئلة لا نستطيع الإجابة عنها، أعتقد أن الأسباب هي أن الحوار الوطني الذي تم قد حصل فيه هوة بين مكونات المجتمع الليبي اللذين تصدروا المشهد السياسي وتولوا مسألة الحوار، هناك فراغ حقيقي بين هذه المكونات، وهناك هوة أخرى بين المتحاورين ومن يملكون القوة، هناك هوة كبيرة أيضاً بين المجتمع الدولي والمجتمع الليبي، لأن الأمم المتحدة تنطلق من آليات وقيم نحن لا نعرفها، إذا أردنا أن ينجح الحوار الوطني يجب علينا العودة إلى القاعدة الثقافية الاجتماعية المرتبطة بثقافة المجتمع الليبي ودين المجتمع الليبي”.

الدكتور أحمد الأطرش أستاذ العلوم السياسية في جامعة طرابلس أدلى بدلوه أيضاً وقال:

“لا تعولوا كثيراً على الملتقى الوطني الجامع لأن الحل ليبي بامتياز، لن تتكرر كارثة الصخيرات ولا لمة باليرمو، إن أزمتنا في ليبيا هي أزمة أخلاقية وليست أزمة سلاح فسويسرا تمتلك أكثر من 3 مليون قطعة سلاح ولم نسمع من قبل بأي خرق أمني هناك وذلك يوحي بأن الأخلاق هي الأزمة التي تعاني منها ليبيا”.

من جهته طرح الدكتور علي خير صابر عضو هيئة التدريس في أكاديمية الدراسات العليا تساؤلاً كبيراً في مُداخلته حين قال:

عند انتخاب المؤتمر الوطني في 2012 تراجعت النخب السياسية، وتقدم الكثير ممن لا يملكون الخبرات الكافية، لماذا المنظمات العالمية العربية والدولية تُصر على تبني المحاصصة في ليبيا؟“.

وضمن جو من النقاش والتفاعل مع تساؤلات الحضور بين إجابات وضعت النقاط على الحروف وأسئلة طُرحت وتنتظر الإجابة قال ممثل الرابطة الوطنية لدعم الشباب محمد سرار:

السياسيين في ليبيا مرتهنين تحت وطأة السلاح، ما حققوه يقصر على الخلافات والانقسامات والصراع والانسداد في الأفق السياسي فقط، ومشكلة ليبيا هي وجود السلاح وليس السياسة“.

أما بالنسبة لعضو مجلس المرأة في الاتحاد العام لعمال النفط والغاز شافية جمعة أبو مصباح فقد اتفقت والحضور مع ما طرحوه

عضو مجلس المرأة في الاتحاد العام لعمال النفط والغاز شافية جمعة أبو مصباح. [أقصى اليسار]

وأضافت قائلةً:

اتفقنا جميعاً أن التشكيلات المسلحة هي سبب الأزمة والمعاناة، الحل هو سحب السلاح، والكيفية مجهولة حتى الآن، لابد من العقوبات الصارمة لأننا نعيش حالياً ظروفاً سيئة جداً، ولازال مجتمعنا حتى الآن يُداري عن الناس المُتهمة والفاسدة، أنا لست متفائلة بشأن المؤتمر الجامع، لأنه مؤتمر مُبهم حتى الآن، وليس لدينا أدنى فكرة عنه، الشعب الليبي ليس فاشلاً إنما من يمثلنا هم الفاشلون“.

لم تقتصر محاور الحلقة الحوارية على الولوج في الوضع السياسي الليبي فقط إنما تضمنت نقاشاً في الجانب الاقتصادي، وكان أستاذ الاقتصاد في جامعة مصراتة عمر زرموح من أبرز المشاركين في هذا النقاش

أستاذ الاقتصاد في جامعة مصراتة عمر زرموح.

حيث قال:

انحيازنا للحق وللوطن وإن كان هذا انحيازاً فمرحباً بالانحياز، نحن الآن على بعد 5 أشهر من قرار المجلس الرئاسي الذي تكلم به عن سعر الصرف وقرار تحديد الرسم على الدولار بـ 183% وهو رقم مُنتقد كثيراً، هذا الرسم يجب أن يتم تخفيضه لأن الاحتياطي الليبي من النقد الأجنبي ازداد عدة مليارات بعد القرار، لقد آن الأوان لتخفيض الرسم لكن التخفيض يجب أن لا يكون حاداً“.

وأضاف الدكتور زرموح:

قطاع الأعمال لا يبالي بسعر الدولار، ما يهم قطاع الأعمال هو الاستقرار في سعر الصرف، لو تخفض الرسم بمقدار 5% لن يضر الاقتصاد لأن هذا التخفيض يذهب في هوامش الربح“.

وتابع الدكتور عمر زرموح حديثه مُتطرقاً لقضية الشح في السيولة حيث قال:

مصرف ليبيا المركزي سلب من المصارف التجارية أهم اختصاصاتها في الحوالات الأجنبية وفتح الاعتمادات والاحتفاظ بالودائع، الحل لمشكلة السيولة هو إعطاء الحرية للمصارف والقضاء على السوق السوداء لتخليص الاقتصاد الليبي مما يُعانيه، وقد طالبت مراراً بإلغاء المادة رقم 4 من قرار الرئاسي رقم 1300 بسبب أن المادة هذه تجعل من الرئاسي يُخول نفسه بالتصرف في الرسوم كما يشاء“.

وبعد نقاش دام لأكثر من ساعتين اختتمت الحلقة الحوارية بصورة جماعية حملت في طياتها جميع المكونات الحاضرة لها، التي وإن اختلفت في أرائها فمن غير الممكن أن تختلف في حب ليبيا والأمل بمستقبل أفضل لجميع الليبيين.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً