أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وثيقة استراتيجيته للأمن القومي لولايته الثانية، وهي وثيقة مكوّنة من 33 صفحة تعكس إعادة ترتيب شاملة لأولويات واشنطن الجيوسياسية، وتركّز على تحسين التفوق الأمريكي في نصف الكرة الغربي، وتوجيه سياسات داخلية وخارجية قائمة على دعم الهوية الأمريكية التقليدية، ومواجهة الخصوم الجيوسياسيين حول العالم.
وتوضح الوثيقة أن التفوق في نصف الكرة الغربي يمثل أساس الأمن القومي الأمريكي، وأن أي مساعدة أو تحالف أمريكي سيخضع لشروط صارمة تقلّص النفوذ الخارجي الذي تعتبره واشنطن معادياً، ويمثل هذا التوجه إعادة إحياء لمبدأ مونرو بصياغة جديدة تحت عنوان مبدأ ترامب.
وتشير الاستراتيجية إلى أن الشرق الأوسط ما زال يشكّل منطقة حساسة في حسابات الأمن القومي الأمريكي، رغم التراجع النسبي في الأولوية. وتؤكد الوثيقة أن واشنطن ستتعامل مع النزاعات بصورة انتقائية، وتركّز على الملفات التي تمس الأمن القومي مباشرة، مثل حماية إسرائيل ومواجهة النفوذ الإيراني ومنع تمدد الجماعات الإرهابية، مع الحفاظ على التعاون العسكري والاستخباراتي مع الحلفاء في الخليج وتعزيز أمن الحدود وحرية الملاحة في الممرات البحرية الحيوية.
وتوضح الوثيقة أن الإدارة الأمريكية ستواصل مراقبة النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط مثل الحرب في سوريا والتوترات التركية، وتركّز على هذه الملفات عندما تتحول إلى تهديد مباشر للمصالح الأمريكية، مع تقليل الالتزامات العسكرية غير الضرورية والانخراط المحدود في النزاعات الواسعة.
وتتوسع الاستراتيجية في تناول تأثير الصين، وتركّز على استعادة التوازن في العلاقات التجارية ومنع أي سباق يؤدي إلى مواجهة عسكرية، مع تعزيز شراكات واشنطن الدفاعية في المحيطين الهندي والهادئ، ودعم استقرار اليابان والفلبين، والحفاظ على الوضع القائم في مضيق تايوان.
وتصف الوثيقة التوسع العسكري والاقتصادي الصيني بأنه التحدي الأكبر في آسيا، وتركّز على تطوير علاقات تجارية متوازنة وغير حساسة أمنياً، وتوحيد المواقف الأمريكية مع الحلفاء لمنع أي تغيير أحادي في موازين القوى الإقليمية.
وتشير الوثيقة إلى أوروبا باعتبارها ساحة تحتاج إلى تصحيح سياسي، وتعتبر أن بعض الحكومات الأوروبية تمارس رقابة سياسية وتتخذ سياسات هجرة قد تغيّر الهوية الأوروبية على المدى الطويل، وتحذّر من أن هذا الوضع يهدد علاقة الولايات المتحدة مع أوروبا ويؤثر على استقرار التحالف داخل حلف الناتو.
وتتضمن الاستراتيجية دعماً للتعاون العسكري والاقتصادي مع أوروبا، مع ممارسة ضغط سياسي لتوجيه الحكومات نحو ما تعتبره الوثيقة سياسات تقليدية واستقراراً مؤسسياً، وتركّز على مواجهة الانقسامات السياسية وصعود التيارات اليمينية والتحديات المرتبطة بالأزمة الأوكرانية.
وتتعامل الوثيقة مع الحرب في أوكرانيا كأولوية أمنية أوروبية، وتركّز على دعم مفاوضات وقف إطلاق النار وتقليل مخاطر التصعيد ومنع تمدد الحرب إلى دول أخرى مجاورة، وتمثل هذه المقاربة محاولة لتحقيق الاستقرار السريع دون انخراط أمريكي مباشر واسع في الصراع.
وتعطي الاستراتيجية مساحة واسعة لنصف الكرة الغربي من خلال تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وتركّز على محاربة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات والبشر، وتعمل على مواجهة النفوذ الصيني المتزايد عبر تعزيز دور البحرية وخفر السواحل والسيطرة على الممرات البحرية الحيوية.
وتشجع الوثيقة الشركات الأمريكية على الاستحواذ على المعادن النادرة والموارد الحيوية في أمريكا اللاتينية لتعزيز القدرة الصناعية للولايات المتحدة ودعم الاستقلال الاقتصادي، وتعتبر هذه الخطوة جزءاً من خطة شاملة لاستعادة القوة الصناعية وتعزيز الإنتاج المحلي.
وتتضمن الاستراتيجية محوراً يتعلق بالقيم الداخلية، وتركّز على دعم الهوية الأمريكية التقليدية وتعزيز الأسرة وتشجيع الصناعات الوطنية، وتصف ما تسميه الصحة الروحية والثقافية بأنه ركيزة في الحفاظ على القوة الاجتماعية والديمقراطية في الولايات المتحدة.
وتشير الوثيقة إلى أن الانقسام الاجتماعي، والتحديات الاقتصادية، وتصاعد الخطابات السياسية المتعارضة، تمثل كلها مخاطر داخلية تحتاج إلى معالجة لضمان استقرار النظام السياسي وحماية القيم الأمريكية.
وتوضح الاستراتيجية أنها أول وثيقة دفاعية وسياسية صادرة في ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثانية، وأنها ستتبع باستراتيجية دفاع وطني جديدة تهدف إلى توجيه الميزانيات العسكرية والدبلوماسية بما يتوافق مع الأولويات التي حددتها الوثيقة.
وتعيد الوثيقة صياغة “مبدأ مونرو” تحت عنوان “مبدأ ترامب”، وهو المبدأ الذي طرحه الرئيس الأمريكي الراحل، جيمس مونرو، في عام 1823، وينص على أن أمريكا لن تتسامح مع أي تدخل أجنبي خبيث في نصف الكرة الغربي.
وتعد هذه الاستراتيجية أول وثيقة دفاعية وسياسية هامة في ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومن المتوقع أن تتبعها استراتيجية الدفاع الوطني، التي يُتوقع أن تتشابه في توجهاتها مع رؤية ترامب للأمن القومي، وتحدد كيفية تخصيص الميزانيات وأولويات السياسة الخارجية.
ومبدأ مونرو، الذي أُعلن عام 1823، ركّز على منع تدخل القوى الأوروبية في شؤون نصف الكرة الغربي، واعتُبر حجر أساس للسياسة الأمريكية في المنطقة، فيما تعيد استراتيجية ترامب صياغة هذا المبدأ تحت عنوان “مبدأ ترامب”.
واستراتيجيات الأمن القومي تصدر عادة مرة واحدة في كل فترة رئاسية لتحديد أولويات السياسة الأمريكية، وتوجيه ميزانيات الحكومة، وضمان تنسيق الموارد العسكرية والدبلوماسية بما يتوافق مع مصالح الأمن القومي، سواء في الشرق الأوسط، أوروبا، آسيا أو نصف الكرة الغربي.






اترك تعليقاً