الاستفتاء على الدستور قبل صياغته

الاستفتاء على الدستور قبل صياغته

يوماً بعد يوم يتضح أننا جميعاً، وعلى رأسنا السلطة المنتخبة المناط بها اتخاذ الإجراء المناسب، نتهيب مواجهة ما بات يمثل إشكالية كبرى، وهو تشكيل اللجنة أو الهيئة التي نكلفها بصياغة الدستور الدائم للبلاد.

وقد أسهم التعديلان اللذان أجراهما المجلس الوطني الانتقالي على المادة (30) من الإعلان الدستوري، فيما يتعلق بطبيعة اللجنة التي ستكلف بصياغة الدستور، فنص أولهما على أن تشكل اللجنة من (60) عضوا على غرار لجنة الستين التي أشرفت على صياغة دستور دولة الاستقلال سنة 1951، ثم نص ثانيهما على أن تشكل هذه اللجنة بطريق الانتخاب، لا بأسلوب التعيين والاختيار؛ نقول أسهم هذان التعديلان في إحداث الكثير من اللبس والغموض حول طبيعة لجنة الدستور، وأقحمانا في لجة لا نعرف لها قراراً من الجدل حول الأسلوب الأفضل، أهو التعيين أو الانتخاب، وحول ما لكل منهما من مزايا وسلبيات، ما شغلنا في الحقيقة بالجدل حول الشكل، عن الالتفات إلى ما وراء ذلك من مضمون ومحتوى.

ولقد عبرت في أكثر من مناسبة، وفي مقالة خصصتها لهذه المسألة بعنوان “الطريق نحو الدستور” عن قناعتي بأن القضية الكبرى في مسألة صياغة الدستور هي بلوغ التوافق على المبادئ الكبرى والقضايا الجوهرية التي نريد أن يتضمنها، ونعني بذلك التوافق حول المسائل التي نعرف ونلمس منذ الآن أنها ليست موضع توافق تام، وأنها ما زالت موضع اختلاف في وجهات النظر والآراء. وقلت إننا ما لم نصل إلى ذلك التوافق حول ما يذهب إليه تأييد أو موافقة أغلبية معتبرة من المواطنين حول هذه القضايا، فإن أي لجنة صياغة، مهما حرصنا على تكوينها من أفضل ما لدينا من خبرات، وعلى تمثيلها لمختلف شرائح وفئات المجتمع، لن تكون قادرة وحدها على حسم الخيارات فيما يتعلق بهذه المسائل. وأننا مرشحون في هذه الحالة لأن نواجه المعضلة أو المأزق الذي وقع فيه إخواننا المصريون، عندما تغلبت فئة من الفئات داخل الهيئة التأسيسية فصاغت الدستور بما يتوافق مع قناعاتها وتوجهاتها، ثم أصر الرئيس المصري على عرض الدستور الذي لم يكن محل توافق حقيقي على الاستفتاء، وها نحن نشاهد كيف أنهم قد انتهوا إلى إقرار دستور لم يوافق عليه أكثر من 40% من المقترعين.

وإني أرى أن علينا أن نعتبر من هذا الذي حدث في مصر، فنعمل على إيجاد الصيغة المناسبة لبلوغ التوافق وتمحيص توجه الأغلبية المعتبرة من المواطنين حول القضايا الجوهرية الخلافية المطروحة على النظر، مما سوف يتضمنه الدستور، وذلك قبل أن نكلف لجنة لصياغة تلك التوجهات في صياغة قانونية دستورية.

ولعلنا لا نحتاج إلى كثير من النظر كي نتفق على أن القضايا التي بات من الواضح أنها قد تكون موضع اختلاف في الآراء هي محدودة، لا تتجاوز في نظري ثلاث مسائل، أسمح لنفسي بأن أعددها حسب أهميتها على النحو التالي:

أولاً – مسألة شكل الدولة: وهل تريدها الأغلبية بسيطة أم مركبة (موحدة أم اتحادية)، وهي القضية الأكثر إثارة للجدل، وبتنا جميعاً نخشى أن تكون مثار فتنة أو صراع قد يخرج عن حدود التجاذب السلمي، إلى الصراع العنيف.

ثانياً – مسألة نظام الحكم: وهل نريده برلمانيا أم رئاسياً أم شبه رئاسي.

ثالثاً – مسألة مصادر التشريع وموقع الشريعة الإسلامية منها: هل ننص على أنها المصدر الوحيد أم المصدر الرئيس، أم نتفق على صياغة محددة لما نقصده من تعبير الشريعة (أهو مبادئها العامة أم أحكامها القطعية المتفق عليها).

وإني أرى أن الحل الأمثل هو عرض هذه المسائل الثلاث على استفتاء عام، ثم نخلص من نتيجة الاستفتاء إلى تحديد الخيارات التي تحظى بأغلبية معتبرة من المواطنين، ونعني بالأغلبية المعتبرة أغلبية لا تقل عن الثلثين، ثم نضع هذه النتائج أمام لجنة نختارها لصياغة الدستور، وفي هذه الحالة لن نكون بحاجة إلى لجنة كبيرة العدد، وربما تكفينا لجنة من (6) أشخاص أو لنقل (10)، نكلفها بصياغة ما توافق عليه الناس في صياغة قانونية دستورية.

وهذا ما قصدته بعنوان مقالتي هذه؛ إذ أدعو إلى إجراء الاستفتاء على مضمون الدستور ومحتواه، قبل العكوف على صياغته.. وذلك لقناعتي بأننا ما لم نصل إلى تبين توجهات الناس حول هذه المسائل الحيوية، فإننا لن نكون قد فعلنا شيئاً سوى إزاحة المشكلة أو المعضلة إلى لجنة لن يكون بمقدورها أن تحسم الخلافات في الآراء بين أعضائها، دون أن يكون لديها ما تستند إليه، مما يشير إلى قناعات الناس واختياراتهم.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً