الانتخابات في ليبيا

الانتخابات في ليبيا

هناك الكثير من العراقيل والمحاذير التي تحول دون اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة في ليبيا انطلاقا من تاريخ 24 ديسمبر عام 2021م، وهو الموعد الذي حددته المفوضية الوطنية للانتخابات . نظرا لهشاشة الوضع الأمني في بعض المناطق، وأيضا عدم قدرة الناخبين على التصويت بحرية تامة في بعض المناطق، خاصة تلك التي يسيطر عليها حفتر، من الناحية العملية لا يمكن أن يكون الناخب حرا في الإدلاء بصوته في بنغازي مثلا لمرشح من الغرب الليبي.

انتخابات بدون دستور مستفتى عليه من الشعب الليبي، أو قاعدة دستورية متفق عليها من كل القوى السياسية خاصة طرفي الصراع وهما مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، هي بلا شك انتخابات لن تكون ناجحة لانه من الطبيعي وفي ظل عدم وجود ضمانات وتعهدات سيقوم الطرف الخاسر برفض نتائجها ، وسيجد المبررات لذلك.

ليس الخطر في عدم إجراء الانتخابات في موعدها المعلن عنه، بل الخطر في إجرائها بدون أسس وقواعد سليمة، وبدون توافق سياسي حقيقي بين طرفي الصراع، هي مغامرة محفوفة بالمخاطر والتحديات الكبرى، إذا أخذنا في الاعتبار حجم الانقسام الكبير بين القوى السياسية شرقا وغربا، وأيضا حجم الانقسام والصراعات بين مؤسسات الدولة في طرابلس، وهو انقسام واضح حيث شاهدنا الخلافات حول الصلاحيات بين المجلس الرئاسي، وحكومة الوحدة الوطنية بشأن وزيرة الخارجية، بعد تصريحات نسبت اليها عن قضية لوكربي، وأيضا الانقسام داخل المجلس الرئاسي نفسه بعد المبادرة التي اعلن عنها عضو المجلس عبدالله اللافي لتاجيل الانتخابات الى مارس عام 2021م، وهو مقترح رفضه عضو المجلس موسى الكوني الذي كان ضمن المشاركين في الملتقى الوطني لدعم الانتخابات في طرابلس في 3 نوفمبر عام 2021م، ولم يؤيده رئيس المجلس محمد المنفي، ناهيك عن عجز حكومة الوحدة الوطنية على فرض سلطتها على كامل التراب الليبي، حيث منع رئيس الحكومة من زيارة إحدى مدن الجنوب الليبي، وتعرض لمضايقات كثيرة من انصار حفتر في اثناء زيارته الى بنغازي وطبرق، وحكومة الوحدة الوطنية هي التي من المفترض أن مسؤوليتها تنظيم هذه الانتخابات، والعبور بالبلاد الى شاطئ الأمان.

لقد فصل قانون الانتخابات الرئاسية الذي صدر عن مجلس النواب على مقاس مرشح بعينه وهو حفتر، وتعمد القانون إقصاء مرشح اخر ولاعب مهم في المشهد السياسي الليبي وهو رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، حيث نصت المادة رقم 12 في قانون انتخاب الرئيس على أن المترشح للرئاسة عليه أن يستقيل من عمله قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات المقرر في 24 ديسمبر عام 2021م، وقد تواطأت المفوضية الوطنية للانتخابات مع مجلس النواب، حيث صدر يوم الأحد 7 نوفمبر عام 2021م قرار المفوضية الوطنية للانتخابات رقم 73 لسنة 2021م بشأن اعتماد لائحة تسجيل المرشحين لانتخاب رئيس الدولة ، وجاء في المادة رقم 4 فقرة رقم 12: “على المترشح ان يقدم من جهة عمله ما يفيد بتوقفه عن ممارسة وظيفته بشكل نهائي قبل تاريخ 24 ديسمبر 2021م، بثلاثة أشهر”.

إن ذهاب الليبيين إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية بدون أسس قانونية سليمة وضمانات، وفي ظل تعطيل عمل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا التي يمكن الطعن لديها في حال عدم قبول بعض الأطراف بنتائج الانتخابات.

كل ذلك لن يعود بالاستقرار على البلاد، بل سيكون فاتحة لفصل جديد من الصراع في ليبيا عنوانه الأبرز “مزيد من الانقسامات والصراعات”، بل حتى سيناريو عودة الحرب، أو الصدامات بين قوى الثورة في طرابلس، أو ظهور حكومة موازية مجددا في بنغازي، وتلويح شركائنا في الوطن بالانفصال. وما سيخسره الشعب الليبي كبيرا جداً لأن هذه الانتخابات المستعجلة ستُعيق تنفيذ برامج وخطط التنمية، والإصلاحات الاقتصادية التي أعلن عنها رئيس حكومة الوحدة الوطنية.

إن الاستعجال من قِبل مجلس النواب وحفتر والدول الداعمة له لإجراء انتخابات رئاسية في 24 ديسمبر عام 2021م من أهم أهدافه الإجهاض على حكومة الوحدة الوطنية التي سحبت البساط من تحت أقدام حفتر وحلفائه، منع مجلس النواب الميزانية عن الحكومة، وسحب منها الثقة، والآن أطلقت عليها الرصاصة الأخيرة باستعجال الانتخابات الرئاسية بقانون يُقصي بشكل واضح مرشح واحد التف حوله الناس في فترة قصيرة، واتخذ قرارات تاريخية لم يكن عقيلة صالح أو السراج يمتلكون الشجاعة والإرادة السياسية لاتخاذها.

وفق برنامج المفوضية الوطنية للانتخابات فإن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ستكون في 24 ديسمبر عام 2021م، ثم بعد مرور 52 يوما سيجتمع مجلس النواب ليقرر موعد الانتخابات البرلمانية، والجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. هذا يؤكد بأن رهان الذين طبخوا وراء الكواليس قانون الانتخابات الذي أصدره عقيلة صالح بدون نصاب قانوني، وبدون مشاركة أعضاء مجلس النواب، ونقصد هنا الدول الداعمة لحفتر، مصر والإمارات وفرنسا والسعودية وروسيا، بات من الواضح بأن رهانهم هو الانتخابات الرئاسية لكي يحققوا بصناديق الاقتراع ما عجزوا عنه بالسلاح والحرب.

وهذا يعني أيضا بأنه لا قيمة للانتخابات البرلمانية وما هو مستهدف منها هو إنتاج برلمان جديد مطلوب منه أن يكون كومبارس يضفي الشرعية على الدكتاتور الجديد في ليبيا ما بعد معمر القذافي، وهو دكتاتور تُعبد له الطريق لحكم ليبيا وبأي ثمن، البرلمان الجديد إذا أبصر النور بقوانين عقيلة صالح هو برلمان لن يكون خيرا من سابقه، وإن وجدت فيه نخب وطنية ستكون غير قادرة على مواجهة ضغوطات العسكر في شرق ليبيا، إذ أن مقر البرلمان سيكون في طبرق كما هو الآن، أو يتم نقله إلى بنغازي.

إن هذه الانتخابات الهزيلة التي يمكن وصفها بالمسرحية العبثية، لا تتلعق فقط بصراعات الليبيين فيما بينهم، بل هي انتخابات صاغ قوانينها من وراء ستار لاعبون دوليون وإقليميون هدفهم الإستراتيجي اذ تحقق لهم تنصيب حفتر أو أي شخصية سياسية بديلا عنه، هدفهم هو إلغاء الاتفاقية الليبية التركية الموقعة في نوفمبر عام 2019م، وضرب المصالح التركية في ليبيا، والقضاء على القوى الوطنية الليبية في طرابلس التي تحملت عبء وفاتورة الصراع والحرب منذ عام 2011م، لذلك فإن شكل الانتخابات التي تُمثل صمام أمان لليبيا كدولة، وللقوى الوطنية هي انتخابات على أسس سليمة، أما دستور، أو قاعدة دستورية متفق عليها بين طرفي الصراع وهما مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ولأن الدولة الليبية تُعاني من الصراعات والانقسامات، والتدخلات الأجنبية، فإن الحل الأمثل هو تأجيل الانتخابات الرئاسية، وإجراء انتخابات برلمانية بغرفتين: مجلس للنواب في بنغازي، ومجلس للشيوخ في طرابلس، وأن تجرى الانتخابات وفق قاعدة دستورية وبالتوافق بين طرفي الصراع. في حين تستمر حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي لفترة انتقالية لا تقل عن 18 شهرا، فترة من أولوياتها الاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية لرفع المعاناة عن الشعب الليبي الذي دفع فاتورة باهضة نتيجة الصراع والحرب، ومعالجة الملفات الشائكة والتي من أهمها المصالحة الوطنية، وعودة النازحين والمهجرين، وتوحيد المؤسسات،  وفرض هيبة الدولة، في هذه الفترة يكون المجلس الرئاسي مجتمعا بكل أعضائه بمثابة رئيس الدولة، وتعمل الحكومة بشكل جدي لإتاحة الفرصة أمام كل الليبيين للاستفتاء على الدستور، لتصبح هناك فرصة حقيقية لإجراء انتخابات رئاسية نزيهة وعلى أسس سليمة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

محمد عمران كشادة

صحفي وباحث ليبي

اترك تعليقاً