‘البلد القزم’ وأميرها ‘المستبد المستنير الانتهازي’ في عيون الصحافة الغربية

يا سمو الأمير أنت المنقذ ..!!
يا سمو الأمير أنت المنقذ ..!!

تحوّل اهتمام الإعلام في الغرب بقطر وبأميرها الشيخ حمد بن خليفة آل الثاني بعد اندلاع الثورات العربية التي لعبت فيها الدوحة دور الوسيط والمموّل والمحرّض وأحيانا المسلّح إلى مادة خصبة تصل إلى النكاية السياسية والتّندّر في بعض

الصحف الغربية منذ دعوته منتصف يناير/كانون الثاني للتدخل العسكري العربي في سوريا.

وكانت صحيفة “لوموند” الفرنسية ومجلة “شبيغل”، الأوسع انتشاراً على الإطلاق في ألمانيا، من بين آخر وسائل الإعلام المكتوبة التي تحدّثت عن “البلد القزم” وأميرها “المستبد المستنير”، كما قالت الأولى، و”أمير قطر، الدولة القزمة القوية، يتحدى الأسد”، كما جاء في الثانية.

عصبة الأربعة

فقد وصف المبعوث الخاص لـ”لوموند” إلى الدوحة، بنجامين بارت، بالبلد “القزم من حيث الحجم والسكان والعملاق من حيث قوتها الضاربة‏ على الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي”.

وقال بارت إن “الإمارة صغيرة جداً لكن لها شهية كبيرة للاستثمارات في مختلف أنحاء العالم”، مشيرا إلى أن “هيئة الاستثمار القطرية”، المسؤولة عن الاستثمارات في قطاع ‏الصناعة، “لها أصول يصل حجمها إلى 60 مليار يورو في أكثر من 39 بلداً حول العالم”.

وأضاف “في قطر تتحدد الإستراتيجية بين أربعة أشخاص: الأمير وابنه تميم، ‏الأكثر ارتباطاً بمسار البلاد، وواحدة من زوجات الأمير، الشيخة الأنيقة موزة التي توجد على رأس إدارة ‘‏‏مؤسسة قطر’‏، ورئيس الوزراء حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس ‘‏هيئة الاستثمار القطرية’‏”.

ملء الفراغ الإقليمي العربي

وعن الصعود المتنامي لأسرة آل ثاني في مرحلة “الربيع العربي”، قال بنجامين بارت “الشيخ حمد، المستبد المستنير، ‏ليس لديه شغف خاص بالديمقراطية، لكن رغبته في أن يكون على الجانب الصحيح من ‏التاريخ، حفزه على القفز إلى ساحة الثورات”.

و”الاستبداد المستنير” هو مصطلح رأى النور في فرنسا على لسان فلاسفة “عصر التنوير” في القرن الثامن عشر ويشير إلى نشوء حركة ثقافية تدافع عن العقلانية لتأسيس النظام الشرعي للأخلاق والمعرفة، بدلاً من الدين. وكان “عصر التنوير” بداية ظهور الافكار المتعلقة بتطبيق العلمانية وترك التقاليد الدينية والثقافية والأفكار اللاعقلانية السائدة في العصور المظلمة.

والمفارقة الأشد غرابة، كما تقول مجلة “لونوفيل أوبسيرفاتور” الفرنسية هي أن هذه الإمارة ذات الحكم المطلق والتي تدعم الحراك الديمقراطي، تساند الحركات الإسلامية بمختلف مشاربها السياسية هنا وهناك وتطرحها كبديل لطغاة الأمس.

وأضاف بارت “ساعد الأمير حمد (على الالتفاف على الثورات) تسويق قناة الجزيرة، ‘‏صوت من لا صوت له’‏، وخاصة عجز نظرائه العرب. فالمغرب بعيد جدا، والجزائر هرمت، ومصر مصابة بالشلل، والعراق في أزمة، والسعودية غارقة في حسابات الخلافة”.

وتابع “‘‏لقد كان هناك فراغ ‏والقطريون قاموا باحتلاله’‏، كما قال دبلوماسي فرنسي”.

وسخر بارت قائلاً “إذن، الأمر يتعلق بانتهازية صرفة، كما لو أن فرنسا وألمانيا أفلستا ‏ووجدت سلوفينيا نفسها تقوم بقيادة أوروبا”.‏

وتساءل الكاتب ‏”إلى متى ستستمر دبلوماسية الأعمال هذه؟ الصاروخ القطري الذي وضع في المدار بفضل إرادة رجل ‏وبعض أحداث التاريخ، سيواجه بعض الأحداث المعاكسة التي سوف تضطره إلى العودة إلى الأرض. في ‏العالم العربي على سبيل المثال، ‘‏التوجه نحو التدخل’‏ من طرف معسكر آل ثاني يثير سخطا متزايدا”.‏

واختتم بارت مقاله قائلاً “ومن شدة جعل نفسه داعية إلى الديمقراطية، فإن قائد الدوحة أعلن عن انتخابات تجرى عام 2013. ‏والتيار المحافظ السلفي المتشدد السائد في المجتمع القطري، قد يشعر بعدم التحمس للتعايش في عام ‏‏2022 مع مشجعي كرة القدم السكارى، ناهيك عن مخاطر حدوث انقلاب”.

واستشهد الكاتب بقول المحللة السياسية فتيحة دازي هاني أن “أسرة آل ثاني ليست بمنأى عن تلقي ضربة ‏مرتدة”.‏

دمشق بدأت تحسب حساب “الدولة القزمة”

وفي ألمانيا، نشرت مجلة “شبيغل” تقريراً قالت فيه إن وكالة الأنباء السورية ‏اتهمت بتسليح المجموعات الإرهابية في المدن السورية، من بينها حمص. وذكرت أنه تم العثور على وثائق تدلل على أن قطر اشترت صحفيين من روسيا لنشر أكاذيب عن النظام في دمشق.

وعلقت المجلة قائلة إن “‏هذه الاتهامات ضد الدولة القزمة في الخليج ثقيلة وتشير إلى أن دمشق ترى في هذه ‏الدولة الصغيرة منافسا تزداد أهميته”.‏

وتساءلت المجلة “لماذا يقوم الشيخ القطري الذي يحكم بشكل مطلق بدعم الانتفاضات الديمقراطية؟”.

وأجابت “‏يقول المشككون أن الأمير يريد استبدال الأنظمة الحالية بأنظمة إسلامية. ويقول آخرون أن الشيخ يملك طموحاً كبيراً. فهو يستفيد من ‏فراغ السلطة في المنطقة ليرفع من مكانة دولته الصغيرة التي تستخدم الثروة كأكبر أداة لها في ذلك”.‏

وخلص التقرير إلى القول بأنه “بغض النظر عن سبب قيام أمير قطر بذلك فإنه ما كان سيختار نقطة زمنية ‏أفضل من الحالية من أجل ضمان حصوله على مقعد في الصف الأول للذين يملكون حق اتخاذ القرارات ‏في المنطقة، خاصة وأن بعض القوى في المنطقة مثل مصر والسعودية تشهد تغييرات داخلية”.

 

تصاعد الخلاف القطري السعودي في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق
تصاعد الخلاف القطري السعودي في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق

تفاقم الخلاف القطري السعودي

ونشرت الصحيفة الفرنسية “لو نوفيل ايكونوميست” مؤخراً مقالاً بعنوان “الإمارة ذات الوجهين، جاء فيه أن “قطر تبدو جذابة من الخارج، لكن هي كل شيء إلا أن تكون ديمقراطية”.

وعن الأمير حمد قالت الصحيفة أنه “سخي جداً مع حلفائه ولكن هذا السخاء يأتي دائما على حساب الديمقراطية”.‏ وأضافت “أسرة آل ثاني، التي كانت معزولة حتى وقت قريب أصبح يتودد إليها كل الزعماء السياسيين والاقتصاديين في الغرب ‏وعلى رأسهم العديد من القادة ‏الفرنسيين”. ‏

وأضافت “تربط أمير قطر بالرئيس ساركوزي علاقة متميزة ويجمع بين الرجلين نفس النشاط ونفس التطلعات العمودية للسلطة”، كما يقول الكاتب “جيل باريس”، في صحيفة “لوموند”.

فالأمير حمد هو أول حاكم عربي زار ساركوزي عقب وصوله لقصر الاليزيه ‏في مايو/أيار 2007. وقد برز الثنائي القطري الفرنسي في ليبيا من خلال الدعم السياسي والعسكري المقدم إلى ‏المتمردين ضد العقيد معمر القذافي.

لكن، تردّدت في الصحافة الفرنسية معلومات مفادها أن باريس ضغطت على قطر للحؤول دون مشاركة أميرها في احتفالات تحرير ليبيا وأن الدعم القطري لقوى الإسلام السياسي افرز قلقاً متزايداً لدى الجميع وكان أحد الأسباب التي جعلت ساركوزي “يُقصي” الأمير حمد من الاحتفال الذي جرى في أيلول/سبتمبر في طرابلس بمناسبة سقوط نظام القذافي.

وعقب بث بعض مواقع الانترنت في الأشهر الأخيرة مقاطع من تصريحات منسوبة إلى رئيس الوزراء القطري بأن “النظام السعودي ساقط لا محالة على يدي قطر”، بدأت صحف ومدونات فرنسية تتحدث عن “تفاقم الخلاف القطري السعودي” بشكل ‏غير مسبوق.

وتساءل الصحفي الفرنسي جيل مونييه “هل سيطيح أمير قطر بملك السعودية؟” في مقال يحمل العنوان نفسه.

ويقول مونييه “على الرغم من أن العلاقات بين الرياض والدوحة في الوقت الراهن جيدة ـ وكانت علاقات قطر مع سوريا أيضا ممتازة! ـ إلا أنه يبدو أن الاضطرابات الخطيرة التي تعصف بالمملكة العربية السعودية منذ تسعة أشهر تؤكد نُذُر رئيس الوزراء القطري الذي توقّع سقوط النظام السعودي بسبب “ملك هرم لا يسمح لأمراء الجيل الجديد بتسلّم السلطة”.

ونُسب إلى الشيخ حمد القول بأن أميركا وبريطانيا طلبتا منه تقريراً عن الوضع في السعودية وأعربتا عن نيتهما بالخلاص من النظام والإطاحة به، لكنهما يخشيان من حكم إسلاميين غير مرغوبين.

وأضاف الشيخ حمد، حسب التسجيل المنسوب إليه، “لذلك فإن قطر تستأثر الآن بالتميز واستطاعت أن تسحب الامتياز من السعودية ونقل القواعد الأميركية إليها، كما استطاعت أن تكسر احتكار وهيمنة السعودية تدريجياً وأن تفرض نفسها على المنطقة العربية”.

الأمير “المُنقذ”

في المقابل، نشرت عدة صحف فرنسية مقالات تشدّد على أن قطر “أصبحت واحدة من اللاعبين البارزين على الساحة العربية”.

مما ورد في الصحف أن “قطر بها عيوب تخصها، ولكن قادتها يلعبون دورا رئيسيا ‏في العمل من اجل إنهاء إراقة الدماء في سوريا‎”. وجاء أن “قطر أبدت استعدادا لاستخدام الثروة والنفوذ والحكم الصائب لفائدة جيرانها”.

وأنها “واحدة من الدول العربية القليلة التي تحتفظ بعلاقات ودية مع إسرائيل”. ‏

في مقال بعنوان “قطر بلاد المشاريع الفرعونية”، قالت صحيفة “لوفيغارو” “هذه الدولة الصغيرة الحجم التي كان اقتصادها يعتمد لحد أمس أساسا على ‏صيد اللؤلؤ، أصبحت اليوم غنية بفضل استغلال حقول النفط والغاز”.

وأشارت الصحيفة في هذا الصدد إلى “متحف الفن الإسلامي” الذي تحتضنه الدوحة، وإلى شراء قطر لـ”نادي باريس سان جرمان” وعقود انتقال اللاعبين التي يتم “دفع ‏قيمتها نقدا ومن دون تأخير”، وإلى شراء فندق “لامبير” في قلب باريس من ‏قبل أحد المقربين من أمير قطر بمبلغ يناهز 60 مليون يورو”.

“مما جعل الباريسيين يعرفون حق المعرفة هذا البلد الغني بالذهب الأسود”، تضيف الصحيفة.‏ ‏

ومن طرائف الصحافة الفرنسية، ما جاء في “لوموند” من أن الموظفين في “وكالة التلاحم ‏الاجتماعي وتكافؤ الفرص” ـ وهي عبارة عن مصرف كبير للجمعيات، تمول كل عام عشرات الهياكل مثل “جمعية مناهضة ‏العنصرية” وجمعية “لاعاهرات ولا خاضعات” وجمعية “بيوت الأصدقاء” ـ هدّدوا بالتوجه بالطلب إلى أمير قطر لكي يحصلوا على ‏زيادة في المرتّبات.‏

جاء هذا التهديد عقب إعلان قطر عن إحداث صندوق استثماري بقيمة 50 مليون يورو لفائدة شباب الضواحي الفرنسية الفقيرة.

“مما دفع الموظفين إلى الاعتقاد بأن قطر أصبحت المُنقذ”.

“دور استباقي” لما بعد الأسد

لم تصدر إلى هذه السّاعة تعليقات على تهديد قائد شرطة دبي، ضاحي خلفان تميم، باعتقال الشيخ يوسف القرضاوي الذي كان قد انتقد دولة الإمارات المتحدة لقيامها بإلغاء تأشيرات سوريين ‏ تظاهروا ضد النظام في دمشق.

إلا أن صحيفة الفينانشال تايمز البريطانية رأت الثلاثاء أن “قطر تقوم بدور استباقي سعياً لتشكيل التغييرات التي تجتاح منطقة الشرق ‏الأوسط”.‏

وذكّرت الصحيفة بأن الشيخ القرضاوي، المصري المولد، “لديه صلات وثيقة بالعائلة الحاكمة رغم أن ‏المسؤولين القطريين يقولون أنه لا يمثل وجهات نظرهم”.‏

واختتمت الصحيفة بالإشارة إلى أن “‏دولة الإمارات، رغم مساهمتها في المحاولات العربية لوضع حد لسفك الدماء في سوريا، إلا أنها قلقة بشأن البيئة السياسية لمرحلة ما بعد الأسد”.

كما أن قائد شرطة دبي “أثار مؤخراً قلقاً من التهديد ‏الذي تتعرض له دول الخليج من الإسلام السياسي وإيران”.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً