الثمار المنسية.. مراوحة بين الخيال والسيرة الذاتية

الثمار المنسية.. مراوحة بين الخيال والسيرة الذاتية

عز الدين عناية

أستاذ من تونس بجامعة روما

“الثمار المنسية”

رواية للإيطالي كريستيانو كاڤينا

مراوحة بين الخيال والسيرة الذاتية

تساوي إيطاليا لدى البعض مافيا (إيطاليا = مافيا)، وفي أفضل الأحوال “بيتزا” نابوليتانية شهية؛ لكن إيطاليا الثقافة والأدب والفن يبدو أنها انحصرت لدى العرب في ثلة مورافيا وكالفينو وبازوليني وإيكو وذائع الصيت دانتي دون سواهم، مع أن إيطاليا تحفل بأسماء عديدة وبنشاط ثقافي غزير متنوع ومتعدد يمتد من المقدّس إلى المدنّس، حري أن نعيد اكتشافه علنا نكتشف ذواتنا. الرواية الحالية التي نقدمها للقارئ العربي هي رواية عامل كادح، تحديدا صانع للبيتزا قبل أن يكون روائيا، صدرت ضمن نطاق برنامج الترجمة “مشروع كلمة” التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وهي ترجمة لرواية إيطالية بعنوان: “الثمار المنسية” للكاتب الإيطالي كريستيانو كاڤينا من إعداد الفلسطيني وسيم دهمش ومراجعة التونسي عزالدين عناية.

تعرض الرواية قصة يتراوح نسيجها الحكائي بين الواقع والخيال. إنها جزء من السيرة الذاتية للكاتب يتناول فيها جانبا حساسا من القيم الاجتماعية، فهو يروي لوالده على فراش الموت سيرة طفولته غير المألوفة. فقد نشأ، دون أن يعرف أباه، في كنف أمه وجديه لأمه في شقة متواضعة من شقق الإسكان الشعبي. وكان طفلا يفيض بالطاقة، يقضي الساعات الطوال في ملعب كرة القدم، أو على متن دراجته. أدى استماعه إلى الحكايات التي يرويها رواد المقاهي، في بلدته كازولا في شمال إيطاليا، إلى شحذ ولعه بالقصّ والحكي. ومنذ صغره كانت الكتب ملجأه الآمن. تدور أحداث الرواية في بلدة زراعية في شمال إيطاليا تتمحور حياتها حول مهرجان الثمار النادرة، التي يقوم سكان البلدة بزراعتها رغم محدودية مردوها التجاري. تعبر الرواية شخصيات مختلفة، لعل أهمها في عيني الطفل الراوي، راهبات الدير اللواتي يدرن مدرسة الحضانة، التي بدأ فيها حياته المدرسية. يعطينا هذا الجانب من الرواية التي يروي فيها الكاتب أحداث طفولته في مدرسة الحضانة لمحة عن حياة الأرياف الإيطالية، والعلاقة القوية التي تربط أفراد الجماعة بعضهم ببعض وتشدهم إلى الكنيسة الكاثوليكية والمؤسسات المتفرعة عنها. والتي تترك أثرًا عميقا في المجتمع الإيطالي حتى يومنا هذا.

تتراوح القصة بين طفولة الراوي الذي لا والد له وميلاد ابنه، عند بدء تدهور علاقة الراوي بأم الوليد. تأخذ مشاعر القاص حيزا واسعا من الرواية وتنسحب على مختلف شخصياتها؛ لكن علاقة الأبناء بالآباء تبقى المحور الرئيس الذي تقوم عليه الرواية. تنتقل مشاعر الحنين إلى الأب الغائب ومشاعر البنوة المنكرة إلى الابن رمز الحياة المتجددة والأمل الجديد لتجلي مشاعر الأبوة في أرق مظاهرها.

بدأ الكاتب حياته العملية كخباز في مطعم للبيتزا، لكن شغفه القديم بالحكايات أدى به إلى الكتابة الأدبية محققا نجاحا باهرا في وقت قصير. بدأ كريستيانو كاڤينا يروي الحكايات وهو طالب في المدرسة، ثم وهو يزاول مختلف الأعمال، وعندما نشر أولى قصصه نال عليها بعض الجوائز. بعد ذلك نشر روايته الأولى “بِكُلِّ عَظَمة” عام 2002، التي حاز عليها جائزة توندللي عام  2006، ولاقت نجاحا كبيرا ومُثِّلت في المسارح والمدارس واعتمدتها بلدة فولفيرا في إقليم بيومنته، ضمن مبادرة سمتها “فولفيرا تقرأ كتاب ‘بِكُلِّ عَظَمة’ قراءة عامة”. كما نشر الروايات التالية: “في بلاد تولينتيساك”، عام 2005، التي كانت من بين الأفضل مبيعا ذلك العام، ثم “آخر موسم كناشئين” عام 2006، والرواية ملحمة فكاهية ومؤثرة عن حياة المراهقين. الكاتب الكادح كاڤينا في جعبته ما يربو عن عشر روايات ومازال يشتغل في محل لصنع البيتزا إلى يوم الناس هذا، أردنا تقديمه للقارئ العربي أملا ألا يغترّ الكتّاب ولا يمشون في الأرض مرحا، فالكتابة كدح وعناء وبساطة.

المترجم وسيم دهمش، فلسطيني من مواليد 1948. أستاذ جامعي بجامعة كالياري في سردينيا. صدرت له مجموعة من الأعمال الأدبية بالإيطالية، كما صدرت له ترجمات بالعربية.

المراجع عزالدين عناية أكاديمي تونسي يدرس في جامعة روما، ترجم وراجع ما يربو عن خمسين عملا من الإيطالية إلى العربية.

الثمار المنسية (رواية)

المؤلف: كريستيانو كاڤينا

المترجم: وسيم دهمش

المراجع: عزالدين عناية

“مشروع كلمة”، أبوظبي 2016.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

عز الدين عناية

أستاذ من تونس بجامعة روما

اترك تعليقاً