لقد أصبح الليبي يسطو على وطنه لينال الفتات وتذهب الثروات الطائلة المنهوبة لما وراء الحدود. المسؤولون في قطاع الصحة بالسفارات الليبية مثلا يضاعفون مقابل قيم الخدمات التي يتلقاها المواطن لصالح المراكز والمستشفيات والعيادات الطبية لضمان عمولات بخسة لا تقارن بقيمة الأموال التي تذهب لخزائن مثل هذه المراكز.
لك أن تتخيل مثلا أن قيمة صورة الرنين المغناطيسي MRI التي تتراوح قيمتها من 400 الى 500 دينار تونسي تجرى للمريض الليبي الذي يعالج على حساب الدولة الليبية بمبلغ يتراوح من 1000 الى 1200 دينار تونسي. وبدلا من أن يطالب المسؤولون الليبيون في قطاع التأمين الصحي أسوة بأقرانهم من مسؤولي البلدان الأخرى بتخفيضات وتسهيلات في الخدمات الصحية كون ليبيا توفر لهذه البلدان دخلا كبيرا نجدهم يجتهدون في التواطؤ على تبديد خيرات البلاد جزافا. ولقد اكتشفت السيدة الحمروش كم الفساد الهائل في لجان الجرحى وقطاع الصحة وقد حاولت المرأة الإصلاح لكنه تم بث اشاعات زائفة حولها ومن ثم التخلي المبيت عنها لتكون في متناول أيادي البلطجية والمرتزقة والأغبياء دفعا لها للتراجع عن القيام بمسؤولياتها. للأسف هذا الأمر يتعرض له اليوم الدكتور رضا العوكلي بمشاركة أو على الأقل بموافقة الكثير من الأطباء والمتنفذين في القطاع الصحي. على الدكتور رضا العوكلي أن يحارب على الجبهتين جبهة فساد مرؤسيه في المستشفيات والقطاع الصحي من جهة والجبهة المالية الرافضة لدعم القطاع في حكومة الوفاق التي يرأسها الدكتور فتحي الجضران. يستطيع كل وزير صادق ان يبادر بترجمة وطنيته عمليا ومن ثمة يستعين برجال الأمن لمحاربة المفسدين لا سيما في المنطقة الشرقية التي تخضع لسلطة القوات المسلحة.
الأمر ذاته من حيث الفساد ينطبق بصورة أكبر على القطاع المصرفي والمصارف التي أهدرت ما يزيد عن المليار اعتمادات مستندية وهمية من رصيد العملة الصعبة التي هي من حق كل الليبيين. هذه المصارف التي أصبحت أوكار لصوص وبيئة فاسدة للكرافتات الرخيصة. كيف يطلق المسؤولون في القطاع المصرفي أيادي الموظفين بالمصارف ليتصرفوا في المال العام وكأنه مال شركة مساهمة خاصة يقتسمون اسهمها بينهم.
كيف يمكن لعاقل أن يتقبل كل شركات التوريد التي ظهرت فجأة ولا زالت في الظهور بقصد نيل اعتمادات مصرفية كما اتفق. فواتير تأتي وتذهب لا تتسم بالحد الأدنى من المعايير المتعارف عليها ثم إن كل هذه البضائع التي يزمع الموردون توريدها للبلاد والتي يصرف الدولار فيها مقابل 140 دينار ليبيا لا توجد متابعة لها رغم انها تمنح بمعدل صرف يستنزف دخل أموال الشعب الليبي من العملات الصعبة. هل هؤلاء التجار يستوردون فعلا البضائع المدرجة بالفواتير؟ هل ثمة بيوت خبرة نزيهة مشهود لها تتحقق من هذه الفواتير وتستأنف من بعد متابعة وصول البضائع ودخولها للبلاد وتراقب التسعيرة التي تطرح بها في السوق الليبية وفقا لبيانات الاسعار المدرجة بالفواتير أم أن الأمر متروك لثلة من موظفي أقسام الاعتمادات بالمصارف التجارية يفعلون ما يحلو لهم بالمليارات وبموافقة مدراءهم ورؤسائهم.
لقد بدأت المصارف منذ فترة في منح هذه الاعتمادات وقد تم تمديدها أو استئنافها ولازالت علبة الزيت بقيمة (5) دنانير ليبية في حين أن قيمتها الحقيقية ينبغي ألا تتجاوز نصف هذه القيمة. موردوا اللحوم والمواشي تحصلوا منذ مدة على اعتماداتهم ولا يزال سعر كيلو اللحم الخارجي كسابق عهده (15) دينار في حين ينبغي ألا يتجاوز سعره في السوق في أسوء الأحوال (9) دينار ليبي. ألا يراجع أحد أسعار هذه البضائع في الفواتير المقدمة للمصارف ومن ثمة تراقب اسعار تسويقها في السوق الليبية. أليس هناك مسؤول في هذه الجهات يدرك أن هذه الاعتمادات جاءت لتوفير السيولة وخفض سعر السلع وإلا كان الأجدر بمصرف ليبيا المركزي اعتماد قلة من الموردين وإملاء شروط توريد وبيع السلع وفقا لضوابط ومعايير يضعها البنك المركزي بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد تترجم انخفاضا واضحا في سعر السلع لصالح المواطن. إن إطلاق الأمر بيد المصارف على هذا النحو لا يعفي المسئولين بالمصارف من المسؤولية لأنه يفسح المجال لمزيد من الرشوة والفساد في القطاع المصرفي من ناحية ويحرم المواطن من الاستفادة السلعية التي جاء توريدها على حساب مخزونه من النقد الأجنبي والعملة الصعبة.
هذا الكم من الفساد والاستغلال يجعل الناس تعيد التفكير في المطالبة بإلغاء المركزية وتنحاز عمليا لعودة المركزية كونها أنجع رقابيا وأكثر صونا لمقدرات البلاد. أعرف أن هذا الكلام لا يشمل القلة القليلة من الأيادي النظيفة لكنه يتحدث عن ظاهرة يعرفها الصغير قبل الكبير وأكثر من يعرف عظم جرمها وفداحة ضررها هي هذه القلة القلية من الشرفاء ممن يعملون بالمصارف. كذلك الأموال التي تحال للمصارف بقصد سداد رواتب المواطنين أليس من البساطة بمكان أن يعلن مصرف ليبيا المركزي على القنوات الرسمية اسماء قوائم المصارف التي حولت لها الأموال وتحديد القيم المحولة لكل مصرف على حدة وتبيين عدد الزبائن بكل مصرف لإنارة الرأي العام وضمان حق كل زبون في نيل المبلغ المخصص له بحيث يتم حجزه للزبون في حسابه يأخذه في أي وقت تفاديا للزحام.
لقد أصبح موظفو المصارف يتصرفون في هذه الأموال على أهوائهم يحددون فيه يوما واحدا للصرف (يوم الرغاطة يوم يعملون فيه من الصباح حتى ساعات متأخرة مساء) يرفعون السقف فيه لزبون ويخفضونه لآخر ثم يخرجون في اليوم الثاني على الزبائن الذين لم يحصلوا على القيمة المخصصة لهم معلنين خلو المصرف من السيولة. يجب أن تظل حصة كل فرد متوفرة في حسابه يأخذها أنى ذهب الى المصرف دون زيادة أو نقصان. كما أنه يمكن تقسيم الزبائن الى مجموعات يقيدها تسلسل ارقام الحسابات بحيث يخصص يوم محدد من أيام الاسبوع لكل مجموعة على حدة. وإذا كان هناك فائض في القيمة الموزعة على المصارف لاسيما وأن عددا كبيرا من الحسابات غالبا ما تكون حسابات غير فعالة فيجب أن يخصص للحالات القاهرة من تكاليف العلاج والعمليات الجراحية أو سداد أقساط ايجارات النازحين بعد توثيق الحالة والتأكد من المستندات الداعمة في الخصوص ارساء لقيم العدالة الاجتماعية. يجب وضع قوانين صارمة من مصرف ليبيا المركزي تقطع السبيل على المرتشين والفاسدين بالقطاع المصرفي الذين يتطاولون على المواطنين ويصرخون في وجوههم بكل جرأة ” عدي شكي لحبري.. عدي شكي للكبير”.
ينبغي أن تكون هناك بيوت قضائية مؤسسة لمحاربة الفساد تابعة للنائب العام في كل مدينة يرأسها قضاة نزهاء يتسمون بالشجاعة والوطنية لديها قنوات اتصال (هاتف – نقال – فاكس – بريد الكتروني) ميسرة للمواطنين للإبلاغ عن حالات الفساد شريطة أن تحفظ هذه الجهات للمواطن المتصل سريته.
لقد صارت العديد من الوظائف سبيلا لتنامي وتزايد الركب السمينة بالبلاد والتي إن لم تطالها سلطة القانون اليوم ستطالها غدا أو ستكون هدفا مشروعا لأيادي المحرومين من الفقراء والنازحين والمشردين من أبناء الوطن الجريح.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.





اترك تعليقاً