دخلت كلمة حشاشون إلى أغلب اللغات الأوربية الحديثة وأصبحت تنطق Assasin أو Ashishin، وبالعودة للقواميس الأوروبية نجدها تعني القاتلُ المأجورُ أو المُحترف، لكن قليلون يعرفون أنها كلمة عربية الأصل أطلقت على طائفة دينية إسلامية ظهرت في القرن الخامس الهجري، فمن هي هذه الفرقةُ الدينية؟ وبماذا تميزت تعاليمها؟ ولماذا أطلق عليهم لقبُ الحشاشون؟ وكيف انتقل هذا الاسمُ إلى اللغات الأوروبية وأصبح يدلُ على نظام الاغتيالات؟.
لماذا لقبوا بالحشاشين؟
تعني كلمة حشيش في العربية العشب أو الكلا، وتستخدم الكلمة أيضا للدلالة على القنب الهندي وهو مخدر عرفه المسلمون واستخدموه خلال العصور الوسطى، وقد أطلقت هذه الكلمة في القرن الخامس الهجري للدلالة على فرقة إسلامية تسمى الشيعة الإسماعلية النزارية، تميز أفرادها بالولاء التام والأعمى لإمام الجماعة، واستخدامهم لأسلوب القتل عن طريق الاغتيال لأهداف دينية وسياسية، وبسبب الرعب الذي كان يتركه أسلوبها في القتل الذي يوصف بالاتقان والاحترافية، اعتقد خصومهم أنهم يتناولون مخدر الحشيشِ قبل تنفيذ الاغتيال حتى لا يقع في نفس الفدائي خوفٌ أو رعبٌ، لكن هناك رواية أخرى تقول إن مصدر التسمية كان بعد حصار دولة السلاجقة لزعيم الجماعة واتباعه في قلعة محصنة لسنوات صمدوا فيها بسبب تناولهم للعشب وحشائش الأرض بعد نفاد مخزون الأغذية وطول الحصار، وقد اعتبر البعض أن هذا التفسير هو الأقرب للتصديق.
الانشقاق الأول
تعتبر الحرب الأهلية التي وقعت بين المسلمين بعد اغتيال الخليفة الثالث عثمان بن عفان، أول انقسام خطير سيشق المسلمين فريقين، فريق من الصحابة يدعوا للاقتصاص من القتلة يتزعمهم معاوية ابن أبي سفيان، وفريق يشايع علي ابن أبي طالب خليفة للمسلمين أطلق عليهم لقب شيعة علي، وبعد أن بايع بعض المسلمين عليا للخلافة، رفض البعض بذلك وأعلنوا الحرب عليه، في هذه اللحظة سيظهر جرح آخر وهو اغتيال الإمام علي بن أبي طالب، لتتكرر المأساة أيضا في اغتيال الإمامين الحسن والحسين ابنائه من فاطمة الزهراء بنت النبي محمد، من هنا سينتقل الزمن الديني والسياسي في الإسلام إلى عالم سني تزعمه الأمويون والعباسيون فيما بعد، وعالم شيعي تزعمه الأئمة من أحفاد البيت النبوي من نسل فاطمة، وبالضبط في زمن الإمام جعفر الصادق وهو أحد أحفاد البيت النبوي، وهو ابن الإمام محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب أول أئمة الشيعة.
المهم أن الإمامة ستنقسم بعد وفاة جعفر الصادق بين من جعلها في ابنه موسى الكاظم ويعرفون الآن بالشيعة الإثنى عشرية، ومنهم من رفض ذلك وجعلها في حفيده محمد ابن إسماعيل وقد أطلق عليهم الإسماعليون، وهؤلاء ستظهر منهم طائفة الحشاشون فيها بعد.
بداية الحشاشين
ذكرنا فيما سبق السياق التاريخي لظهور الحشاشين وعلاقتهم المباشرة بالإسماعيلية، التي ستُشكل مذهبا شيعيا قويا استطاع تأسيس دولة كبيرة في تونس ومصر، وقد سميت بالدولة الفاطمية نسبة لفاطمة وتيمنا بها، ثم انقسم الإسماعليون بعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله بين من أعلن إمامة ابنه المستعلي وبين من بايع ابنه نزار ولقبوا بالنزارية وهي الفرقة التي يُنسب لها الحشاشون، هذه الفرقة التي تزعمها داعية اسمه حسن الصباح عرف بتقواه الديني ودفاعه عن المذهب الإسماعيلي، وقد فر من الدولة الفاطمية في مصر وهاجر نحو بلاد فارس وهي إيران حاليا، حيث أقام يدعو للمذهب الإسماعيلي وإمامة نزار.
لقد تميزت حركة حسن الصباح بالسرية والعمل المنظم نظرا للخطر الذي كان يواجه دعوته من دولة السلاجقة في إيران والخلافة العباسية، الأمر الذي فرض عليه العمل السري وقد اختار التحرك في المناطق التي لم تكن سلطة السلاجقة تصلها كالجبال والوديان والقرى البعيدة وتجنب المدن والحواضر، وككل حركة سرية يصعب عليها مواجهة الدولة بشكل مباشر بسبب غياب التكافؤ العسكري، توجه حسن الصباح لطريقة جديدة في المواجهة وهي نظام الاغتيالات.
نظام الاغتيالات
تأتي شهرة الحشاشين في التاريخ الإسلامي من نظام الاغتيالات السياسية الذي استخدموه في مواجهة خصومهم، وقد حقق هذا الشكل من القتال انتصارا للجماعة على خصومها من السلاجقة والخلفاء العباسيين، وتحكي كتب التاريخ أن حسن الصباح كان يدرب نخبة من اتباعه على اغتيال القادة من العسكريين والسياسيين وبعض رجال الدين والقضاة، وكان التدريب يقضي بأن ينال الفدائي الإسماعيلي من هدفه بضربة خنجر قاتلة وبعدها يموت في شبه عملية انتحارية اليوم، وما زاد من خطر ذلك أنه كان يستهدف فقط الشخصيات الكبيرة والتي لها نفوذ بالدولة، وهو ما جعل السلاجقة والعباسيين ينهزمون في مواجهة حرب غير تقليدية تقوم على الاغتيال والتحصن بالقلاع والجبال.
ولم يسلم من حركة الاغتيالات هذه الجنود الأوربيون الذين دخلوا في الحروب الصليبية على منطقة فلسطين والشام، وهو ما جعل الخوف من الحشاشين ينتقل إلى أوروبا وينشر الرعب بين قادتها، الأمر الذي سيدفع الكثير منهم إلى شراء ودهم عن طريق الهدايا والأموال تجنبا لخطرهم، وسيشتهرون في أوروبا لدرجة سيدخل لقب حشاش للغاتهم ليدل على القاتل المحترف.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.






اترك تعليقاً