نتابع في هذا المقال تسليط الضوء على بعض مواد مشروع الدستور، هذا الدستور الذي لا يمكن وصفه بمثل ما توصف به دساتير العالم من حيث إمكانية تعديلها وهي اما دساتير مرنة واما دساتير جامدة، بل ان بعض مواد هذا الدستور يرقى الي مستوى اعلى من الجامدة وقد يصل الي مستوى القداسة، ففي الدساتير المرنة وهي التي يتم تعديل نصوصها بإجراءات بسيطة كالتي تتبع من قبل السلطة التشريعية اثناء قيامها بواجباتها التشريعية في إصدار أو تعديل القوانين العادية ، اما في الدساتير الجامدة فان الامر يتطلب اتباع إجراءات اكثر تعقيدا لتعديل او إلغاء بعض موادها بحيث يشترط الاستفتاء الشعبي على أي تعديل مثلا او غيرها من الإجراءات الأخرى.
أما في دستورنا الجديد فان أي تعديل في مادة من مواده يلزم بشأنها موافقة الأغلبية في مجلس النواب واحالته بعدها الي مجلس الشيوخ او العكس وحصوله على الأغلبية، وبعد الموافقة يعرض على المحكمة الدستورية لنيل موافقتها ثم يعرض على الشعب في استفتاء عام ، وإقراره بالأغلبية المطلقة.
.ليس هذا فحسب بل ان هذا الدستور يمنع على الليبيين في المادة ( 195 ) فقرة ( 1 ) اجراء أي تعديل في أي مادة من مواده قبل مرور ( 5 ) سنوات من تاريخ دخوله حيز النفاذ …. لا …. بل اكثر من ذلك فقد نص هذا المشروع في مادته (195) الفقرة ( 2 ) على منع الليبيين من المساس بالمبادئ التي تقوم عليها ( 8 ) مواد منه ، فاذا لم يكن بإمكان الليبيين مستقبلا المساس بالمبادئ التي تقوم عليها هذه المواد فما هو المسموح لهم به اذن ؟ هل هو المساس بالألفاظ والكلمات فقط ضمن هذه المبادئ المقدسة ؟ اننا لن نكون امام أي تعديل في هذه الحالة . انما امام حالة دوران في حلقة مفرغة ، ودون أي تغيير او تعديل حقيقي، وبغض النظر عن أهمية المبادئ الواردة في هذه المواد، الا انه لا ينبغي للهيئة ان تحجر على إرادة الليبيين وتمنعهم من تعديل هذه المواد ولو بعد مرور عشرات السنين فمثلا المواد 100، 101 ، 184 المتعلقة بولاية رئيس الدولة وتحديدها بولايتين فقط كل منهما مدة 5 سنوات، لماذا نحجر على الليبيين ونصادر حقهم في تعديلها حتى ولو تغيرت الظروف والازمان والأشخاص، فقد نكتفي بولاية واحدة مثلا ، او نجعلها ثلاثة فترات او اكثر وذلك وفق المتغيرات والمعطيات المتوفرة في كل زمان.
.وكذلك المادة ( 8 ) المتعلقة بالتعددية السياسية والزام الليبيين بها، ومنعهم من تعديلها طال الزمن او قصر، هذه المادة كتبت بناء على عواطف جياشة في هذه الفترة، وحتما ستتغير عواطفنا هذه بعد حين من الدهر اذن لماذا نجعلها نصا مقدسا ، ومبدأ لا يجوز المساس به ولو بعد قرن من الزمان.
. وحتى تعدد ( اللغات ) كما يسميها مشروع الدستور في المادة (2) يجب ان تبق مبدأ ثابتا مقدسا لا يجوز لليبيين ان يفكروا في يوم من الأيام بتوحيد هذه اللغات او اللهجات ومحاولة التمسك بلغة واحدة فقط لان الدستور يلزمهم بحالة التشتت اللغوي هذه ، الي ان يرث الله الأرض ومن عليها. هذه المادة كغيرها وكأنها كتبت تحت اسنة الرماح والضغط المادي والمعنوي الذي ربما مورس على أعضاء الهيئة، او ربما وفق رؤية آخرين لا نعلمهم الله يعلمهم.
.هذا التقديس للنصوص البشرية، وهذا التقييد المجحف لحرية الأجيال، وهذه المصادرة الأبدية لإرادة الشعب بقدر ماهي أخطاء دستورية صارخة في وقتنا الحاضر، هي أيضا نصوص ظالمة ومحكوم عليها اما بالزوال او بالتحريف او بالإهمال، وهي تعتبر ثغرات في جدار هذا الدستور كفيلة بتصدعه وربما بعدم قبوله من الأساس
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.





هذه المواد معظمها من المبادئ الحاكمة التي لا تختلف عليها معظم الدساتير وأكثرها لها جدور في الأعراف والمواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة، وجعل الدستور مفتوح للأهواء يكون الرئيس أول من يمدد لنفسه بقانون، ومجلس النواب أول من يشرعن لنفسه بالأستمرار، وفئة ربما أنت أحدهم تقرر إلغاء الأخر بدعوى الأغلبية وهكذا يصبح الدستور ليس أب القوانين بل المشرعن لأهواء من على هرم السلطة وبذلك لا فائدة من الدستور