الدورالتنموي والاجتماعي للشركات النفطية الأجنبية في ليبيا

قطاع النفط يعتبر مصدر الدخل القومي الوحيد في ليبيا

يعتبر النفط عصب الحياة الاقتصادية ومصدر الدخل الوحيد في ليبيا ويتم استغلال هذا المورد المهم عن طريق شركات نفطية اجنبية متعددة في ليبيا وتعمل هذه الشركات بالتنسيق مع المؤسسة الوطنية للنفط عن طريق اتفاقيات استكشاف ومقاسمة انتاج أو اتفاقيات مشاركة أو عقود امتياز وتحتوي هذه الاتفاقيات على شروط تفصيلية حول كيفية استغلال الحقول النفطية واستخراج النفط ونسب الانتاج وحصة كل طرف وطرق الادارة وصرف الأموال وكل مايتعلق بالعمليات النفطية من استخراج النفط الى حين تصديره، هذا بالاضافة الى الاحكام الموجودة بقانون النفط ومجموعة قرارات ولوائح خاصة بقطاع النفط.

لكن قلما تجد أو لا تكاد وسط كل هذه الاتفاقيات والقوانين والقرارات شروطاً تلزم الشركات الاجنبية النفطية بصرف جزء من العائدات لمالية الهائلة التي تجنيها من ليبيا في نواحٍ اجتماعية وبيئية اوثقافية اوتنموية واعلامية كأن تقوم هذه الشركات ببناء مستشفيات متخصصة في علاج الامراض الخطيرة أو رعاية نوادٍ رياضية وثقافية أو رعاية ندوات ومحاضرات ثقافية تخدم الصالح العام أو بناء مراكز تدريب متخصصة أو تدريب الليبيين في الخارج بالاضافة الى حماية البيئة والمحافظة عليها والمساهمة في الحد من التلوث البيئي وتقديم المساعدة الفنية والتقنية.

وقد حاولت المؤسسة الوطنية للنفط في السنوات الاخيرة الاتفاق مع شركات النفط الاجنبية بصرف جزء من أموالها على نواحي تنموية في ليبيا وذلك في اتفاقيات الاستكشاف ومقاسمة الانتاج (الجيل الرابع) تحت مسمى منحة التعاقد وهي عبارة عن مبلغ مالي تدفعه هذه الشركات الى المؤسسة الوطنية للنفط وتتولى هي صرفه في جوانب تدريبية وتنموية.

اوان تقوم هذه الشركات بالصرف مباشرة على هذه الانشطة ولكن ظلت هذه المحاولات خجولة ولمجرد ذر الرماد في العيون وشابها الكثير من القصور كعدم وجود آليات تنفيذ ومتابعة لصرف الأموال واستثمارها كما شابها الفساد وتم نهب بعض هذه الأموال أو خصصت في غير اغراضها وقد توقفت الكثير من هذه المشاريع ولم يتم استكمالها لأسباب ادارية وفنية وعدم وجود ارادة قوية لمتابعة مصالح الشعب الليبي الذي لم يستفد من هذه الأموال وقد قامت هذه الشركات بالتحايل واستردت هذه الأموال بطرق مالية وفنية لاحقة عند تنفيذ العقد.

والآن في مرحلة إعادة خارطة بناء ليبيا بالكامل وفي جميع المجالات يجب على المجلس الوطني والحكومة ووزارة النفط وضع آلية واضحة محددة لإلزام هذه الشركات عن طريق اداة القانون وذلك بتضمين اي عقد أو اتفاقية تبرم مع اي شركة ببنود ونصوص واضحة وملزمة تبين كيفية منح هذه الأموال وقيمتها وآلية صرفها وعدم تحميل ذلك في قيمة العقد ووضع آلية معينة كتأسيس ادارة أو صندوق أو شركة تابعة لوزارة النفط تتولى صرف هذه الأموال واستثمارها وبالتنسيق مع الشركات الاجنبية والاستفادة من خبراتها في مجالات التنمية والتدريب والبيئة بما يخدم مصالح الشعب الليبي.

وبعد الحصول على هذه الأموال من هذه الشركات يتم الانتقال الى نقطة أخرى مهمة وهي ان تقوم هذه الشركات باستثمار جزء من أرباحها في مشاريع اقتصادية وسياحية في ليبيا ويتم الاتفاق على كيفية استثمار هذه الأموال عن طريق آليات قانونية واقتصادية التي قد تكون مشاركة مع الجانب الليبي أو أن تستثمرها هذه الشركات لصالحها مباشرة وهذا سيعود بالفائدة على ليبيا في مجالات التنمية وتشغيل الليبيين وتنمية الاقتصاد.

وهذا الامر يكمن تحقيقه وجائز قانوناً ويجب عمله وعلى سبيل المثال شركة ضخمة كايني والتي تجني أرباحاً طائلة جداً من النفط الليبي لا تساهم بشيء في سوق الاعلان الليبي مثلاً وتعلن في دول ومدن أخرى كدبي ولبنان كما انها ترعى برامج ثقافية واجتماعية وتنموية في دول أخرى ما عدا ليبيا.

ولن يؤثر ذلك على المركز المالي لهذه الشركات فهي تجني أموالاً طائلة من ليبيا فتكلفة انتاج برميل النفط قليلة وهي موزعة بين الجانب الليبي والاجنبي والموانئ الليبية قريبة من اوروبا وخطوط نقل النفط جيدة وموجودة والنفط الليبي من اجود انواع النفط وهذه الشركات لا تبيع النفط مادة خاماً كما تفعل ليبيا، فهي الشركات تبيع النفط كمنتج نهائي الى المستهلك مباشرة وبهذا تحقق نسبة أرباح تصل الى 300 الى 400% وهي نسبة عالية جداً.

قد يقول قائل إن هذ الامر صعب وغير ممكن وغير عقلاني ولا يمكن ارغام هذه الشركات القوية المسنودة من دولها ولكن اذا توفرت الارادة الصادقة والقوية والتنسيق الجيد بين وزارت وادارات الدولة واستغلال القانون والمفاوضات الجيدة ووضع سياسة واضحة مدروسة (قانونية ونفطية واقتصادية) وهذه الشركات لا تريد خسارة مصالحها في ليبيا وهي لن تخسر شيئاً اذا ألزمناها بتطبيق هذه السياسة وهي الرابح في جميع الاحوال كما ان اتباع سياسة الشفافية وفتح باب المنافسة سيؤدي الى تحقيق هذه السياسة التي ستكون في صالح المواطن الليبي.

كما ان هذه المبالغ التي ستدفع في مجال التنمية أو التي ستستثمر في ليبيا على شكل انشطة تجارية وصناعية وخدمية وسياحية لن تشكل نسبة تذكر من الأرباح الهائلة لهذه الشركات.

وتصوروا معي ان هناك 30 شركة نفطية اجنبية في ليبيا متوزعة بين شركات استكشاف وانتاج أو خدمات نفطية أو تقنية نفطية وهذه الشركات امكانياتها المالية هائلة ولو قلنا ان كل شركة تكسب من200 الى 300 مليون دولار سنوياً مثلاً ونقوم بإلزامها بدفع مبلغ 10 ملايين دولار سنوياً كمنحة سنوية غير مشروطة وغير محملة على العقد تكون الدولة الليبية قد تحصلت على مبلغ 300 مليون دولار سنوياً وهذا مبلغ جيد ويتم صرفه في اوجه التدريب والبحث العلمي والتنمية وفي جوانب اجتماعية وثقافية ولن يؤثرذلك على هذه الشركات أو أرباحها.

كذلك لو استثمرت كل شركة مبلغ 10 ملايين دولار سنوياً في مشاريع اقتصادية وخدمية في ليبيا سيكون لدينا مبلغ 300 مليون دولار سنوياً يضخ في السوق الليبي وسيستفيد كلا الطرفين من هذه الاستثمارات وعلى الدولة الليبية اعداد الخطط والدراسات للمشاريع المحتملة التي يمكن لهذه الشركات الخوض فيها وعلى الحكومة ان تقدم كل التسهيلات القانونية والادارية لهذه الشركات حتى يتم استثمار هذه الأموال وفي الوجه الصحيح.

ان وجود حكومة منتخبة شرعية تمثل الشعب الليبي سيدعم هذا التوجه وتبني هذه السياسة وعلى الحكومة ان تفهم هذه الشركات ان هذا مطلب شرعي وشعبي يجب تحقيقه كما ان الشركات التي ستبادر الى تنفيذ هذه السياسة يمكن منحها تسهيلات ومميزات وإعطاؤها الاولوية في أي مشاريع جديدة لاستكشاف والتنقيب على النفط.

أسامة عبدالرحيم البشيري

مستشار وباحث قانوني

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً