الذهب يصعد إلى مستويات قياسية فوق 3600 دولار للأونصة ويحقق مكاسب تاريخية

شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا خلال تعاملات الجمعة المبكرة، متجهة لتسجيل رابع ارتفاع أسبوعي على التوالي، إذ طغت المخاوف بشأن ضعف سوق العمل في الولايات المتحدة على القلق من التضخم قبيل خفض متوقع بقوة لأسعار الفائدة الأميركية الأسبوع المقبل.

وزاد الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.5% ليصل إلى 3651.92 دولار للأونصة بحلول الساعة 06:09 بتوقيت غرينتش، مقتربًا من أعلى مستوياته على الإطلاق عند 3673.95 دولار الذي سجله الثلاثاء الماضي. وصعد المعدن النفيس 1.8% منذ بداية الأسبوع وحتى الآن.

كما ارتفعت العقود الأميركية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة 0.5% لتصل إلى 3690.30 دولار للأونصة.

وقال كيلفن وونغ، محلل الأسواق لدى أواندا: “السوق تتطلع الآن إلى فرصة كبيرة لخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات على الأقل قبل نهاية 2025، وهو ما يفوق بكثير التوقعات السابقة قبل شهرين”، مضيفًا أن هذا الدعم يساعد الذهب في الوقت الحالي.

وسجلت أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة ارتفاعًا بنسبة 0.4% في أغسطس، وهو أكبر ارتفاع شهري منذ سبعة أشهر، في حين أظهرت بيانات الأربعاء انخفاضًا غير متوقع في أسعار المنتجين. كما زادت طلبات إعانة البطالة الأسبوعية الأسبوع الماضي، مما يعكس ضعفًا جوهريًا في سوق العمل.

ويتوقع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خفض معدل الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس في 17 سبتمبر، مع احتمال ضئيل لخفض 50 نقطة أساس، وفقًا لأداة فيد ووتش التابعة لسي.إم.إي. ويُنظر عادة إلى الذهب كوسيلة تحوط في أوقات عدم اليقين الاقتصادي ويميل للارتفاع في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة.

وسجل الذهب مكاسب قوية هذا العام بنحو 39%، مدفوعًا بضعف الدولار وعمليات الشراء من البنوك المركزية وتوجهات التيسير النقدي وزيادة الضبابية الاقتصادية العالمية.

وفي المعادن النفيسة الأخرى، صعدت الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 1.2% لتصل إلى 42.07 دولار للأونصة، بينما ارتفع البلاتين بنسبة 1.1% إلى 1393.71 دولار، وزاد البلاديوم بنسبة 1% ليصل إلى 1200.31 دولار، مع توقع تسجيل المعادن الثلاثة مكاسب أسبوعية.

الذهب يصعد إلى مستويات قياسية فوق 3600 دولار للأونصة ويحقق مكاسب تاريخية

في مشهد استثنائي لم يشهده العالم منذ نحو نصف قرن، واصل الذهب تحطيم الأرقام القياسية للعام الثالث على التوالي، متجاوزاً حاجز 3600 دولار للأونصة، ومسجلاً مكاسب قياسية بلغت 39% هذا العام، وهي الأعلى منذ 46 عاماً وفق بيانات “تريدنغ فيو”.

هذا الصعود اللافت لم يعد مجرد انعكاس للطلب الاستهلاكي أو المضاربات المالية التقليدية، بل أصبح مؤشراً على تحولات استراتيجية جذرية في النظام النقدي العالمي.

الذهب.. صعود تاريخي ومكاسب قياسية

مع اندلاع الحرب في أوكرانيا وتداعيات العقوبات الأميركية غير المسبوقة على روسيا، شرعت البنوك المركزية حول العالم بتكديس الذهب بوتيرة غير معهودة، بهدف تقليل الاعتماد على الدولار وتعزيز أدوات التحوط ضد التوترات الجيوسياسية والانقسامات العالمية.

وتوقعت مؤسسات مالية كبرى، مثل “غولدمان ساكس”، إمكانية وصول الذهب إلى 5000 دولار للأونصة بحلول 2026 إذا تعرضت مصداقية الفيدرالي الأميركي لضغوط سياسية متصاعدة من الرئيس دونالد ترامب.

ووصف نور الدين محمد، الرئيس التنفيذي لشركة “تارجت لإدارة الأصول”، هذا الصعود بأنه “انعكاس مباشر لانعدام الثقة المتزايد في الدولار وصعود التكتلات الدولية الجديدة”، مؤكداً أن السعر العادل لأونصة الذهب قد يتجاوز 4000 دولار في ظل الظروف الراهنة.

المشتريات الضخمة للبنوك المركزية.. المحرك الخفي

منذ بداية الحرب في أوكرانيا، اشترت البنوك المركزية نحو 115 مليون أونصة من الذهب، في خطوة استراتيجية تتجاوز مجرد التنويع المالي لتشمل تقليص الاعتماد على الدولار وضمان استقلالية الاحتياطيات النقدية.

ولأول مرة منذ 29 عاماً، تجاوزت قيمة احتياطيات الذهب لدى هذه البنوك قيمة حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية، حيث ارتفعت نسبة الاحتياطيات من الذهب إلى نحو 27% مقابل 23% للسندات الأميركية، وهو تحول تاريخي يعكس تراجع الثقة بالدولار والاقتصاد الأميركي.

والصين وحدها اشترت نحو 1.22 مليون أونصة خلال الأشهر العشرة الأخيرة، في خطوة استراتيجية تعكس رغبتها في تقليل الاعتماد على الأصول الدولارية، بما يعكس جزءاً من صراع النفوذ بين الشرق والغرب ضمن تكتل “البريكس”.

الانقسامات الجيوسياسية وصعود التكتلات الجديدة

الصعود القياسي للذهب لا يمكن فصله عن التحولات الجيوسياسية العالمية، حيث أدى الصراع في أوكرانيا إلى مرحلة جديدة من الاستقطاب الدولي بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة وتكتلات ناشئة تضم الصين وروسيا والهند ودولاً أخرى، هذه الانقسامات أدت إلى إعادة توزيع الثروة الاحتياطية، إذ تعزز هذه التكتلات الذهب كأداة تحوط واحتياطي استراتيجي بعيداً عن هيمنة الدولار.

الدولار تحت الضغط والفيدرالي الأميركي في دائرة الانتباه

تراجع سعر الدولار الأميركي كان عاملاً إضافياً في دعم الذهب، خاصة مع توقعات السوق بخفض محتمل لأسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي.

ويشير تقرير حديث لـ”غولدمان ساكس” إلى إمكانية وصول الذهب إلى 5000 دولار للأونصة بحلول 2026 إذا اهتزت مصداقية البنك المركزي الأميركي بفعل الضغوط السياسية من ترامب، وهو ما قد يزيد من الإقبال على الذهب كملاذ آمن.

وشدد نور الدين محمد على خطورة التأثير المحتمل لهذه الضغوط، مشيراً إلى أن أي تراجع في استقلالية الفيدرالي الأميركي سيكون “كارثة تدفع الذهب إلى صعود قياسي”.

من يشتري الذهب اليوم؟

المشتريات الاستراتيجية للبنوك المركزية تختلف جذرياً عن المضاربات الفردية أو صناديق الاستثمار، فهي طويلة الأجل وتقلل من احتمالات البيع الفوري، ما يمنح الذهب أساساً متيناً لموجة الصعود الحالية مقارنة بالدورات السابقة التي شهدت تذبذبات أكبر.

السعر العادل وتوقعات المستقبل

ويرى نور الدين محمد أن السعر العادل اليوم للذهب هو 4000 دولار للأونصة، معتبراً أن أي قرارات للفيدرالي الأميركي بشأن الفائدة، سواء كانت خفضاً مؤقتاً أو بداية لتيسير نقدي جديد، ستحدد مسار الذهب، لكن الاتجاه العام يبقى صعودياً، مدفوعاً بالمشتريات الضخمة والتوترات الجيوسياسية وانخفاض الثقة بالدولار.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً