الرئيس التونسي في واشنطن بحثا عن دعم إستراتيجي

_200382_8gg

يسعى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي بدأ الأربعاء زيارته الأولى إلى الولايات المتحدة الأميركية بدعوة من الرئيس باراك أوباما إلى “بناء علاقة إستراتيجية” مع واشنطن تتجاوز مجرد الدعم العسكري والاقتصادي للبلاد التي تتخبط في أزمة حادة منذ أكثر من أربع سنوات لتشمل “دعم التجربة الديمقراطية الناشئة” الأمر الذي يجعل من الزيارة “زيارة سياسية بالأساس”.

فقد اعتبر الناطق الرسمى لرئاسة الجمهورية معز السيناوى أن “زيارة قائد السبسى إلى واشنطن زيارة سياسية بالأساس” مشيرا إلى أنه “سيتم خلالها إمضاء مذكرة تفاهم متعددة المجالات تمكن من تركيز أسس الحوار الاستراتيجي بين البلدين فى المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية”، إضافة إلى أن “مكافحة الإرهاب” ستكون محورا رئيسيا في محادثات الرئيس التونسي مع المسوولين الأميركيين.

ويبدو أن البعد السياسي للزيارة لا يستحوذ على اهتمام قائد السبسي فحسب، بل يستحوذ أيضا على اهتمام باراك أوباما، حيث أصدرت السفارة الأميركية بتونس بيانا صحفيا أكدت فيه “تطلع الرئيس أوباما من خلال هذه الزيارة إلى التباحث مع الرئيس قائد السبسى حول مجموعة من القضايا المتعلقة بمزيد تعزيز الديمقراطية فى تونس”، إضافة إلى “التعاون الامنى بين البلدين والجهود التي تبذلها تونس لدفع الإصلاحات الاقتصادية الهامة إضافة إلى استعراض التطورات على الصعيد الاقليمي”.

ويقود التأكيد على البعد السياسي للزيارة إلى أن قائد السبسي أرسل رسالة مفادها أن تونس بعد ثورة يناير 2010 مازالت متمسكة بمشروعها الوطني الحداثي الذي قاده الزعيم الحبيب بورقيبة الحليف التقليدي للولايات المتحدة منذ الستينات من القرن الماضي والذي استلهم الكثير من المعاني من الثقافة السياسية الغربية وفي مقدمتها “الدولة المدنية”والحداثة الاجتماعية” “والحقوق المدنية والسياسية الفردية منها والعامة” و”حرية المرأة”.

وتؤشر الزيارة على أن قائد السبسي الذي يصفه السياسيون بأنه “بورقيبة الديمقراطي”، يسعى إلى “إعادة” تونس إلى “علاقاتها التقليدية والتاريخية” وإلى “حشد” التأييد الدولي لاستكمال المشروع الوطني الحداثي الذي قاده بورقيبة خلال الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي وهو مشروع يراهن على “اللحاق بالدول المتقدمة” سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

وكثيرا ما أكد قائد السبسي أن تونس لن تتمكن من الخروج من الأزمة التي تتخبط فيها منذ أربع سنوات ما لم تراجع سياساتها الخارجية باتجاه خدمة المصالح الوطنية الكبرى من خلال تعزيز علاقات التعاون مع البلدان الغربية.

ويقول دبلوماسيون “إن زيارة قائد السبسي للولايات المتحدة الأميركية لا يمكن اختزالها في سعي تونس إلى دعم جهودها في مكافحة الجماعات الجهادية ولا أيضا في دعم اقتصادها على الرغم من أهمية الملفين”، مشددين على أن الأهم في هذه الزيارة بعدها الإستراتيجي والمتمثل في التأكيد لواشنطن على أن تونس اليوم تعي جيدا أن مستقبلها ونجاح تجربتها الديمقراطية يرتبط شديد الارتباط بمستوى علاقتها بشركائها وحلفائها.

ويقول سياسيون أن “زيارة قائد السبسي هي رسالة مزدوجة، أولها لواشنطن بأن تونس عادت إلى فضاء علاقتها التاريخية، وأن العلمانيون هم الأكثر قدرة على قيادة التجربة الديمقراطية، وثانيها إلى الإسلاميين بأن الرهان على بعض دول الخليج هو رهان خاسر نظرا للاختلافات الجوهرية، لا فقط سياسيا واجتماعيا بل أيضا دينيا باعتبار أن تونس ترفض التيار الوهابي الذي يغذي منذ أربع سنوات الجماعات الجهادية التونسية بالفكر وبالمال وبالسلاح”.

ويبدو أن الزيارة، كما يذهب إلى ذلك كثير من المحللين، تحمل في طياتها “نوعا من التحذير المبطن” موجه إلى عدد من البلدان التي تدعم الإسلاميين من “مخاطر الحركات الإسلامية لا فقط على التجربة الديمقراطية الناشئة وإنما أساسا على مدنية الدولة ونمط المجتمع التونسي وطبيعة الثقافة السياسية اللبرالية المنفتحة على الثقافة الأوروبية راعية الحريات الشخصية”.

وإضافة إلى أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية، تؤشر زيارة السبسي إلى مراهنة تونس ما بعد ثورة يناير 2010 على حماية تجربتها الديمقراطية الناشئة والهشة من خلال دعم جهود البلاد في مكافحة المجموعات الجهادية التي باتت تمثل خطرا جديا على أمن البلاد واستقرارها كما تشمل دعم الاقتصاد المتهالك.

ولم تخف الرئاسة التونسية إن “ملفي مكافحة الجماعات المتشددة المتسلحة ودعم الاقتصاد التونسي الذي يمر بمرحلة حرجة” يتصدران المباحثات بين كل من أوباما وقائد السبسي.

وهو ما يعني أن “المباحثات ستتركز على دعم واشنطن لتونس أمنيا وعسكريا لمواجهة الجماعات المتشددة المسلحة التي قويت شوكتها خلال السنوات الأربع الماضية” ونفذت العديد من الهجمات كان آخرها الهجوم على متحف باردو وخلف 70 ضحية بين قتيل وجريح أغلبهم من السياح، من بينهم سياح فرنسيين”.

ومما يؤكد أن زيارة قائد السبسي إلى واشنطن “هي زيارة سياسية ” تتجاوز البحث حول دعم مكافحة الإرهاب وإنعاش الاقتصاد هو أن واشنطن ما انفكت خلال السنوات الأربع الماضية تؤكد من خلال تصريحات كبار المسؤولين وصناع القرار أنها تدعم المسار السياسي في تونس، ما بدا مؤشرا قويا على أن واشنطن ترى في تونس تجربة حداثية فريدة في العالم العربي، ويجب حمايتها من أي انتكاسة قد تنسف، ومن الأساس مقومات التجربة لتفتح خارطة البلاد أمام الجماعات الجهادية، فتدخل تونس في فوضى السلاح وثقافة صناعة الموت.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً