«السني» يُطالب مجلس الأمن بإصدار قرار لدعم وقف إطلاق النار

طالب مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة طاهر السني، بإصدار قرارٍ من مجلس الأمن يثبت وقف إطلاق النار، ويدعم المسار السياسي ويحاسب المعرقلين، ويدعم إجراء الانتخابات في التاريخ المحدد لها.

ورحب السني في كلمته أمام مجلس الأمن خلال جلسته المخصصة لبحث الوضع في ليبيا اليوم الخميس، بتغير مواقف عدة دول في الآونة الأخيرة ، وإظهارها حسن النية ومد يدها لجميع الليبيين بعيداً عن تأجيج الصراع أو دعمِه.

وأشاد بمواقف الدول الصديقة والشقيقة التي قدمت عدة مبادرات للمِ شملِ الليبيين، وبالأخص دول الجوار تونس والجزائر ومصر، ومن قبلِهما المغرب الشقيق، التي كانت حاضنة الاتفاق السياسي الليبي.

كما جدد مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة التأكيد على الدعم الكامل لملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس وغيرها من الحوارات، رغم وجود تحفظات من البعض.

وفيما يلي النص الكامل لكلمة المندوب الليبي:

السيد الرئيس

في البداية أود أتقدم إليكم بالتهنئة ولتونس الشقيقة على ترأسكم مجلس الأمن لهذا الشهر، كما نرحب بانضمام كينيا والهند وايرلندا والمكسيك والنرويج لهذا المجلس، كما اتقدم بالشكر للسيدة ستيفاني ويليامز على احاطتها وعملها وفريقها خلال الفترة السابقة، كما أغتنم هذه الفرصة لأُعرب عن ترحيبنا بتعيين السيد يان كيوبش مبعوثاً خاصاً للأمين العام، والسيد رايزيدون زينينغا منسقاً للبعثة الأممية لدى ليبيا، وجورجيت غانون المنسق المقيم ومنسقة الشؤون الانسانية، متمنياً لهذا الفريق التوفيق في المهام المسندة إليهم رغم كل التحديات.

السيدات والسادة

ها نحن نستقبل المبعوث السابع للأمم المتحدة لدى ليبيا خلال عشرِ سنوات، وهذا العدد إن دل على شيء انما يدلُ على أن المشكلة ليست بالضرورة في شخصِ المبعوث أو قدراتِه، إنما المشكل الحقيقي هو استمرارُ التدخلات الدولية السلبية وانقسام هذا المجلس، والتعامل مع ليبيا كساحةٍ لتصفيةِ الحسابات بالوكالة، ورغم كل ذلك فإننا نتابع التطورات الأخيرة في الحوارات المختلفة بإيجابية، والتي في نهايةِ الأمر ستظلُ الطريق الوحيد لايجاد حلولاً سلمية للأزمة الليبية بعيداً عن الاقتتال وصوت المدافع.

وفي هذا الصدد نرحب بتغير مواقف عدة دول في الآونة الأخيرة، وإظهارها حسن النية ومد يدها لجميع الليبيين بعيداً عن تأجيج الصراع أو دعمِه.

كما نودُ أن نشكر الدول الصديقة والشقيقة التي قدمت عدة مبادرات للمِ شملِ الليبيين، وبالأخص دول الجوار تونس والجزائر ومصر، ومن قبلِهما المغرب الشقيق، والتي كانت حاضنة الاتفاق السياسي الليبي ومازالت تستضيفُ العديدَ من اللقاءاتِ المختلفة.

إن هذه الجهود تطابقت مع رؤيتنا على أن الخيار السلمي هو الطريق الوحيد نحو حل الأزمة وبناء الدولة الديمقراطية المدنية التي يتطلع إليها الليبيون، ومن هذا المنطلق، وإدراكاً لهذه الغاية، رحبنا بأعمال اللجنة العسكرية المشتركة من أجل الوصول إلى وقفٍ دائم لإطلاق النار، ولكن ضمان تنفيذِ بنودِ اتفاق هذه اللجنة، يعتمد بالدرجة الأولى على تعزيزِ وبناءِ الثقة، وإظهار حسن النوايا.. هذه الثقة التي فُقدت بسبب الأحداث التي شهدتها طرابلس وضواحيها رغم كل الضمانات والوعود الدولية.

إن طلب خروج القوات الأجنبية والمرتزقة والمجموعات المسلحة بكافةِ أنواعِها والخارجين عن شرعية الدولة، هو مطلب سيادي ووطني لا غبارَ عليه، ويجب أن يكون متلازماً مع نزع أسلحتِهم، حتى لا يتحولوا إلى مصدرٍ جديدٍ للتهديد في أي مكانٍ آخر، وبالأخص في دولِ الجوار و ودول الساحل الأفريقي.. لذا هذا الطلب يجب أن يتم الالتزام به أولاً وأخيراً من قبل الدول التي اقحمت نفسها وحاولت دعم انقلاب على حكومة أنتم تعترفون بها ، وأدخلتنا هذه الدول في حروبٍ بالوكالة… كان ولايزال وقودُها شبابَنا.

إننا اليوم نسعى لمرحلةٍ جديدة مُهمة وحاسمة تتطلب من مجلسِ الأمن استثمارَها على نحوٍ يدعمُ بقوة اتفاق وقف إطلاق النار، بحيث يكون مستدام وقائم على أُسسٍ متينة، لا أن يستمر الاستفزاز بإنشاء التحصينات والخنادق وزراعة الألغام وكما نقول ”لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين“.

السيدات والسادة

نعيد التأكيد على دعمِنا لملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس وغيره من الحوارات ونتمنى لها التوفيق، ورغم وجود تحفظات من البعض ، الأهم أن يعلو صوت الحوار على صوت المدافع، ومن الضروري أن تكون جميع هذه الحوارات متكاملة وغير متضاربة أو تنافسية، و ضمان العمل على إيجاد حلول سياسية توافقية شاملة وقابلة للتطبيق، وألا تكون مبنية على مبدأ المغالبة أو الاقصاء وسوء التمثيل، وأن يتم تفادي تكرار نفس أخطاء الماضي.

إن الجميع يعلم أن الأزمة الليبية ليست مرتبطة بتغيير وتدوير الأشخاص، وليبيا أكبر من أن تُختزل في آليات اختيار للمناصب ونسب للتصويت ولقاءات افتراضية، فجميع المسارات التي نشاهدها منذ سنوات ورغم أهميتِها، يمكن أن نعتبرَها حواراتٍ هشة، لأن ما نفتقده كان ولازال أهم حوار… وهو حوار المصالحة الوطنية ، والذي من شأنِه أن يكونَ الضامن الحقيقي لاستدامة أي مخرجات، واقرار دستوراً دائماً للبلاد.

والسؤال هنا، ماهي ضمانات نجاح أي سلطة جديدة، وما الفرق بين حوار الصخيرات وحوار تونس؟ وهل تم نقاش المشاكل الجوهرية التي عرقلت الاتفاق السياسي الليبي وحكومة الوفاق الوطني؟.

إن المشكل في ليبيا ليس في تقاسم السلطة ولا من يتولى المناصب، المشكل الحقيقي أن الجراح لم تلتئم منذ 2011، لذلك الحل يجب أن يبدأ من القاعدة بتعزيز السلم الاجتماعي.

وفي هذا الصدد نعيد دعوتَنا للاتحاد الأفريقي برعايةِ مسارِ المصالحة الوطنية فوراً وألا ينتظر الإذن لذلك، لأن أفريقيا هي الوحيدة التي يمكنُ أن تقوم بهذا الدور، لما لها من تجارب سابقة ولمعرفتها بالشأن الليبي وخصوصيتِه.

السيدات والسادة

نطالب مجلس الأمن إرسال إشارة واضحة للجميع بأن أولوية أي سلطة جديدة، هي الاستجابة لما توصل إليه ملتقى الحوار السياسي، وما رحب به الشعب الليبي والمجتمع الدولي من توافق، على تحديد يوم 24 ديسمبر القادم ”وهو يوم عيد استقلال ليبيا“، موعداً لإجراء الانتخابات العامة في البلاد، انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، ليختار الشعب الليبي قياداتَهُ وممثليه بكل حرية، ويُنهي الأجسام السياسية المتراكمة والانقسام وأزمة الشرعيات، لتتوحد مؤسسات الدولة من أجل الانتقال الى مرحلة السلام و الاستقرار والإعمار.

لذا نطالبكم بأن تلتزموا بما سمعناه اليوم من كلمات، وعلى رأسها أن الحل يجب أن يكون مِلك الليبيين وبقيادة الليبيين، واثبات ذلك بالاستجابة لما تقرر في الملتقى السياسي، واصدار قرارٍ من هذا المجلس يثبت وقف اطلاق النار، ويدعم المسار السياسي ويحاسب المعرقلين، ويدعم اجراء الانتخابات في التاريخ المحدد لها، واعطاء تفويض للأمم المتحدة بدعم كامل العملية الانتخابية لضمان الشفافية والنزاهة واحترام النتائج، وحرية مشاركة جميع الليبيين في الداخل والخارج، نازحين أو مهجرين، ومحاسبة جميع المعرقلين لهذا الاستحقاق الوطني.

إن اصدار هذا القرار سيكون اثباتاً من المجتمع الدولي لحسن النوايا، وربما تكفيراً عن بعض أخطاء الماضي واستعادة قليلٍ من الثقة، ويجيب على تساؤل جُل الليبيين ”هل فعلاً هناك جدية لاجراء الانتخابات في موعدها المقرر؟ رغم هذا الصراع والجدل لاستحداث سلطة جديدة، حيث لا يفصلنا عن التاريخ المحدد إلا أشهر معدودة“.

لذا نطلب أيضاً من السيد المبعوث الخاص يان كوبيش، بوضع هذا المطلب الشعبي كأولوية أساسية عند استلام مهامِه مطلع الشهر القادم، لأنه لم يعد هناك مزيد من الوقت لاضاعته.

كما نطلب من البعثة الأممية في الملتقى القادم بجنيف تصحيح الجدول الزمني لخارطة الطريق المتفق عليها سابقاً، لأنها تتحدث عن 18 شهر كفترة ولاية السلطة الجديدة، وهذا يخالف عدد الأشهر المتبقية لنهاية هذا العام، كما نطالب بتعهد المترشحين كتابياً باجراء الانتخابات في التاريخ المقرر في 24 ديسمبر.

السيدات والسادة

كلنا نعلم أن الانتخابات وحدها لن تحل الأزمة الليبية، وانتشار السلاح والمجموعات المسلحة والتدخلات الخارجية أحد أهم العوائق للاستقرار، ولكن هي بداية وأفضل وسيلة لإرساء قواعد المسار الديمقراطي وارجاع الشرعية للشعب حتى يمكن مواجهة هذه التحديات وغيرها.

لذا ندعو اللجنة القانونية المنبثقة عن ملتقي الحوار السياسي، واللجنة الدستورية لمجلسي النواب والدولة، العمل معاً والتعجيل بالمهام المنوطة بهما لطرح خيارات القاعدة الدستورية والقوانين الانتخابية اللازمة للاتفاق عليها دون أي مماطلة.

السيدات والسادة

في حديثنا عن الوئام والمصالحة، يجب علينا دائماً أن نتذكر ملف حقوق الانسان وجرائم الحرب التي أُقترفت في كافة انحاء ليبيا.. فقد استمعتم وقرأتم عديد التقارير التي توضح بما لا يدعو للشك، حجم الانتهاكات ضد المدنيين، وعلى رأسِها المجازر الجماعية والقبور المكتشفة في ترهونة حتي اليوم. فمنذ أيامٍ فقط تم التعرف على جثامين عائلات كاملة، رجالٌ ونساء مكبلين ومعذبين ومنهم من دفنوا أحياء، فقط لأنهم رفضوا هم أو ذويهم المشاركة في العدوان على طرابلس.

أخبِروني ماذا ستقولون للطفل ”وليد“ الذي لم يتجاوز 12 عام، بعد أن خُطف وقُتل والده وأعمامه الستة حيث تم التعرف على جثثهم منذ أيام؟ ماذا ستقولون لعائلة ”هرودة“ التي تم قتل ثلاث أخوات منها انتقاماً من رجال العائلة … قتلوا ليلى وريما وحواء! وغيرهن الكثيرات.

أيها السيدات والسادة.. بالله عليكم… كيف لنا أن نطلب من عائلات هؤلاء الضحايا وغيرِهم أن يستجيبوا لنداءات الحوار والمصالحة، مادام لم يروا أي خطوات عملية نحو تحقيق العدالة؟
لقد تم إرسال عدة لجان تقصي للحقائق سواء من المحكمة الجنائية الدولية أو المنظمات الحقوقية، والتي وثقت ما حدث وتعلم من ارتكب الجرائم وأعطى الأوامر لتنفيذها، ومع ذلك لازال هذا المجلس عاجز حتى عن ادانتِهم بشكلٍ مباشر، وهناك من يطلب مزيداً من الأدلة!!
لكنني أؤكد لكم أن هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم ولن ننتظر عدالتَكم، والقضاء الوطني عاجلاً أم آجلاً سيكون كفيلاً بهم، هذا فقط اختبارٌ آخر لمدى جديتِكُم في تحقيق مبادئ حقوق الانسان التي انهالت علينا شعاراتُها.

إن التعافي من الجراح والسلام يكون بإظهار الحقيقة والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، فلا سلام دون عدالة… لا سلام دون عدالة.
السيدات والسادة

وفي موضوعٍ آخر لا يقل أهمية ، تشكل الأوضاع التي آلت إليها الأموال والأصول الليبية المجمدة بموجب قراراتِ مجلس الأمن منذ عشرِ سنوات، تشكل مصدرَ استياءٍ كبير لنا بسبب الأضرار التي لحقت بثرواتِ الليبيين، وبشكل يتناقض مع ما ورد في قرار التجميد والمفترض أن يكون للحفاظ عليها.. لقد قدمنا مراراً الأدلة على هذه الخسائر المتوالية، من خلال تقاريرِنا الوطنية أو من تقارير دولية محايدة ، وفي كل مرة نسمع الحجة تلو الأخرى لمنعنا من إدارتِها.

لذا فإننا سنقدم لكم طلباً محدداً الأيام المقبلة، لسرعة إحداث تعديلات على نظام العقوبات تمنع استمرار تآكل هذه الأموال ومعالجة ما أصابها من ضرر، وتمكين المؤسسة الليبية للاستثمار من إدارة الأموال والأصول دون رفع التجميد عنها الآن.

إننا نتطلع إلى تصحيح هذا الأمر فوراً، ونرى أن السكوت عليه لا يمكن فهمه إلا في إطار حرص بعض الدول والمؤسسات المالية على تسييس الأمر والاستفادة من هذا الوضع ونهب ثروات الليبيين.. وفي هذا الإطار فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام محاولات بعض الدول المساس بهذه الأموال، كما حدث مؤخراً من قِبل بعض مؤسسات الحكومة البلجيكية، في محاولة منها لحجز 14 مليار يورو من أموال ليبيا السيادية و وضع اليد على قرابة 50 مليون دولار كتعويضات لقضايا حكومية.. لذا نحمل هذا المجلس مسؤولية الوقوف أمام هذا الانتهاك الخطير وبشكل حازم، في حال فعلاً كان هناك حرص على حماية أموال الليبيين، كما أننا نؤكد أنه في حال استمرار هذا الأمر وعرقلة طلبنا لإدارة أموالِنا المجمدة بصفة عامة، فسنجد أنفسَنا مضطرين للجوء للقضاء الدولي لتصحيح هذا الوضع المُجحف وسنطالب بتعويض الشعب الليبي عن هذه الخسائر.

وختاماً

ندعو جميع الليبيين لتوحيد الجهود نحو انجاح المسار السلمي وطي صفحة الماضي، ونبذ العنف والصراع وخطاب الكراهية، دعنا نجتاز معاً هذه الأزمة، ولنفتخر بتاريخِنا وتنوعِنا الثقافي والاجتماعي والجغرافي، وكفانا الحديث عن شرق وغرب وجنوب، لا تؤصلوا عُرفاً قد يتحول إلى عقيدة تجاوزه قبلنا الأجداد، لا تعطوا للدخيل بذلك الفرصة لتقسيمنا وتفتيتنا وخلق الفوضى فينا، لأن ذلك هو هدفه للسيطرة والاستغلال ونهب أراضينا.

وللدول التي تتربص بنا أقول لكم ما قاله شاعرنا الليبي ”عبدالمولى البغدادي“ والذي رحل عنا مؤخراً حين قال ”من يغْرُسِ الشَّوْكَ فالأشْواكُ تَحصُده، وسوف يختنق الجاني بما غَرَسَا
ويكشفُ الله والتاريخُ من غَـدروا، ومن هو الحَمْلُ والذِّئْبُ الذي افتَرَسَا“.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً