الشدائد في الصغر، التهابات وكآبة في الكبر

على ما يبدو فإن التعرض للمصائب والضيقات في الطفولة يترك في الجسم عدواً ساكناً قد لا يظهر تأثيره إلا بعد سنوات عدّة، حيث أثبتت دراسة حديثة أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب والذين قد سبق لهم أن عانوا في طفولتهم من الشدائد فإن الاكتئاب لديهم يترافق مع استجابة التهابية مزمنة.

وضمت الدراسة مجموعة كبيرة من المراهقات في حالة صحية جيدة ولكنهن معرضات بشكل كبير للإصابة بالاكتئاب حيث تمت متابعة المشاركة لمدة سنتين ونصف، حيث خضعن لاستبيانات ومقابلات لإعطاء عينات من الدم لقياس مستويات بروتين سي التفاعلي وانترلوكين6 وهي إحدى العلامات المميزة في الدم والتي تشير إلى وجود الالتهاب.

وتثير الإصابة بالعدوى أو الرضوض استجابة التهابية في الجسم، ولكن قد ثبت علمياً أن التوترات والضغوطات النفسية الكبيرة تثير في الجسم ذات الاستجابة الالتهابية التي تثيرها الإصابات الجسدية.

ويعقب الدكتور غريغوري ميلر على الدراسة بقوله: “إن ما هو مهم فعلاً في هذه النتائج أنها تحدد المجموعة من الأشخاص الذين هم عرضة بشكل أكبر للإصابة بالاكتئاب والالتهاب في نفس الوقت.هذه المجموعة تتكون من الأشخاص التي تعرضت لتوتر نفسيّ شديد في الطفولة وغالباً ما يرتبط ذلك بالفقر أو وجود أم مصابة بمرض عضال أو الانفصال الدائم عن العائلة. ونتيجة لذلك، فإن هؤلاء الأشخاص يعانون من اكتئاب صعب على العلاج”.

وأظهرت النتائج ألتي نشرت في مجلة علم النفس البيلوجي أن المراهقات اللواتي عانين الشدائد في الطفولة المبكرة ترافقت إصابتهن بالاكتئاب باستجابة إلتهابية، وارتفاع في مستويات الانترلوكين 6 حتى بعد ستة أشهر من الإصابة بالاكتئاب. بينما لم تعان المراهقات اللواتي كانت طفولتهن طبيعية من أي اقتران بين الاكتئاب والالتهاب.

وإن الملفت للنظر حقا ان الاستجابة الالتهابية تستمر خلال ستة أشهر لاحقة حتى لو خفت حدّة الاكتئاب وهذا يدل أن الالتهاب من النوع المزمن وليس من النوع الحاد.

ويوضح الدكتور غريغوري ميلر أهمية تلك النتائج سريرياً بقوله: “لأن الالتهاب المزمن يسبب الإصابة بمشاكل صحية أخرى مثل السكري وأمراض القلب، فإن هذا يعني أن الناس المصابين بالاكتئاب والذين عانوا من الشدائد في طفولتهم لديهم خطر أكبر للإصابة بتلك الأمراض. ولذلك فعلى هؤلاء الأشخاص برفقة أطبائهم أن يبقوا حذرين في تقصي ومتابعة أعراض تلك الحالات المرضية”.

ولا زال هناك حاجة ملحّة إلى مزيد من الأبحاث لمعرفة صحة هذه النتائج في مراحل عمرية أخرى غير سن المراهقة وكذلك دراسة حالات أشد من الاكتئاب.

وهذه النتائج قد تفسر ما وصلت إليه دراسة سابقة لباحثين نشرت هذا العام عن وجود ارتباط بين حرمان الطفل من أبويه وبين خطر إصابته بارتفاع الضغط الشرياني وأمراض القلب حينما يكبر، حتّى لو كانت فترة هذا الحرمان لم تتجاوز العام الواحد. فعلى ما يبدو فإن الاستجابة الالتهابية قد تكون السبب الكامن وراء ذلك.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً