الطريق نحو الدستور الحوار الوطني، ثم الصياغة، ثم الاستفتاء

الطريق نحو الدستور الحوار الوطني، ثم الصياغة، ثم الاستفتاء

أولاً – الحوار الوطني:

نحسب أنه لا يختلف اثنان على أن صياغة الدستور هي مرحلة ينبغي أن تكون تالية لمرحلة أولى تسبقها وتمهد لها، ولا معنى لوجود التالية بدون الأولى. وذلك أن الصياغة في حد ذاتها تفترض وجود شيء يراد أن يصب في قالب لغوي يعبر عنه وينقله إلى الآخرين، ومن ثم فإن المرحلة الأولى، أو الخطوة الأولى في الطريق نحو الدستور، يجب أن تكون الاتفاق على المضمون الذي يراد أن تعبر عنه الصياغة وتنقله. ونقصد بهذا المضمون المبادئ الأساسية، والخيارات السياسية، والتوجهات الفكرية والاجتماعية التي يتفق الليبيون جميعاً على اعتمادها أسساً لبنيان دولتهم التي يريدون أن يؤسسوها.

ولا شك أن التوافق حول تفاصيل هذا المضمون هي المسألة الأخطر والأصعب والأولى بالعناية والتقديم. ومن ثم يتحتم علينا أن نضعها في مقدمة القضايا التي نعكف على مناقشتها والحوار حولها، حوارا علمياً موسعاً، حتى تتبين لنا ملامح تلك الخيارات والتوجهات التي تميل إليها غالبية معتبرة من المواطنين، تكون كفيلة على نحو ما بتغليب احتمال أن تحظى بتأييد أغلبية الناخبين حين تعرض عليهم ضمن صياغة الدستور الذي سوف ينادون للاستفتاء عليه بالموافقة أو الرفض.

هذه المرحلة الأولى هي ما نسميه (مرحلة الحوار الوطني)، ونقترح أن تكون في صلب المهام التي سوف تكلف بها لجنة إعداد الدستور، وأن توضع في الاعتبار عند اتخاذ القرار بشأن تشكيل هذه اللجنة من حيث عدد أعضائها ونوعهم، بمعنى أن يؤخذ في الاعتبار اختيار قسم من أعضاء هذه اللجنة من أولئك الذين يرجح أنهم الأقدر على إدارة عملية الحوار الوطني الشامل حول الدستور، وتكون مهمتهم داخل اللجنة ما يلي:

1- إدارة عملية وطنية شاملة للتوعية بالمفردات السياسية المتصلة بالخيارات المدنية والدستورية التي سوف يدعى المواطنون لتحديد مواقفهم منها، وللحوار الحر حول هذه الخيارات بين مختلف الآراء والتوجهات والتيارات الفكرية والسياسية. ونرى أن هذا الحراك ضروري وحيوي للرفع من مستوى التهيؤ الفكري والنفسي لدى المواطن، قبل دعوته لإبداء رأيه في صندوق الاقتراع.

2-  تحديد الخطط والآليات التي يدار من خلال الحوار الوطني، ومنها- على سبيل المثال-:

‌أ-  المطبوعات التي تقدم للمواطن العادي معلومات أساسية حول المفاهيم والمصطلحات التي سوف يتم تداولها في الحوار. ونرى أن تصاغ هذه المطبوعات في لغة بسيطة سهلة، ومدعمة بالرسوم والأشكال التوضيحية، والأمثلة العملية..إلخ، وتوزع مجاناً على أوسع نطاق ممكن.

‌ب- المحاضرات والندوات وحلقات البحث والحوار: ونرى أن تشكل اللجنة من بين أعضائها أو من غيرهم من المختصين فرق عمل، تتحرك حسب خطة مدروسة بحيث تصل إلى التجمعات السكانية حيث هي، ومهما كان حجمها.

‌ج- المادة الإعلامية الموجهة لتوعية المواطنين ببعض المفاهيم والخطوات التي سوف يدعون للمرور بها عند الاستفتاء: مسموعة ومرئية.

‌د-  جلسات الحوار المسجلة، التي تتناول مختلف القضايا المطروحة، وتعمم على مختلف التجمعات السكانية، والشرائح المهنية، لعرضها على الجمهور.

ثانياً – الصياغة:

تواكب عملية الحوار الوطني عملية الصياغة، وفيها تعكف لجنة الصياغة على وضع المضامين والمعاني والمبادئ التي تشير مخرجات عملية الحوار الوطني على توافق غالبية معتبرة من المواطنين حولها في صياغة لغوية وقانونية، حسب المتعارف عليه في صياغة الدساتير. وحيث إن جزءاً كبيراً من مواد الدستور يفترض مسبقاً أنه لن يكون موضع جدال أو اختلاف كبير بين المواطنين، فربما تتمكن لجنة الصياغة، كسباً للوقت، من الشروع فوراً في صياغة مواد هذا الجزء، قبل أن تبدأ في استلام نتائج اللجنة المكلفة بإدارة الحوار الوطني كي تشرع في صياغة المواد المعتمدة اعتماداً أساسياً على مخرجات ذلك الحوار ونتائجه.

وفي هذه المرحلة، نرى أنه قد يكون من المفيد، تحقيقاً لأكبر قدر من الشفافية والتواصل مع المواطنين، البدء في طرح مشاريع صياغة أولية على الناس كي تطلع عليها، وتشرع في إبداء وجهات النظر والملاحظات حولها، وإيجاد آلية مناسبة لاستقبال ملاحظات الناس وآرائهم عبر وسائل الاتصال الإلكترونية والإذاعية وغيرها.

وقبل موعد الاستفتاء على الدستور بوقت كاف، تطرح الصياغة النهائية على الجمهور مطبوعة في شكل مناسب، وتوزع على أوسع نطاق ممكن، بحيث نضمن وصولها إلى كل المواطنين، في كل بقعة من بقاع الوطن، وحيثما يوجد ناخبون سوف يدعون للمشاركة في الاستفتاء.

ثالثاً – الاستفتاء:

وبالطبع سوف تأتي مرحلة الاستفتاء على الدستور تتويجاً طبيعياً وسلساً لما تسفر عنه المرحلتان الأوليان، وإن كان علينا أن نحسم قضية في هذا الخصوص بالغة الأهمية هي: هل الاستفتاء على الدستور جملة واحدة، بـ (نعم) أو (لا)، أم الاستفتاء عليه مجزأً، أي على كل مادة من مواده على حدة؟

وإني أرى أن تبنينا لفكرة الحوار الوطني قبل صياغة الدستور يمكن أن يكون حلاً أو إجابة عن هذا التساؤل، فإذا ما تمت عملية الحوار الوطني كما أتصورها، أي وفق خطة علمية منهجية، تتبنى وتستخدم آليات استطلاع الرأي المعتمدة المعروفة، فلعلنا نتمكن من خلال مثل هذه الاستطلاعات أن نتحسس توجهات الغالبية من المواطنين في القضايا التي ستكون موضع اختلافات في وجهات النظر، فنضع في صياغة الدستور الخيار الذي تتجه إليه هذه الغالبية، معتمدين على ترجيح أن هذه الغالبية سوف تتجه لاعتماد الدستور والتصويت عليه بالموافقة.

وسوف تسهم عملية الحوار الوطني في توضيح الصورة وبلورة الرؤى حول هذه الخيارات وإنضاجها، بحيث نصل في النهاية إلى الصياغة التي يغلب على الحسابات والترجيحات أنها سوف تحظى بموافقة الأغلبية.

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً