الفيدرالية وما أدراك ما الفيدرالية..

الفيدرالية وما أدراك ما الفيدرالية..

يا شعبي إن كنت تُدرك..

ويوم ستندم حينما لا ينفع الندم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كانت فيدرالية مقيتة في بداية الإستقلال، رفضها شعبنا العظيم منذ اليوم الأول..  شاهدوا الجماهير الغفيرة في العاصمة الأبدية لليبيا طرابلس عروس البحر.. لقد جاءوا من كافة ربوع الوطن ليعلنوها بصوت عال ” فلتسقط الفيدرالية”.. وخرجت المظاهرات في المدن الليبية الأخرى، وانتصر شعبنا فتوحدت ليبيا بفضل أبنائها.

فما هذا التناقض الآن لننادي بها من جديد بعد أكثر من نصف قرن؟ هل هي بادرة للعودة إلى الخلف والتخلف والوقوع في الفخ من جديد؟!!

هل هو عامل التقليد الأعمى؟ وتقليد من؟ تقليد تلك الدول المتطورة .. المستقرة سياسياً واقتصاديا.. وتتمتع بجيوش جرارة تدعمها الآلة العسكرية المتطورة لحمايتها من أية مخاطر..؟

فماذا نملك نحن لنحمي الوطن من الفرقة والزعزعة .. وهل تنقصنا زعزعة بعد ما خلفه لنا الطاغية وأزلامه من فوضى وتناقضات وعداوات بين أبناء الوطن الواحد؟

هذه هي مصيبة ليبيا عبر التاريخ.. عشوائية ولا شيء غير العشوائية.. تربينا عليها وأصبحت جزءاً من حياتنا وحتى أنها أصبحت جزءاً من تراثنا..

لا أحد يتقيد بالقوانين .. لا أحد يستشير أحد..

كلنا نعرف كل شيء.. وسننقذ الوطن حتماً من براثن الإجحاف والتهميش الخ..

قرارات ارتجالية.. لا دراسة .. ولا نظام.. ولا هم يحزنون..

مع احترامي للمناضل الكبير السيد الزبير السنوسي، وأنا من المتعاطفين معه لماعاناه في محنته في السجن وحيداً فريداً .. كما اتعاطف مع الكثير من الليبيين الذين عانوا بشكل أو بآخر، والكثير من الليبيين الذين فقدوا (غوالي) عليهم لا يعوضون بمال قارون.. وحياتهم تغيرت إلى الأبد ..إلى الأسوأ طبعاً، وبالنسبة لهم تعتبر الحياة أسوأ من الموت، فكفة الموت تثقل أحيانا عندهم حسرة على الأحبة الذين فقدوهم بدون ذنب إلا أنهم كانوا وطنيين يغيرون على الوطن ..

وبالطبع ليس المناضل الكبير السيد الزبير السنوسي هو وحده من اتخذ قرار اعتماد الفيدرالية في برقة.. بل معه أشخاص سمعنا بأنهم كانوا من أكبر المستفيدين من الطاغية.. والله يعلم..

 ولكن..

لماذا الفيدرالية بالذات من بين كافة أنظمة الحكم الأخرى الناجحة في العالم؟!!

ولماذا في هذا الوقت بالذات يا سبحان الله؟!!

المجلس الوطني قاد السفينة وكاد أن يصل بها إلى بر الأمان .. وتلقى الضربات والركلات من هنا وهناك في شكل انتقادات.. وحتى الضرب..

وطبعاً المتفرج على مباراة كرة القدم دائماً يفهم أكثر من اللاعبين.. ولكن في الحقيقة الفرق شتان..

وصحيح أنه كانت هناك أخطاء ارتكبها المجلس الوطني .. وسبحانه من لا يخطأ.. فهو العزيز القادر الجبار الذي وحده لا يخطأ..

لم يفكر أحد بأن المجلس الوطني هم مجموعة من الوطنيين الذين وضعوا حياتهم على كف عفريت في ساحة الوغى .. أيام كان كل شيء جائز.. الموت (ايفنص فيك) باستمرار حتى عندما تنام..

لم يفكر أحد بأن المجلس الوطني هم مجموعة ليس من الضروري أن يكونوا من المتخصصين الذين يمكنهم حل مشاكل ليبيا في رمشة عين.. فهم قالوها على الملأ: يا جماعة نحن هنا فقط في مرحلة انتقالية وسنسلم الحكم لمن هو متمكن فيما بعد.. ولن ننتخب في المستقبل، وها نحن سمينا مجلسنا (المجلس الوطني الانتقالي) لنؤكد للجميع أننا أعضاء في مجلس انتقالي.. ليس إلاّ..

لم يدّعو بأنهم عباقرة وأنهم يملكون العصا السحرية لحل مشاكل ليبيا المعقدة بفعل شيطان رجيم..

فلماذا تعرقلون مسيرتهم الآن.. ونحن انتظرنا 42 عاماً نعاني من (جثّامة) فوق صدورنا تخنق انفاسنا ليلاً نهاراً..

لماذا لا ننتظر (شهرين) .. فقط ..

لماذا الفيدرالية الآن يا صبّار القلوب؟

والله نبو الفيدرالية لأن برقة مهمشة..

ومن الذي قال أنها لم تهمش؟!

وهل يعني ذلك أن طرابلس ليست مهمشة .. ومصراتة ليست مهمشة.. وسبها ليست مهمشة.. وجبل نفوسة ليس مهمشاً.. بعد أن كان إخواننا في جبل نفوسة على وشك أن يُبيدوا عن بكرة أبيهم.. ؟؟

يا ليتها كانت فقط مهمشة.. فالعملية كانت أكبر من ذلك.. وأرجو أن تعفوني هنا من الإجابة والشرح، فكلكم تعرفون مخطط الإبادة وأطفال الأيدز.. وأبو سليم.. واغتيال المعارضين الخ…

وربما لا تعرفون أن التهميش لم يكن محلياً فقط.. بل كانت ليبيا كلها مهمشة بالنسبة للعالم الخارجي.. فقد قفل الطاغية الباب خلفه على ليبيا.. وأجرى اتفاقيات لا يعلم بها إلا المولى سبحانه وتعالى للإستفراد بالشعب الليبي ليفعل ما يشاء .. وأزلامه يولغون أو يلغون في دماء الليبيين الطاهرة..

يعني إنسان مريض أو بالأحرى شيطان مريض ولا كل الشياطين.. حتى أن لساني يكاد أن ينطق بـ (حاشى الشيطان منه).. إلا أنه لعنة الله عليه وعلى الشيطان معاً..

ليبيا كانت ممنوعة حتى في الأخبار الجوية.. في قنوات التلفزيون..هل لا حظتم ذلك مثلي؟

إذا.. المشكلة ليست بالجديدة.. أقصد عملية التهميش.. وإذا قمت بالمناداة لفدرلة برقة أو الجنوب أو الغرب خلال عهد الطاغية لقلنا يا سلاااااااام.. ممتاز ورائع وهذا هو ما نحتاج إليه.. يعني أيها الطاغية لقد فضلت إقليماً على إقليم آخر وعليه نحن نطالب بالفيدرالية لنأخذ حقنا غصباً عنك..

إلاّ أن هذا لم يحدث طبعاً لأن النتيجة كانت محتومة..

ولكن أن نطالب الآن بشيء مسبباته أنتهت .. فالمقبور تحت الأرض .. ولن يستطيع أن يسيء إلى الشعب الليبي أكثر مما أساء إليه في الماضي..ولن ينتمكن من تهميش أية منطقة في ليبيا.. فعملية التهميش انتهت إلى الأبد، وعليه فإن المطالبة بشيء أنتهت مسبباته أعتبره أمر عجيب وغريب.. ومثير للتساؤل وعلامات التعجب بالحرف الكبير والبنط الأسود..

وعليه:

الفيدرالية تصلح ربما لدول تثقفت شعوبها وتنعمت بالحرية والديمقراطية لعقود من الزمن إن لم نقل قرونا من الزمن..

الفيدرالية تصلح لدول مستقرة سياسياً ولا توجد فروقات ديموغرافية في توزيع السكان مثل ديموغرافية ليبيا شاسعة المساحة قليلة السكان..

الفيدرالية لا تصلح لشعب قِبلي مثل ليبيا التي غذى الطاغية فيها روح القبيلة ليحكم ليبيا بضرب قبيلة ضد قبيلة.. وكلكم تعرفون الأحداث التي مرت بها ثورة السابع عشر من فبراير المجيدة..

الفيدرالية تعني قوانين داخلية لكل إقليم، فإذا لم نتمكن حتى من وضع قانون واحد للدولة فكيف يمكننا وضع قوانين لكل إقليم..

ومن هو ذا الذي سيخطط ويضع هذا القانون ليصبح قانوناً ينفذ بدون الإضرار بمصالح الدولة ككل..؟؟

ولماذا تحتاج أنت إلى ميزات لا ترضاها لأخيك في الغرب أو الجنوب أو الشرق؟

ولماذا أنت تختلف عن أخيك في تلك المنطقة..

هل نسيت أن الشعب الليبي له أقارب وأصهار في أغلب المدن والبلدات والقرى الليبية؟

هل تعلم بأن تلك القوانين ستمنع هذا القريب من الالتحام معك.. وذاك البعيد من التقارب معك؟؟

هل تعلم بأن الفيدرالية ستخلق حروباً بين الأقاليم ليس للفروقات الجهوية فقط.. بل حروبا على الميزانيات والميزات الخاصة التي سيتمتع بها إقليم عن غيره من الأقاليم ..

هل تعلم بأن الفيدرالية ستكون لها ردود فعل سيئة لا يعلم بها إلا الله لأنها ليست لنا..

الفيدرالية لا تصلح لليبيا التي عانت خلال 100 عام بالتمام والكمال من العدم .. العدم في الحرية والديمقراطية والرفاهية والعدم حتى من التنعم بخيرات الوطن.. اللهم إلاّ من ثمانية عشرة عاماً كانت البلاد تمر فيها بمرحلة بناء واستقرار بعد الاستقلال .. ولكن لم تدم طويلاً..

لم تدم للأسف لأن أبنائها يحبون التقليد.. التقليد العشوائي.. تقليد الجيران والشعوب الأخرى بدون مراعاة لظروفنا الداخلية .. وبدون مراعاة لتاريخنا وجغرافيتنا.. وبدون دراسة..

لماذا؟

لأنه بيننا الكثير من الإنتهازيين واللصوص وأبناء الحرام الذين لا يهمهم إلا بطونهم.. فليبيا بالنسبة لهم ما هي إلا بقرة حلوب .. وانسى حاجة إسمها “الوطنية” فهذه في عقول المهابيل مثلي ومثلك فقط..

سنقبل بالفيدرالية بين تونس وليبيا ومصر.. عندما نتوحد يوما ما في شكل فيدرالية.. ولكن ليس بين مناطق البلد الواحد الذي لا توجد فروقات تذكر بين أطيافه..

عموماً، نحن الآن نمر بمرحلة حسّاسة جداً.. مرحلة مثل التي يمر بها المريض في غرفة الإنعاش، يعني Touch and go، نحن نمر بعملية تصحيح المسار واصلاح ما أفسده “المُخرِّب الكبير” .. وكل شيء (جايز) الآن.. فالانفصال ممكن.. والمعارك الطاحنة بين الانتهازيين والمتمرسين خلف الكلاشنيكوفات ممكنة..

ودخول المندسين من أزلام الطاغية في صفوف الثوار و(التخريب عليهم) ممكن..

سرقة الأموال ممكنة وفعلاً صارت..

وكبرى المشاكل هي امكانية اللعب بأحاسيس الشعب الليبي و(إبكائهم) لما عانوه من تهميش في عهد الطاغية.. وتشجعيهم على الدخول في فدراليات.. والمواطن الليبي المسكين البسيط لا يهمه كل ذلك..

ؤ يعني ناقصنا بكاء يا شفاعة يا رسول الله؟!!

الليبي الآن لا يهمه إلا العيش في هناء ورخاء بعد عذاب طاله وطال أبنائه وأبيه وأمه وجده وجدته و.. و.. و..

لقد ملّ وزهقت روحه من التجارب والعشوائيات والسرقات والضحك عليه واللعب بمشاعره وأحاسيسه..

يا ناس .. يا هوه.. خافوا الله..

الليبي بطبعه حسّاس وعاطفي .. ربما من مكونات في الفلفل أو الشرمولة .. ربك يعلم.. ولكن الليبي معروف بعاطفيته.. وطيبته..

لقد لعبوا بأحاسيس وعواطف الشعب الليبي في عام 1969 الأسود في تاريخ الليبيين، حيث استغلوا الأحداث وخرجوا علينا بمقولة (حرية.. اشتراكية.. وحدة) فخرجنا عن بكرة أبينا مؤيدين ولم نكن نعرف إلى أين نسير.. ودخلنا في الفخ أو (منداف الطاغية) لنبقى مكبلين بين كلاليبه 42 عاماً عجافاً.. تركت جروحاً غائرة في نفوسنا وأجساد ثوارنا.. وسنحتاج إلى 20 عاماً من الآن لتصحيح المسيرة وتعديل حياة المواطن الليبي المسكين.. وبناء ليبيا كدولة ولا كل الدول بإذن الله.. والأيام بيننا يا أعداء الشعب الليبي..

عموماً هل تحققت (الحرية.. والإشتراكية.. والوحدة)؟ وهل تحقق أي جزء منها (حتى..)؟

كلاً .. طبعاً..

هذه هي أسباب التقليد العمياء.. بدون دراسة من قبل المختصين المتخصصين الذين خبروا هذه الأمور ودرسوها وأجادوها..

هل إخوتنا الذين نادوا بالفيدرالية درسوا هذا الأمر؟ .. هل فكروا يوماً ما.. بما سيحل بالوطن على المدى الطويل؟

هل فكروا بأن هناك من يتربص بنا ولا يريد لنا إلاّ الإنقسام ليستحوذ على خيراتنا؟

هل فكروا بأن الطاغية خلق مشاكلاً لا تعد ولا تحصى بين والمدن والبلدات والقبائل الليبية ..؟

هل يتمتعون بالقوة لردع أي انفصاليين في الوطن ..إذا صار ما صار.. أم أنهم لم يفكروا في ذلك.. أم أن بينهم من يريد ذلك فعلاً وهذا هو قصده الدفين الخفي بين شعارات التخلص من التهميش؟

هل سيرضى المناضل الكبير الزبير السنوسي بحدوث انفصال في ليبيا؟ هل يسمح له عقله بأن يضيع نضاله هباءاً منثوراً؟

أنا لا أتهم أحد هنا.. ولكنني استغرب الأمر وفي هذا الوقت بالذات.. (تي غير خلّوه يولد وايسمّوه بس).. لماذا كل هذا الاستعجال؟ وهل هذا هو الوقت المناسب؟

هل فكر أي شخص ينادي بالفيدرالية بأن التهميش كان فقط في عهد الاستعمار الإيطالي وعهد إستعمار الطاغية للشعب الليبي؟

إذاً لماذا ننادي بالفيدرالية لأن برقة مهمشة؟

هل هذا يعني إلغاء انتصارات ثورة السابع عشر من فبراير المجيدة؟

لا سمح الله طبعاً فالمجد والخلود لشهدائنا والعزة لثوارنا الأشاوس..

يا أيها المنادي بالفيدرالية .. أصبر فالصبر مفتاح الفرج..

أرجو أن تتخلى عن فكرة الفيدرالية فهي لن تر النور .. ستنتهي في مهدها.. وما عليكم إلا مراجعة الأحداث الأخيرة والمظاهرات التي تُندد بالفيدرالية..

وسيقول قائل: إذا لماذا تطالب بأن يتخلوا عنها إذا كانت حتما ستفشل في مهدها؟

أقول: لأنها تخلق مشاكل وازعاج ليس إلاّ.. ولن يوافق عليها الشعب الليبي.. والأيام بيننا ـ أقولها مرة أخرى ـ

هناك ما يزعجك ولكن لا يؤثر فيك..

وأخيراً ولأنني على دراية واسعة ولله الحمد بتاريخ ليبيا فإنني اشعر وكأن الشعب الليبي في حفلة ملاكمة

فكلما وقف الشعب الليبي بعد لكمة أوقعته طريحاً .. وجد نفسه في نهاية الجولة يُسعف ويفيق من غيبوبته.. ليبدأ جولة جديدة ويطرح أرضاً من جديد .. وهكذا..

ولكن.. هل سننتصر في نهاية المباراة على خصمنا الكبير (العشوائية..) ولو بالنقاط؟

ليس بالنقاط.. بل ستكون بالضربة القاضية ..

ولك الله يا ليبيا..

مع أطيب تحياتي،،

يونس الهمالي بنينه

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً