الملتقى الثقافي العربي في بريطانيا وجمعية الجالية الليبية بمدينة لندن

الملتقى الثقافي العربي في بريطانيا وجمعية الجالية الليبية بمدينة لندن

(الكاتب محمد مشارقة، د. رمضان بن زير)

ضمن النشاط الثقافي لجمعية الجالية الليبية بمدينة لندن الكبرى والملتقى الثقافي العربي البريطاني، تمت الدعوة لأمسية ثقافية وذلك في السابع والعشرين من نيسان/أبريل 2012م. وتضمنت محاضرة للكاتب الصحفي محمد مشارقة، بعنوان “الثورة الليبية بعيون عربية” تلاها حوار حول مضمون الندوة بمشاركة نخبة من المثقفين العرب في بريطانيا.

قدم للندوة وأشرف على إدارة الحوار رئيس الملتقى الثقافي العربي في بريطانيا الدكتور رمضان بن زير، الذي أشار في المقدمة للدور السلبي لعدد غير قليل من كتاب الأعمدة بما يسمى بالصحف القومية والتقدمية، أولئك الذين يتحاملون على الثورة والثوار في ليبيا، ويجترون عبارات مكرورة بقصد الإساءة لما أنجزه الشعب الليبي، فتجدهم تارة ينسبون الثورة لتنظيم القاعدة أو ينعتون طلائع الشعب الليبي بـ”ثوار الناتو” بغية التقليل من دورهم وتشويه الثورة الناجزة. كما أشاع بعضهم أكاذيب من قبيل أن أكثر من 12000 جندي أمريكي يستعدون لدخول البلاد للسيطرة على آبار البترول دون ان يقدموا أي دليل على صدق ما يدعون. تناسى هؤلاء طبيعة الشعب الليبي النضالية، الذي ضحى بأكثر من نصف سكانه في حرب التحرير ضد المحتل الايطالي ولم يبخل بسكب دمائه الطاهرة في 17 فبراير. كما فند الدكتور بن زير أسباب اعتبار الثورة الليبية أنها مثالا يحتذى به على الصعيد العالمي وليس العربي فحسب، لما فيها من دروس وعبر، ثورة خالصة ضد الطغيان فجرها عشاق الحرية وشهد لهم البعيد قبل القريب. وقال ان الثورة الليبية تتخذ موقعها في صدارة الثورات التي شهدها التاريخ الحديث، ولن يتم التفريط بالثورة أو أن تسرق أو تختطف، كما يسوق بعض المغرضون ولا يمكن تحويل ليبيا من حكم شمولي أسروي بدائي إلى نظام ثيوقراطي يعود بها الى ربقة استبداد جديد بثوب جديد.

أشاد الكاتب الصحفي مشارقة في مستهل محاضرته بالشعب والثورة وقال “إن الحراك الديمقراطي الذي يجري بليبيا الشقيقة يدل على ثقافة ليبية راقية تسعى بكل ثقة وسرعة نحو بناء دولة ديمقراطية مؤسسات يحكمها القانون، رغم أنها لم ترث من النظام السابق أية مؤسسات، حيث كان الرئيس يختصر الدولة والمجتمع في شخصه المفرد حيث تماهى الوطن بشخص الدكتاتور ولم يكن للمواطن الليبي أي دور في الدولة.

واعتبر الكاتب مشارقة أن سقوط طرابلس، كان تتويجا لتحرير ليبيا بأياد ليبية، ولم تتحقق نبؤة بعض الأجهزة الأمنية التي أدعت معرفتها بالشأن العسكري، وقالت أن طرابلس حصينة وسيطول حصارها، وأن مستنقعا دمويا مروعا سيغرق ليبيا. وأكد مشارقة أن تحرير طرابلس لم يتوافق مع توقعات المراقبين وتم بأيد ليبية صرفة، وبأقل تكلفة من الخسائر البشرية مما كان متوقعا.

أثنى الكاتب –وهو العلماني التوجه – على دور الإسلاميين، منوها لدور بلحاج المنضبط، منوها أن ذلك دليل على أنه لا خوف على مستقبل ليبيا من تغول الإسلاميين كما يحلو للبعض القول. ويبرهن الليبيون أنهم جديرون بالتعددية. أما وهي بلد المليون حافظ، والمذهب الواحد، لابد وان يكون للون الإسلامي فيها حضورا مميزا، لكنه لا ينفي الآخر، وطبيعة الشعب الليبي لن تجعل السفينة الليبية تنحو نحو التطرف والغلو، وتباشير الدولة المدنية بدأت تلوح في الأفق.

وأشار لتقصير التيارات القومية واليسارية في محاورة الإسلاميين، حيث ابتعد خطاب الإسلاميين عن الغيبيات وصار يطرق باب الحكم بجدارة، معتبرا أن ثورة ليبيا أفرزت بوضوح ملامح الإسلام المعتدل الوسط، سيما وأن الثورة الليبية بدأت في بناء ليبيا من الصفر، خلافا لما هو قائم في دول أخرى ترمم وتعيد بناء مؤسسات ولا تخلقها للتو. إن الاقتصاد الليبي وحامله الأساسي الريع النفطي سيساهم مساهمة فعالة في علاج مشاكل الدولة الحديثة، وأشار للدخل النفطي الذي حققته ليبيا في الربع الأول من العام الحالي والذي قدر باثني عشر مليار دولار، كمؤشر لنجاح باهر للثورة الليبية التي استطاعت أن تحقق هذا المردود الاقتصادي بفترة قياسية وجيزة أعقبت شهور القتال وكنس فلول وذيول النظام البائد.

ابدى استغرابه من موقف بعض اليساريين والقوميين العرب من الثورة الليبية، حين استعجلوا ربطها بنظرية المؤامرة دون تدقيق، كما لو كانت ضد التوجهات القومية للشعوب العربية، ومؤتمر اليساريين العرب الأخير في اليونان خير مثال على ذلك.وذكّر الحاضرين بان العالم تحكمه المصالح، وان هناك تغيرات تحصل في المنطقة ساعدت على نجاح هذه الثورات. لم يتردد في الجزم أن الوضع الجديد لن يقبل العودة للوراء، كما لا يسمح بصنع دكتاتور جديد، وهذا مرد التفاؤل بمستقبل الثورات العربية عموما والليبية خصوصا.

***

لفتت المواضيع المطروحة انتباه العديد من المثقفين والأكاديميين العرب وساهم كتاب بعضهم في إغنائها وبلورتها من خلال المداخلات والتعقيب، كذلك كان الأستاذ الدكتور عبد الله الموسوي عضو الملتقى الثقافي العربي، الذي رأى أن زيادة التفاؤل بما جرى ويجري في ليبيا هو من قبيل الطفو على سطح الأحداث، مشيرا أنه لا يمكن تجاهل حقائق تحدث على الساحة الليبية المتمثلة بصراعات وخلافات بدأت تظهر للتو كالانتقادات الموجهة للحكومة وللمجلس، والدعوة للفيدرالية التي تعتبر مؤشر لبداية تقسيم ليبيا. وفي رده رأى مشارقة أن التفاعلات التي تظهر على الساحة الليبية اليوم هو ما كان ينقصها بالأمس، وهو ظاهرة صحية، مثمنا نقد أداء مؤسسات الدولة، ولا تقلل من مستوى التفاؤل في مسار الثورة الليبية، واعتبر أن القلة التي تحدثت عن الفيدرالية هم مواطنين لهم حق الرأي وتم الرد عليهم بالحوار وهذا هو الأهم.

بدوره أشاد الإعلامي علي الحاج حسين بالثورة الليبية، ونتائجها التي لا تقبل التقهقر، والتي هي بمثابة كناية عن ثورات الربيع العربي التي لابد وأن تزهر في صالح الشعوب ضد الاستبداد، وأن الشعب الليبي العظيم أعاد كتابة تاريخه بأنصع الأشكال وأوضحها، معتبرا أن وصول الثورة لغاياتها يتماشى مع النواميس الطبيعية والسيرورة التاريخية الحتمية. ثم تساءل عن دور الحكومات في صبغ الثورات بالدم في الدول العربية، رغم أنها نسخ كربونية رديئة عن الأنظمة الشمولية في الكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، والتي جرى فيها تغيير مماثل، إلا انه لم يكن دموي كالذي يحصل في منطقتنا، بل وساهم الشيوعيون أنفسهم بقيادة وإدارة عملية الانتقال من الشمولية للتعددية. ورجح مشارقة سبب دموية التغيير في الدول العربية لطبيعة الحكم الذي تميزه الطبيعة الأسروية، القبلية، أو الولاءات الطائفية.وهذا لا وجود له في دول أوربا الشيوعية آنذاك.

أما الدكتور محمد عبود عضو المجلس الاستشاري لجمعية الجالية، شاطر المحاضر الرأي بما يخص التفاؤل المبني على دقة في المتابعة والقراءة للشأن الليبي، وصحح ما رأه مختلفا بشأن دور الإسلاميين بتحرير طرابلس. مذكرا بالإنزال البحري لقوات مصراته في منطقة تاجورا يوم 19 أغسطس، اي قبل يوم من دخول الثوار لمدينة طرابلس، وكذلك التحضيرات والاستعدادات التي تمت في جبل نفوسة التي والالتحام مع قوات الزاوية وصولا لمحاصرة مدينة طرابلس من الشرق ومن الغرب ومن ثم اقتحامها وتحريرها.

أشاد المحامي نوح عبد الصمد عضو الملتقى بتضحية الشعب الليبي الذي قدم مثلا يحتذى به من اجل الحرية التي نالها وأصبح يتمتع بها ويمارسها الآن، ورأى أن المطالبة بالفيدرالية ليس عيبا ولا يقلل من حجم وقيمة التجربة الليبية، مشيرا لعدد من الدول ذات النظام الفيدرالي كبريطانيا وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية، إلا انه قرن استحقاقه بالمطالبة به شعبيا.

كما تحدث الدكتور شعبان السويسي عن الخلط بين استحقاقات الإسلاميين للحكم بحجة أنها القوة السياسية الوحيدة التي لم تنل نصيبها في الحكم وبين اتهام القوميين واليساريين بالفشل في تجارب الحكم، وذهب الى ان القوميين لم يسبق لهم ان حكموا في البلاد العربية، وان أنظمة الحكم وان نسبت نفسها لهؤلاء الا انها في الحقيقة لا تمثلهم إطلاقا.

وبدوره لم يخف الدكتور احمد معيوف رئيس اللجنة التنفيذية لجمعية الجالية تفاؤله بما آلت إليه الثورة الليبية ومستقبلها، وعبر عن اعتقاده بان الصراع الدائر الآن في ليبيا هو ظاهرة صحية تماما، معتبرا أن ان الحركة الإسلامية في بداياتها هي حركة إصلاحية، إلا أن الظروف التي مرت بها المنطقة تحت حكم الاستبداد دفعت بالحركة الإسلامية للخوض في السياسة. وأشار لفشل الإسلاميين والقوميين لاستيعاب التنوع الذي تتمتع به الدول العربية، ولم يتمكنوا من الارتقاء بفكرهم لمستوي البعد الإنساني الذي يحفظ ويتفهم هذا التنوع بل ويثريه وينميه، كما أشار لتنكر اليسار العربي للقيم الإنسانية حين انحاز لصف الانظمة ضد شعوبها التي تقتل بحجة مناهضة الامبريالية، وذكّر الدكتور معيوف بعبارة المناضل تشي جيفارا “انا اشعر بكل صفعة توجه لأي مظلوم في هذا الكون”.

وفي معرض رده على تساؤلات الحضور وكرر الكاتب مشارقة التنويه لتقصير اليسار العربي في محاورة الإسلاميين ومحاكاة أفكارهم، وأضاف لهذا الخطأ الجسيم مساندة اليساريين للأنظمة التي تقمع شعوبها بحجة بحجة معاداة الامبريالية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً