النص الكامل لكلمة مندوب ليبيا أمام مجلس الأمن

ألقى مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة السفير الطاهر السني، اليوم الثلاثاء، كلمة أمام مجلس الأمن الدولي خلال جلسة عُقِدت لبحث آخر التطورات في ليبيا.

وفيما يلي النص الكامل للكلمة:

السيد الرئيس

في البداية اقدم الشكر لسعادة السفير يورغن شولز لإحاطته حول عمل لجنته، كما أشكر السيدة ستيفاني ويليامز على احاطتها حول آخر التطورات التي تشهدها بلادي.

السيدات والسادة

مر أكثر من عام والوضع في بلادي كما هو ، جرائم وانتهاكات واعتداءات مستمرة، قصف عشوائي ممنهج على طرابلس وضواحيها تسبب في مقتل عشرات المدنيين وتدمير البنية التحتية ليثير الفزع والهلع بين الناس ، واليوم نجتمع لنستمع الى إحاطات وتقارير، والجميع يسأل ما الجديد؟ وماذا بعد؟… لو رجعنا لكافة التقارير الأممية والدولية ومحاضر جلسات هذا المجلس ، سنجدها شبه مكررة، والاختلاف الوحيد هو في زيادة عدد الضحايا و الانتهاكات وتنوعها ومدى بشاعتها، أما القاسم المشترك بينها، فهي مفردات التنديد والاستنكار ، ودعوة جميع الأطراف على حدٍ سواء لوقف الاقتتال ، دون أي تحديد للفاعل الذي قاد ونفذ كل هذه الأعمال ، وحرض عليها ، وافتخر بالقيام بها أمام مرأى ومسمع الجميع ، وفي حضرة السيد الأمين العام في طرابلس العام الماضي.

بالتأكيد سأسرد عليكم كما جرت العادة آخر أفعال مجرم الحرب وميليشياته ومرتزقته الارهابيين، رغم اننا نعلم جيداً أن هذا المجلس لديه كافة الحقائق، ويعلم جيداً ما يحدث، ومن يقترف الجرائم ومن يدعمها، ومن الذي أشعل فتيل هذه الأزمة وسفك الدماء، ومن يقوض العملية السياسية منذ سنوات، وأدخل البلاد والمنطقة في فوضى، وصلت آثارها للجميع . مع ذلك، لا بأس أن أذكٌر ببعض القرارات التي صدرت من مجلسكم، والتي بلغت قرابة الستة عشر قراراً منذ توقيع الاتفاق السياسي الليبي فيما يخص معاقبة ومحاسبة المعرقلين، لو كانت قد طبقت حينها لتفادينا هذا الوضع اليوم :

– القرار رقم 2278-2016 – الفقرة رقم (11) “وإذ يعيد تأكيد أهمية مساءلة جميع المسؤولين عن الانتهاكات أو التجاوزات التي تطال حقوق الإنسان أو انتهاكات القانون الدولي الإنساني بمن فيهم الضالعون في هجمات تستهدف المدنيين”

– القرار رقم 2376- 2017 – الفقرة رقم (12):

“وإذا يؤكد من جديد ضرورة أن تعمل جميع الأطراف في ليبيا بصورة بناءة مع الأمم المتحدة ، وأن تمتنع عن أي أعمال من شأنها أن تقوض الحوار السياسي الذي تتوسط فيه الأمم المتحدة ،ويكرر التأكيد على أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري في ليبيا”.

– القرار رقم 2486-2019 في الفقرة (16):
“وإذ يؤكد من جديد وجوب أن تفي جميع الأطراف بما عليها من التزامات بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان حسب الاقتضاء ، وإذ يشدد على وجوب محاسبة المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني ، وعن انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان“.

السيدات والسادة

منذ أيام قدمت المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية السيدة بن سودا تقريرها التاسع عشر، وأعتقد ان لدى جميعكم الآن كل الأدلة اللازمة على ما يحدث في بلادي من انتهاكات، ونحن نشكر السيدة بن سودا لوضوحها وتحديدها بالاسم من اقترف جرائم الحرب هذه ، ولازلنا ننتظر من هذا المجلس والمجتمع الدولي أن يحذو حذوها ويتحلى بشجاعتها، لينتهي مسلسل التصريحات المسيسة، والتي استفاد منها مجرم الحرب والدول الداعمة له، ليستمر الاجرام والقتل والفوضى.

وللتذكير فقط، بعد أن قام المعتدي بإعلان هدنة انسانية زائفة، قام بقصف متعمد لطرابلس بمئات الصواريخ، استهدف من خلاله مستشفى طرابلس المركزي ومن قبلها مستشفى الهضبة المخصص لعلاج وباء كورونا، بالإضافة الى الاحياء المدنية في مناطق سوق الجمعة وابي سليم وباب بن غشير، وقام أيضا يوم 7مايو باستهداف مقار لعدد من البعثات الدبلوماسية في منطقة زاوية الدهماني، لينتهي به الإجرام بقصف مقر ايواء للنازحين في منطقة الفرناج يوم السبت الماضي، ليُقتل 7 نازحين ويُجرح العشرات، وكأنه لم يكفه دفعهم للنزوح من بيوتهم.

الكثير من الأعمال الإرهابية التي تسببت في مزيد من القتل والتشريد والدمار. وكما اعيد وأقول… لازلنا نسمع بيانات مبنية للمجهول.

السيدات والسادة

لم يعد من المنطقي السكوت على الدول التي تدعم هذا القتل والإرهاب، والجميع استمع لتقرير لجنة العقوبات، وشاهد بنفسه أنواع الأسلحة النوعية والمرتزقة المستخدمين من قبل المليشيات المعتدية، ولكم في رحلات طائرات الشحن المنتظمة الاماراتية وأجنحة الشام السورية إلى بنغازي خير مثال، اضافة لتجنيد آلاف المرتزقة متعددي الجنسيات، تشادين وسودانيين وسوريين ومن يتبعون شركة ”فاغنر“ الروسية، هذا ما ورد في تقاريركم وليس كلامنا فحسب.

وبخصوص الأسلحة على سبيل المثال، كلكم تابعتم انتصارات أبطال جيشنا الوطني الليبي وقواتنا المسلحة في تحرير مدن الساحل الغربي، وبالأمس قاعدة الوطية الجوية، حيث تم فيها تدمير والاستحواذ على أكثر من منظومة دفاع جوي نوع ”بانتسير-s1“ الروسية، وتم تدمير عدد من مدرعات نوع ”تيغرا وبانثرا“ الاماراتية، ووجدنا أطنان من الأسلحة الحديثة والنوعية، وقبل ذلك اسقطنا عدة طائرات بدون طيار نوع ”وينغ لونغ ” صينية الصنع.

وفي هذا الصدد، نود ابلاغ هذا المجلس أنه توفر لدينا عدد من الأدلة الدامغة ومتطابقة مع تقارير سابقة، لتورط دولة الامارات العربية المتحدة في نقل وارسال هذه الأسلحة والمعدات الى مجرم الحرب ومليشياته الانقلابية كما فعلت عدة مرات في السابق، وهذه الأدلة سنشارك بها لجنة الخبراء.

لذلك نحن نطلب وبشكل رسمي ومن خلال الدولة ”حامل القلم“ بعقد جلسة خاصة لهذا المجلس، لوضع حد ووقف هذه التدخلات غير القانونية من قبل دولة الامارات، في محاولة منها الانقلاب على سيادة الدولة الليبية وشرعية الحكومة ، في خرق جسيم لقرارات مجلس الأمن بالخصوص.

كما إننا نطالب الدول المعنية وبالأخص دول الصنع والمنشأ للأسلحة المذكورة، أن تقدم لنا وللجنة العقوبات شهادات المستخدم النهائي لهذه الأسلحة، لتفسير كيفية وجودها بيد المنقلبين على الشرعية، والمنتهكين لقرارات مجلس الأمن، كما نطالب الدول التي يتم استخدام مواطنيها كمرتزقة وارسالهم الى ليبيا، باتخاذ الاجراءات الواضحة حيالهم، وسحبهم على الفور ومعاقبة المسؤولين على تجنيدهم، وليس فقط الاكتفاء بعدم مسؤوليتها عن تصرفاتهم.

السيد الرئيس

يقودني الحديث عن تطورات الأوضاع في ليبيا الى القرار 2292-2016 والخاص بمنح عدد من الاذونات للدول الأعضاء في الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية والإقليمية، للقيام بعمليات تفتيش على السفن لتطبيق الحظر على السلاح ، وهنا نود تسجيل الآتي: –

إن قرار مجلس الامن اشترط التنسيق مع الحكومة الليبية عند تنفيذ هذا القرار، وقد أعاد تأكيد ذلك تقرير الأمين العام الأخير S/2020/393 بتنفيذ 2474-2019 في الفقرة 11، لذلك فإن اية عملية دولية تنفذ بدون التنسيق مع الحكومة الليبية تعتبر عملية غير قانونية، ولا تستند الى قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة، لذا أعلنا عن رفضنا لعملية الاتحاد الأوروبي (ايريني) بشكلها الحالي، لأنها لم تتشاور معنا بالخصوص، واكتفت فقط بتبليغنا كأمر واقع، بعكس ما تم سابقاً في عملية صوفيا.

إن هذه العملية غير كافية لتطبيق قرارات حظر السلاح الى الكيانات الغير شرعية، بسبب إغفالها الحدود البرية والملاحة الجوية في شرق البلاد، والتي تعتبر المصدر الأساسي لدعم المليشيات المعتدية الخارجة عن القانون. عندما صدر قرار حظر السلاح كان من المفترض أن يكون لمصلحة البلاد، وأن يطبف على الأفراد والمجمعات التي تحاول تهريب السلاح ، فأي منطق أن يطبق هكذا حظر على حكومة شرعية، من المفترض أنها معترف بها من قبل هذا المجلس منذ أول يوم؟.

وفي السياق نفسه، نرفض رفضاً قاطعاً ما خرج منذ أيام من بيانات لبعض الدول ومنها المتورط في دعم الانقلابيين وقتل الليبيين، بالتشكيك في شرعية وقانونية ما نبرمه من اتفاقيات وتحالفات سيادية، وما ذلك إلا تدخل سافر في الشؤون الداخلية لليبيا، فنحن نشجبه ولن نقبله، واذا كانت هذه الدول لا تعترف بشرعية ما نعقده من اتفاقيات، عليها إذن أن تراجع ما عقدناه معها من اتفاقيات، لأننا قد نعيد النظر فيها وتقييم جدواها.

نصيحتنا لتلك الدول، أن تبحث عن إجابات شافية لشعوبها عن سبب ذكرهم في تقارير لجنة العقوبات التابعة لهذا المجلس، وصرفهم المليارات لدعم مليشيات ومرتزقة ارهابيين بالسلاح والعتاد لقتل الليبيين وتشريد الآلاف.

السيدات والسادة

لا شك أن بلادي ترحب وتثمن كل المبادرات والجهود الدولية الصادقة والرامية لوقف الصراع الحالي، ومحاولات ابرام هدنة انسانية لطالما سعينا اليها، كما كان الحال في موسكو وبرلين وغيرهما، وكلنا نتفق أن حقن الدماء والجلوس للحوار هما السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، ولكن هذا فقط مع من يرتضي الحل السلمي ويفهم معنى الديمقراطية والدولة المدنية، وليس مع شخص دموي أرسل أبنائنا للهلاك، وانقلب على الجميع وفوض نفسه بنفسه طاغوتاً وحاكما للبلاد، ضارباً بعرض الحائط ارادة الشعب وحقه في تقرير المصير، مستهينا ومستخفا بجميع الجهود والقرارات والنداءات الدولية.

لذا نعيد من جديد تأكيدنا على رفضنا القاطع الجلوس مع من تلطخت يده بدماء الأبرياء، ونعلمكم أن أي حل سياسي لا يجب ان يختزل في شخص أو مجموعة، وشرق ليبيا وسكانها جزء لا يتجزأ من كيان الوطن، وهو أكبر من هذا الدكتاتور الذي لا يمثل الا نفسه، فالشرق أيها السادة مختطف تسيطر عليه أجواء من الرعب، وكلكم شاهدتم حجم الانتهاكات التي ترتكب هناك، وما تقوم به ميلشياته الاجرامية والتكفيرية من عمليات اعتقال وتعذيب واخفاء قسري وقتل خارج نطاق القانون، تحت شعار ”الجيش الوطني والأمن و الأمان ”.

وختاماً

كلكم تابعتم انتصارات جيشنا الوطني الليبي وقواتنا المسلحة الذين قلبوا المعادلة، وحرروا معظم معاقل المعتدي، وأظهروا حقيقة ميلشياته الإرهابية وضعفها رغم كل الدعم الذي يتلقونه منذ سنوات، والذين أعلنوا بالأمس انهزامهم تحت مسمى الانسحابات التكتيكية.

وإذ نثمن تغير مواقف عدة دول بانحيازها ولو متأخراً للحق بعد أن وضحت الرؤية، فإننا في نفس الوقت لم نعد نكترث ببيانات التنديد والاستنكار، ونحن مستمرون في دحر العدوان بكل ما اوتينا من قوة، وبجميع الوسائل وما نراه مناسب من تحالفات، حتى بسط سيطرة الدولة على كامل البلاد، ويجب أن يعلم الجميع أن مشروع مجرم الحرب قد انتهى وانكسر وأصبح سرابا، ومن كان يراهن عليه فرهانه قد خسر ، فهو من أخرج نفسه بفعلته من الحوار والحلول السلمية، لذا ندعو جميع من تورط معه أن يلقي بسلاحه ينحاز للوطن، لننهي هذا الصراع ونجلس معاً للحوار والمصالحة والحديث عن ما بعد حفتر.

لذلك نتمنى دور أكثر فاعلية للأمم المتحدة خلال الفترة القادمة بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي، يمكن من خلاله اتباع طرق جديدة في التعامل مع القضية الليبية، ولا نكرر أخطاء الماضي ويخضع فيها المعرقلين للمحاسبة، لردع ميولهم السلطوية، ويتم احترام ارادة الشعب في تقرير مصيره دون إملاءات، من أجل قيام دولة مدنية موحدة، بعيدة عن كل التدخلات وتجمع كل الليبيين.

وشكرا.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً