الهجرة غير النظامية: حالة ليبيا – إيطاليا

الهجرة غير النظامية: حالة ليبيا – إيطاليا

د. أحمد علي الأطرش

أستاذ العلوم السياسية بجامعة طرابلس

توطئة:

نظراً لهيمنة الطابع الرسمي على الجدال والسجالات الدائرة بين مؤسسات الدول المتوسطية المعنية بملف الهجرة غير النظامية (سواءً عبر التوجيه المباشر أو بالتمويل)، وتداعياته غير الفعالة في ملامسة الحقائق، والتوصل إلى حلول حاسمة وناجعة؛ ونتيجة لحقيقة تنامي أهمية المسارات الدبلوماسية غير الرسمية (ومنها المسار الأكاديمي)([1])، في المفاوضات والحوارات ذات الصلة؛ تسعى هذه المساهمة إلى التعاطي مع هذا الملف من منظور علمي/ موضوعي، وغير رسمي.

المغزى من هذا الطرح ليس تجاهل المسار الرسمي، بل مؤامته بغية التنسيق وفتح آفاق جديدة لدعمه ومؤازرته لتحقيق الغايات المنشودة؛ مع التركيز على حالة ليبيا – ايطاليا، وذلك لكونها تشكل بؤرة الاهتمام والرصد من قبل كل المعنيين والمهتمين.

من هذا المنطلق، تحاول الدراسة تسليط الضوء على اقتراح روافد لدعم عملية صناعة القرارات ذات الصلة بمسألة الهجرة غير النظامية – بقدر من التحليل والواقعية والشفافية والمنهجية العلمية  -وذلك من خلال تفحص تفاصيل هذه القضية الإنسانية الخلافية المزمنة، وإماطة اللثام عن حيثياتها وخفاياها ومدلولاتها وتداعياتها. كما تهدف الدراسة إلى طرح أفكار تتعلق بضرورات عدم الارتهان في التعاطي مع هذا الموضوع للمقاربات والمداخل الأمنية والسياسية والاقتصادية فقط؛ أي عدم التشبث بحصره، وخاصة من قبل الدول الأوروبية، في زوايا الأمننة (securitization) والتسييس (politicization)، وبما يتماهى مع لغة مصالح وتوجهات السلطات الحاكمة،([2])، بل وجوب الخوض فيه من زوايا متعددة الأبعاد والاتجاهات (تنموية/ قانونية/ تاريخية/ انسانية/ مجتمعية/ ديموغرافية، وغيرها).

إن البحث في موضوع المساهمة وفق “رؤية ليبية من الداخل”، لا يجب أن تفهم البتة بأنها تمثل “الرؤية” الليبية حصراً، وأخص بالذكر الرسمية منها، بل للتأكيد على أنها تضل إحدى الرؤى غير الرسمية التي تتحلى بقدر كبير من الواقعية، والتجرد من الخطابات البروتوكولية والصفقات السياسية، بل والأقرب للخطاب الشعبي؛ أي لردود الفعل من خلال المعايشة، لا التكهنات والافتراضات والمصالح الذاتية، ومهما كانت النوايا والمسوغات؛ من حيث انتشارها وديمومتها وحدتها وتفاقمها. لذا، تحاول الدراسة اقتراح حلول عملية ممكنة، مع مشترطات تبني الأفكار القيمة عبر حوار مشترك (رسمي – غير رسمي)، يستوجب اقتران توافر الإرادة السياسية، وحسن النوايا، من قبل كافة حكومات الدول المعنية.

المعطيات والحقائق

في البدء يستوجب التنويه إلى أن المحفز الأساس للخوض في موضوع الدراسة، وبمنهجية مغايرة لما يُطرح في الأدبيات ذات الصلة، هو مدى تعاظم الإساءة إلى سمعة وسيادة ليبيا من قبل أطراف إقليمية ودولية تَدّعي نظرياً بأنها من “أصدقاء ليبيا”، ولكنها عملياً، ولدواعي مصلحية إنتهازية، تعاني حالة مشبوهة من التردد والتأرجح واللاَّيقينية في تحديد مواقفها حيال ما يجري في ليبيا. في حين أن البعض (أو تحديداً ما يسوقون لتصنيف أنفسهم ب”الأصدقاء”)، لا يدّخرون جهداً، ولا يفوتون فرصةـ وعلى كافة الصعد، في توجيه الاتهامات لليبيا حيال كل ما يتعلق بزعزعة الأمن والاستقرار في دولهم، وذلك دون تكبد عناء المشاركة الفعالة والنزيهة في تعافيها وخروجها من المأزق الراهن. هذا لا يعفى أطراف محلية ليبية (كأمراء الحروب، وسماسرة الأزمات، وعناصر من النظام السابق، والشامتين وذوي الأيادي المرتعشة ممن لهم سوابق جنائية، وجماعات إسلاموية متطرفة، وكل المسترزقين والمتنفعين والمستفيدين من حالة اللاَّدولة) من تحالفها مع الخارج في تحقيق هذه المآرب، والتي تتماهى مصالحها معها عبر تمطيط أمد الصراع وحالات التأزم، وإفشال أي مشروع وطني حقيقي يسعى لقيام دولة بمفهومها الحضاري المعاصر.

أن ملف الهجرة غير النظامية يعد من الملفات الشائكة التي أصبحت تشكل اهتمام خاص من قبل الدول والمؤسسات ذات الصلة، وذلك بالنظر إلى توقيت تصاعد وتيرة القلق والاستياء الشديدين من قبل دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها إيطاليا، بخصوص تنامي الهجرة غير النظامية، رغم حقيقة أنها ليست وليدة التطورات الراهنة التي تعيشها المنطقة.

هذا التركيز ناجم عن عدة مستجدات لعل أهمها ربط الهجرة بالإرهاب، وذلك إثر الأفعال الاجرامية التي وقعت، وتقع بين الفينة والأخرى، في بعض دول الاتحاد، ومنها على سبيل المثال: فرنسا والمانيا وبريطانيا وبلجيكا والدنمارك، وبعض الدول الأوروبية الأخرى؛ ناهيك عن التزايد المهول في أعداد المهاجرين غير النظاميين إثر ما توصف ب “ثورات الربيع العربي”، إي الانتفاضات التي شهدتها بعض الدول العربية المطلة على جنوب وشرق المتوسط.[3]

فإيطاليا، العضو غير المحوري في ميزان القوى والنظام الإقليمي/المؤسساتي الاوروبي المعاصر، والتي تعاني من تفاقم في حدة التجاذبات والتقلبات السياسية، والأزمات الاقتصادية والمالية، مع استشراء مزمن للفساد المالي والإداري، وتغول شبكات الجريمة المنظمة (المافيا) في بعض مفاصل الدولة، أو في توجيه مساراتها وخياراتها؛ تسعى لتسخير ملف الهجرة لكسب الدعم الاوروبي بغية تبرير إخفاقاتها (الحالية والمحتملة)، وتلوح دائماً بالخطر الداهم على دول شمال اوروبا، وخاصة الدول الفاعلة منها (بريطانيا/ المانيا/ فرنسا)، وذلك في حال عدم حصولها على المؤازرة والدعم المالي السخي في مواجهة الهجرة والإرهاب. كما أن ايطاليا، وللأسباب الأنفة الذكر، تذرك جيداً أنها ليست بدولة مقصد بالنسبة للمهاجرين غير النظاميين، بل هي جسر عبور سلس صوب دول أوروبية أخرى تنعم أعلى نسبياً بالرفاهية، والمستوي المعيشي الراقي، والضمانات القانونية والإنسانية للبشر.

لهذه الأسباب ارتأينا في هذه المساهمة، وبشيء من الاختصار والوضوح، كشف الخفايا وإماطة اللثام عن حقيقة التعاطي الأوروبي/الإيطالي مع هذا الملف العصي والحساس، والنوايا المبيته تجاهنا، وذلك لكي يتسنى الوقوف عند معرفة الدوافع الحقيقية من وراء هذه الانتقائية المثقلة بالمغالاة في الاستكانة للمقاربة الميكافيلية، وعدم وضع أدنى اعتبار لمصالح الأطراف الأخرى ذات العلاقة.

من هذا المنطلق، ومن واقع ما يحاك من دسائس وابتزاز غير خفي على المتابعين والمهتمين، يمكن الجزم بأنه لا يمكن تناول الهجرة غير النظامية دون الوقوف عند المكون الثلاثي الأبعاد لها، والذي يشمل ثلاث أطرف وهي: دول المصدر، ودول العبور، ودول المقصد. ولكن ما نشهده عادة هو تركيز الجانب الأوروبي، وخاصة الدول المطلة على شمال حوض المتوسط، وتحديداً ايطاليا، المستورد والمستفيد الأكبر دولياً من النفط والغاز الليبيين،([4]) على أن مصدر الخطر يكمن في دول العبور، وليبيا على وجه التحديد. يبدو أن مرد ذلك هو استئناس الغرب في الاستمرار، ومنذ عقود، في التعامل مع ليبيا ككبش فداء لكل الخطايا والحماقات والتهديدات مهما كان منبعها.

هذا التشخيص الانتقائي المعيب لا يجدي نفعاً عند وضع معالجات عملية وفعالة لهذه الظاهرة المتفاقمة الضرر على دول العبور والمقصد على حد سواء. إذن، لا مناص من اعتراف وإقرار كافة الأطراف “المتضررة” بجملة من المعطيات لعل من اولوياتها:

  • عدم التركيز والارتهان في الربط بين هشاشة الوضع الأمني في ليبيا – خلال مرحلة ما بعد الإطاحة بالنظام السابق (مرحلة حكم معمر القذافي 1969 – 2011)([5]) مع تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية، من حيث الحدة والانتشار والتداخل.
  • وجوب الإفصاح عن حقيقة أن الهجرة غير النظامية لا تخرج عن نطاق وسلوكيات الجريمة المنظمة عبر الوطنية، ومنها الشبكات والعصابات والتشكيلات المسلحة المارقة التي تمتهن تهريب الوقود والمحروقات والأموال المنهوبة والسلع المدعومة والمخدرات والسلاح، مع استشراء أفة الفساد على كل المستويات والصعد، بما في ذلك مسؤولين كبار، وعناصر من القطاعات الأمنية.

وتأكيداً لهذا، وعلى سبيل المثل لا الحصر، يمكن الإستدلال بجريمة مقتل الصحفية المالطية دافني كاروانا غاليتزيا (Daphne Caruana Galizia)، والتي لقت مصرعها في مالطا بتاريخ 16/10/2017، إثر تفخيخ سيارتها، وبفعل إجرامي مدبر. وعلى الرغم من محاولات تكتم وتستر بعض سلطات الدول المعنية على هذا الفعل المشين والمنافي لمبادئ الشفافية وقيم حرية الرأي والتعبير التي تتشدق بها وتتدعي وجوب الالتزام بها، وتطالبنا بضرورة احترامها، إلا أن مجريات التحقيقات، وبجهود وضغوطات حثيثة من قبل المدافعين على الضحية والباحثين عن الحقيقة، تم التوصل للجاني (المنفذ) الذي كشف أن الدوافع كانت بسبب مقالات صحفية للمجني عليها تناولت أسرار تتعلق بفضائح  فساد وعلميات تهريب للنفط الليبي بكميات ومبالغ ضخمة، قامت بها شبكة عصابات من ليبيا ومالطا وإيطاليا، مع تورط مباشر أو غير مباشر لمسؤولين كبار وسياسيين ورجال أعمال ومهربي مخدرات، مستغلين بذلك حالة الصراعات الداخلية، ووهن السلطات المنقسمة، وتنامي المروق في ليبيا.([6])

  • إن التزايد المذهل لإعداد النازحين داخلياً (IDPs) بعد 2011، جراء الحروب والصراعات المسلحة والقمع وثقافة الإنتقام وسلوكيات الخطف والإخفاء القسري والحرابة والإعتقالات خارج سلطة القانون، بسب المعتقد أو الهوية وغيرها (كما هو واقع الحال في ليبيا) قد أجج من وتيرة إستياء الرأي العام، وبالأخص من قبل الشريحة المتضررة، صوب المهاجرين غير النظامين (الأقل عدداً من النازحين بكثير). هذا الامتعاض نتج عن تجاهلهم وعدم الإهتمام الفعلي بهم بالقدر المطلوب من قبل المجتمع الدولي، والذي يتحجج غالباً بأن أوضاعهم تقع ضمن مسؤوليات دولهم (رغم الدراية المسبقة بهشاشه وعدم فعالية مؤسساتها وأجهزتها)؛ أو بذريعة عدم إمكانية الوصول إليهم لتقديم الدعم والخدمات، وحتى وإن فعل، فيوكل الأمر إلى مؤسسات المجتمع المدني المحلية، دون مراعاة لمعايير الشفافية والكفاءة والنزاهة، ولأسباب غرضية على ما يبدو، مما يعرض هذا الملف الإنساني غالباً لسطوة الفساد والإحتيال والتحايل والعبث.([7])
  • رغم أحقية كل دولة وضع تشريعات تشجع الخبرات والمهارات التي تحتاجها للهجرة إليها، وإستراتيجيات محددة لإستقطابها بشكل علني وصريح – رغم أن العديد منهم تعلموا واكتسبوا مهارات على نفقة دولهم الأصلية – إلا أن سلطات بعض الدول، وخاصة دول جنوب المتوسط، تغض الطرف عن الأوضاع اللاَّإنسانية التي يكابدها المهاجرين غير النظاميين ممن يصلون إلى هذه الدول، ووقوعهم ضحايا السخرة والإستغلال (forced labor) من قبل أصحاب الأعمال والمزارعين، وبالتنسيق مع شبكات الجريمة المنظمة وعصابات تهريب البشر، وذلك للعمل لقاء أجر زهيد، أو مقابل قوتهم وإقامتهم والتستر عليهم في كثير الأحايين، مما فاقم أزمات حقوق الإنسان والبطالة والفساد المالي والإداري. هذا لا ينفي حقيقة أن هذه السلوكيات المشينة حصلت وتحصل في ليبيا أيضاً (كدولة عبور ومقصد)، إلا أن دول الشمال لازالت توجه اتهاماتها صوب ليبيا فقط، رغم ما تعانيه من عدم إستقرار، وظروف أمنية متردية.
  • إنه من غير القانوني، ولا المنطقي، الاستمرار في التعامل مع ليبيا “كشرطي مجاني” في البحر المتوسط أو لدول الجوار الإقليمي. فليبيا، وفق ظروفها الراهنة وموقعها الجغرافي المتمثل في ترهل الأوضاع الأمنية، وضعف الإمكانات والبنى التحتية، وكبر المساحة (1,759,540 كم2) وطول حدودها البرية والبحرية (حوالي 6115 كم)، ليست قادرة على هذه المهمة منفردةً، كما لا يجب أن تطالب بذلك وفق كل المعايير.
  • ضرورة ربط هذه الظاهرة/الجريمة بالتنمية، وخاصة عند التعامل مع دول المصدر.
  • أن ملف الهجرة غير النظامية يعتبر من القضايا الخلافية الأوروبية البينية، ومن تم يستوجب الأمر التعاطي معه على هذا الأساس قبل طرحه على مستوى أشمل.
  • نظراً لأثر العولمة على قضايا الهجرة بشكل عام، ولما للقيادات ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي من دور في بلورة وتشكيل وتوجيه الرأي العام، فمن الضروري وضع استراتيجيات إيجابية شاملة تستدعي العمل على مواجهة “العنصرية وكراهية الأجانب والخوف وتعزيز ثقافة يسودها الإحترام المتبادل ويكون فيها متسع للجميع”.([8])

ما سبق يقودنا إلى استجلاء الحقائق التالية:

أولاً/ أن بروز معضلة الهجرة غير النظامية ليست مرتبطة بما ألت إليه الاوضاع بعد سقوط النظام السابق، بل هي من صنيعته أساساً. لقد اتسمت العلاقات الليبية الغربية عموما بالتوتر منذ عقود، وفي خضم هذه الإستعداءات الغرضية المتبادلة والمزمنة كان لكل طرف أدواته المتاحة في التلويح بالقدرة على زعزعة أمن واستقرار الطرف الأخر. لقد هدد معمر القذافي الغرب، وفي عديد التصريحات، بالطوفان البشري الافريقي مسوغاً ذلك بإمتعاض الأفارقة من تفقيرهم ونهب ثرواتهم من قبل الدول الغربية، أثناء عهد الاستعمار وعقبه. هذا التكتيك – كغيره من الأساليب التي اعتمدها القذافي في تعاطيه مع الشؤون الخارجية – كان مبعثه التمترس في سدة الحكم وتكريس الهيمنة وخلق زعامة دولية كرتونية/وهمية، وليس تنمية ليبيا أو الدفاع عن المصالح العليا للدولة الليبية، وبالتالي كان التوظيف المشين للهجرة غير النظامية كسلاح ذو حدين.

فمن جانب، كان القصد المبطن هو العمل على لئ ذراع دول المقصد ومجالاتها الحيوية عبر تسخير هذه الورقة (كالنفط والاستثمارات والإرهاب والرشى وإفساد/شراء الذمم… وغيرها) وذلك للضغط على الغرب بغية الرضوخ وتقديم تنازلات في أية مفاوضات أو تفاهمات لاحقة، والعمل على تطبيع العلاقات بين الطرفين للقبول بشرعية ودعم البقاء في الحكم، وهذا ما حصل فعلياً سواء على الصعيد الثنائي أو المتعدد الأطراف.

بالمقابل، لا مناص من تحمل الطرف الأوروبي، سواء الاتحاد الأوروبي أو إيطاليا منفردةً، مسؤولية تعثر وعدم جدية متابعة وضمان تنفيذ ما تمخضت عنه المفاوضات والاتفاقيات التي أجراها، أو أبرمها، مع الطرف الليبي بالخصوص. فعلى الصعيد الجماعي الأوروبي، وإثر تطبيع العلاقات الليبية الأوروبية والتغير الايجابي في نهج السياسة الخارجية الليبية في مطلع الألفية، ومن المنظور الأوروبي، ولا سيما تسوية عديد القضايا الخلافية العالقة بين الجانبين، ولعل من أبرزها تخلي ليبيا الطوعي عن برامج إنتاج أسلحة الدمار الشامل (19/12/2003)، وبعد مشاورات تمهيدية، تم التوقيع على “مذكرة تفاهم” بين الطرفين في 23/7/2007. وتأسيساً على هذه “المذكرة”، انطلقت في العاصمة البلجيكية/ الأوروبية بروكسل، بتاريخ 12-13/11/2008، “دورة المفاوضات الرسمية الأولى تحت مسمى “الاتفاقية الإطارية بين ليبيا والإتحاد الأوروبي”، والتي تضمنت عديد القضايا، بما فيها “التعاون في مجال الهجرة غير الشرعية”، وأدرجت ضمن محاور جلسة “الحوار السياسي”.[9]

وفي مسعى لمتابعة ما تم التوافق حوله، أعلن الإتحاد الأوروبي في نوفمبر 2010، عبر بعثته في ليبيا وثيقة تضمنت الشروط المرجعية (Terms of Reference) للمساعدة التقنية لتحديد وتصييغ “برنامج الدعم للسلطات الليبية في حقل الهجرة”، والدي تضمن خلفية عن الأوضاع والمعوقات المتعلقة بالهجرة، مع توضيح مستفيض للخطوات والإجراءات والمهارات المطلوبة للتنفيذ.([10]) إلا إن تعثر متابعة وتنفيذ ما توصل إليه الجانبان الليبي – الأوروبي، ومنذ بدء المفاوضات حتى الوقت الراهن كان لعدة أسباب، من أبرزها:

  • عدم توفر الإرادة والجدية من قبل الجانبان في متابعة وتفعيل وتنفيذ الإلتزامات المترتبة عنها، وذلك نظراً للمغالاة في التوظيف السياسي للقضايا الإنسانية.
  • غياب رؤية أوروبية موحدة، وخاصة حيال الأوضاع في ليبيا بعد سقوط النظام السابق، مع تزايد حدة الخلافات البينية الأوروبية مما أدى إلى تصدع البيت الداخلي الاوربي، كإنسحاب بريطانيا منه على سبيل المثال.
  • تنامي التيارات الشعبوية الأوروبية المعادية للأجانب بشكل عام، ووصول البعض منها إلى سدة الحكم في بعض الدول،)[11]( وما نجم عنها من تأثير سلبي على الرأي العام الأوروبي/الغربي عبر ربطه بشكل ماكر بقضايا الإرهاب والبطالة.
  • سقوط النظام السابق في ليبيا، وما ترتب عنه من تباينات في المواقف الأوروبية، حيال ما ألت إليه الأوضاع من وانقسامات وصراعات مسلحة في ليبيا.

أما صعيد التعاطي الرسمي مع ملف الهجرة غير النظامية بين الجانبان الليبي الإيطالي منذ بداياته في مطلع الألفية الحالية،([12]) يمكن سردها في أهم المحطات التاريخية التالية:

  • 1312//2000: إتفاقية روما بشأن الحرب على الإرهاب، والجريمة المنظمة، ومكافحة المخدرات والهجرة غير الشرعية.
  • 3/7/2003: التوقيع على مذكرة تفاهم للحد من الظاهرة وتقديم المساعدات اللازمة من قبل ايطاليا لليبيا.
  • 26/9/2004: زيارة وزير الداخلية الإيطالي إلى ليبيا، وإعلانه عن رغبة بلاده في الاستفادة من ليبيا كمركز تجميع إقليمي لمكافحة الهجرة غير الشرعية إلى اوروبا، وهذا يعد أحد المؤشرات إلى تركيز الجانب الإيطالي – الغربي على البعد الأمني فقط عند التعامل مع هذه الكارثة الإنسانية.([13])
  • 29/12/2007: التوقيع على “بروتوكول التعاون”، و”البروتوكول الفني – العملياتي” (الملحق له)، واللذان أضيفا لاحقاً لمعاهدة الصداقة والشراكة والتعاون.
  • 30/8/2008: التوقيع على “معاهدة الصداقة والشراكة والتعاون”([14]) في مدينة بنغازي، وبتاريخ 1/3/2009، تم التصديق عليها من قبل الطرفين، ودخولها حيز التنفيذ.)[15](
  • 19-21/1/2009: أثناء هذه الفترة، عقد الجانبان الليبي والإيطالي سلسلة اجتماعات تركزت حول مناقشة أجراء إضافات للبروتوكول “الإتفاق الفني – العملياتي” (2007)، وخاصة إضافة مادة (3 مكرر) المتضمنة (بناءً على طلب من الجانب الليبي) تعزيز وتفعيل المراقبة على المجال البحري، التكثيف المشترك “لأنشطة الوقاية والإعتراض (عن طريق البحر) للهجرة غير الشرعية”.)[16](
  • 21/1/2012: “إعلان طرابلس”، والتوقيع على اتفاق تفصيلي بشأن السيطرة على المهاجرين بين البلدين.
  • 2013: التوقيع على مذكرة تفاهم لتفعيل المادة 19 من “معاهدة الصداقة” والتي تنص على “مكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات، والهجرة غير الشرعية”.
  • 2/2/2017: التوقيع على مذكرة تفاهم بين “المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني” والحكومة الإيطالية. استندت هذه المذكرة على “معاهدة الصداقة”، وخاصة المادة 19 منها، وكذلك على الاتفاقية الثنائية الموسومة “إعلان طرابلس” (2012).

من خلال السرد التاريخي (chronology) السريع للمحطات المتعلقة بالمعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات والمشاورات الرسمية التي أبرمت وجرت، منذ عام 2000 بين ليبيا وايطاليا في مجالات الهجرة غير النظامية، والقضايا المرتبطة بها بشكل أو أخر، يمكن التوقف عند أهم محطتين، وذلك بسبب تميزهما وحساسيتهما، من حيث المضمون والتوقيت ومدى الإلتزام وردود الفعل، ألا وهما:

  • معاهدة الصداقة والشراكة والتعاون (2008/2009)

تحتوي “معاهدة الصداقة” على مقدمة وثلاثة أبواب وثلاثة وعشرون مادة، حيث أكدت “المقدمة” على أسف إيطاليا “للآلام” التي لحقت بالشعب الليبي من جراء الإستعمار الإيطالي، و”عزم” الطرفان على القفل النهائي ل’ملف الماضي‘ المؤلم…”، كما تناولت على التعاون في عدة مجالات (سياسية/ أمنية/ دفاعية/ اقتصادية/ قانونية /علمية/ فنية/ ثقافية، بالإضافة  إلى قطاع الطاقة).

وفق نصوص هذه “المعاهدة” يمكن الإشارة إلى أن أبرز ما التزم به الجانب الإيطالي هو تمويل وتنفيذ  مشروعات البنية الأساسية “التي يتم الإتفاق عليها بين البلدين في حدود (5) مليار دولار أمريكي، بمعدل ربع مليار أمريكي سنوياً على مدى عشرين عاماً”، و”بناء مائتي وحدة سكنية في ليبيا”، و”تخصيص منح دراسية للطلاب الليبيين، وعلاج الليبيين المتضررين من الألغام – ممن يتعذر علاجهم في محلياً – في مراكز علاجية إيطالية، و”استئناف دفع معاشات التقاعد للمستحقين الليبيين من مدنيين وعسكريين ولورثتهم المستحقين لها بموجب اللوائح الإيطالية النافضة”، و”ترجيع المخطوطات والقطع الأثرية إلى ليبيا المنقولة إلى إيطاليا من الأراضي الليبية أبان الحقبة الإستعمارية…”.([17])

بالمقابل، تلتزم ليبيا بإعفاء الشركات الإيطالية (على تنفيذ ما تعهدت به أعلاه) من ضرائب ورسوم جمركية، و”ضمان تنفيذ هذه الشركات لأعمال البنى التحتية الهامة ومشاريع صناعية وإستثمارات في ليبيا”، و”إلغاء الإجراءات واللوائح التنظيمية التي تضع قيوداً أو حدوداً على الشركات الإيطالية”، و”منح المواطنين الإيطاليين المبعدين من ليبيا في الماضي، بدون أية عوائق أو حدود من أي نوع تأشيرة الدخول التي يطلبها المعنيون لأغراض السياحة أو الزيارة أو العمل أو لأغراض أخرى”.[18]

ونظراً لكون ملف الهجرة غير النظامية يشكل محور الإهتمام المنهجي لهذه الدراسة، يجب إلاقتباس النصي لما ورد فيها بالخصوص، والذي انحصر في المادة (19) المتعلقة بمجال “التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية”، حيث نصت على ما يلي:

  1. يكثف الطرفان التعاون القائم بينهما في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية طبقاً لما نصت عليه الإتفاقية الموقعة الموقعة في روما بتاريخ 13/12/2000 بالخصوص وإتفاقيات التفاهم الفنية اللأحقة، من بينها على الخصوص بمكافحة الهجرة غير الشرعية وبروتوكولات التعاون الموقعة في طرابلس بتاريخ 29/12/2007.
  2. بالنسبة لموضوع مكافحة الهجرة غير الشرعية، يعمل الطرفان على إنجاز منظومة لمراقبة الحدود البرية الليبية تسند إلى شركات إيطالية تتوفر لديها الإختصاصات الفنية اللازمة، وستتحمل الحكومة الإيطالية 50% من التكاليف، وبينما سوف يطلب الطرفان من الإتحاد الأوروبي أن يتحمل ال 50% الباقية، أخذاً في الحسبان الذي تم بين الجماهيرية العظمي والمفوضة الأوروبية.
  3. يتعاون الطرفان في تحديد مبادرات، ثنائية وإقليمية، في بلدان مصدر الهجرة للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية.

عند التمعن المتخصص في صياغة وفحوى “المعاهدة” يمكن الكشف عن تحليها بلغة الدبلوماسية المشوبة بالضبابية والإعتمادية واللاَّواقعية. مرد هذا، في تقديرنا، يرجع إلى غلبة التوظيف السياسي على فكرتها وغاياتها ومقاصدها، من كلا الطرفين، مما عرضها للإنتكاسة والتنصل في مراحل لاحقة.([19]) ونظراً لغياب الإرادة الحقيقة وحسن النوايا، لدى كلا الطرفين، لم تحقق هذه المعاهدة نتائج ملموسة على الأرض، ولا سيما تلكؤ ومراوغة الطرف الإيطالي في تنفيذ جل الإلتزامات التي تعهد بها، بإستثناء الموافقة على بعض المنح الدراسية المجانية للطلاب لليبيين ولفترة لم تدوم طويلاً، ناهيك عن الإعتذار الرسمي للحكومة الإيطالية عن فترة الإستعمار الإيطالي لليبيا، والذي أعلنه (شفوياً) رئيس وزراء ايطاليا الأسبق (ورجل الإعمال) سيلفيو برلسكوني (Silvio Berlusconi)، في كلمته التي ألقاها بمناسبة مراسم التوقيع على “المعاهدة”، مما حدا بالنظام السابق لتلقفها وإستثمارها من أجل الترويج له، وتوظيفها سياسياً.

وعلى الرغم من أن “المعاهدة” أقرت إلتزام الطرفان ب “عدم اللجوء إلى التهديد أو استخدام القوة” (المادة 3)، و”عدم التدخل في الشؤون الداخلية” (المادة 4)، إلا أن إيطاليا، العضو في حلف شمال الأطلسي (NATO)، وجدت نفسها في مأزق الخيار بين مطرقة مصالحها والتزاماتها مع ليبيا وسندان تعهداتها مع “الحلف”، مما جعلها تتردد أو تتلكأ في مشاركة هذا الأخير في القيام بدور مباشر في الإطاحة بالنظام السابق، وذلك أثر انتفاضة فبراير2011 . وبعد تيقنها من بدء إنهياره، وفق المعلومات المتوفرة، والمعطيات على الأرض، وتزايد الضغط الدولي، أعلنت في منتصف مارس 2011 بأنها في حل من “المعاهدة”، وإن النظام السابق لم يعد صديقاً لها.

مذكرة التفاهم (2017)

بعد التصديق على “معاهدة الصداقة” من قبل الطرفين (الليبي والإيطالي) ودخولها حيز النفاذ (2009)، وبعد إلغائها من قبل ايطاليا إثر إنتفاضة فبراير 2011، وحين تفاقمت أزمة المهاجرين غير النظاميين – من حيث الأعداد والضحايا عند محاولة عبور المتوسط نحو أوروبا في قوارب غير مجهزة ومكتظة بالبشر-([20]) وبشكل غير مسبوق، نتيجة تردي الأوضاع في ليبيا بسبب الصراعات الداخلية، والحروب بالوكالة، وضعف وانقسام مؤسسات الدولة، وهشاشة الأوضاع الأمنية، تم، في روما  بتاريخ  2/2/2017، التوقيع على “مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجالات التنمية ومكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر والتهريب وتعزيز أمن الحدود بين الجمهورية الإيطالية ودولة ليبيا” من قبل فائز السراج (رئيس المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق) ورئيس الوزراء الإيطالي السابق باولو جينتيلوني (Paolo Gentiloni). تضمنت هذه المعاهدة مقدمة وثمانية مواد، وشملت مجالات التعاون في مجال الهجرة غير “الشرعية”، مع التأكيد على (كما ورد في المادة 2 من “المذكرة”) على تفعيل المادة 19 من “معاهدة الصداقة”. إلا أن هذه “المذكرة”، والتي أشارت في المادة 8 منها إلى دخولها “حيز التنفيذ منذ تاريخ التوقيع عليها من قبل الطرفين، ويسري مفعولها لمدة ثلاث سنوات وتجدد تلقائياً لمُدد مماثلة،…”، تعد مشوبة بوهن جوهري،)[21]( والأهم من ذلك أنها جوبهت بالرفض من قبل “الحكومة الليبية المؤقتة (الحكومة الموازية في شرق ليبيا في تلك الأونة)، والحكم ضدها من محكمة استئناف طرابلس، تحت مسوغات أن “المذكرة” لم تحظى بموافقة السلطة التشريعية (مجلس النواب الليبي)، كما أنها، وفق ما ورد في نص الحكم، تثقل كاهل ليبيا في عملية تحمل مسؤولية أعداد ضخمة من المهاجرين بدون دعم حقيقي من إيطاليا والاتحاد الأوروبي، وخاصة في ظل الأوضاع الهشة التي تعيشها ليبيا.

ومن جانب أخر، ومتابعة لجزئية نوايا النظام السابق فيما يخص توظيف وتأجيج قضية الهجرة غير النظامية، أراد معمر القذافي استمالة وجدان الشعوب الأفريقية، وكسب ودهم وتعاطفهم معه، وذلك في مسعى لخلق قاعدة ولاءات شعبية عريضة في القارة السمراء، لكونه، كما كان يتوهم ويسوق لنفسه، بأنه “ملك ملوك افريقيا”، وتضييق الخناق على حكامهم لتحقيق مأربه وطموحاته السلطوية على الصعيد القاري، بعد أن أخفق في تحقيق ذلك في مناطق أخرى من العالم، لعل أبرزها ما كان يسعى إليه على الصعيدين العربي والإسلامي، وما اتسمت به من إخفاقات وتداعيات وخيمة.

ثانياً/ أنه من العبث التعاطي مع قضية الهجرة غير النظامية خارج إطار الجريمة المنظمة عبر الوطنية. في تقديري، وعند التمعن في تفاصيل خارطة التدفق البشري السري (من أفريقيا وخارجها) صوب الشمال (أي اوروبا)، يتضح أن ليبيا (كدولة عبور)، هي الحلقة الأضعف والأكثر جذباً، وايطاليا هي الوجهة المفضلة لهم.)[22]( مرد هذه المفاضلة، لا تنحصر في الجانب الجغرافي فحسب، بل ترجع إلى أن ليبيا تستهوي بوصلة المهربين (أي تجار البشر) والمهاجرين غير القانونيين، وذلك للأسباب الجوهرية التالية:

  • تغاضي السلطات الليبية، وأحياناً التسهيلات الممنوحة للمهاجرين غير النظاميين (في عهد النظام السابق) للمرور عبر ليبيا واستباحة أراضيها، وذلك لكسب ورقة ضغط تفاوضية مع الجانب الأوروبي (دول المقصد). أبان حكم معمر القذافي، لقد تعززت هذه السلوكيات بسبب طبيعة نظام الحكم، وتقلب السياسيات والعلاقات، ولعل العامل الأبرز في هذ الصدد، حالة القصور والفراغ والخلل التشريعي التي ألمت بالمرجعيات القانونية الليبية حيال التعاطي مع الهجرة غير النظامية في تلك الحقبة.([23]) فعلى سبيل المثال، ألغي قانون العهد الملكي المتعلق بدخول وإقامة وخروج الأجانب من ليبيا (القانون رقم 17 لسنة 1962)، واستبدل بما سمي “قانون مكافحة الهجرة” رقم 6 لسنة 1987. والملفت في هذا القانون البديل أنه أقتصر ضمن مواده على تجريم المهاجر، ولم ينص على معاقبة المهربين (أي فعل تهريب البشر). كما أن نفس القانون، ولمآرب مبيته تحت ذريعة “دعم التوجه القومي”، سمح لمواطني الدول العربية الدخول إلى ليبيا بالبطاقات الشخصية فقط، بدل جوازات السفر.([24]) هذا أدى إلى توافد الكثير من العرب غير المهرة أو ذوي من السوابق الإجرامية، وخاصة من دول الجوار العربية، بغية تحسين ظروفهم المعيشية، أو الإفلات من العقاب في بلدانهم الأصلية جرا جرائم اقترفوها فيها، ناهيك عن توظيفهم سياسياً لاحقاً كأداة لتهديد حكوماتهم من قبل النظام السابق حال تعارض مصالحه مع توجهاتهم، وهذا ما حصل في مناسبات عديدة لا يسع المجال الخوض في تفاصيلها.([25]) هذه السلوكيات فسحت المجال لتنامي الجريمة، وتفشي الأمراض المعدية والفتاكة، وذلك وفق ما أشرنا إليه أنفاً.

ومع تعاظم تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى اوروبا عبر ليبيا، بسبب وهن العقاب وضعف التجريم في الأسس القانونية الليبية كما أوضحنا، وغض الطرف المتعمد من قبل سلطات النظام السابق، وتزايد معدلات الجريمة وتنوعها من قبل الأجانب في ليبيا، مما أدى إلى تناميها لتتحول إلى الجريمة المنظمة عبر الوطنية، ناهيك عن الإقرار/الاعتراف غير المعلن للسلطات الليبية المعنية، وانزعاجها من الانتقادات الخارجية (الرسمية وغير الرسمية) الموجهة لها بخصوص تردي الأوضاع الإنسانية والصحية والمعيشية والبنيوية لمراكز تجميع وإيواء “مؤقت” وترحيل المتسللين والمهاجرين غير النظاميين،)[26](، مما أسهم إلى حد كبير في معاودة تأزم العلاقات السياسية بين الطرفين (الليبي والأوروبي)؛ وقيام ليبيا بمحاولة لتصحيح مرجعياتها القانونية بالخصوص (في العام الأخير من النظام السابق)، وذلك بإصدار القانون رقم 19 لسنة 2010) [27](، على الرغم مما اكتنفه من مثالب ومآخذ، حسب قراءات دوي الاختصاص في هذا المجال.([28])

  • ترهل، بل تردي، الأوضاع الأمنية بعد سقوط النظام السابق، ولأسباب متنوعة ومتعددة لا يسع المجال لسردها في هذا الحيز، وخاصة فيما يتعلق بالقدرة على تطوير التشريعات وإنفاذ القوانين، وما ترتب عنها من وهن في مراقبة الحدود والمنافذ وحركة الأجانب.
  • وفرة الأموال وفرص العمل وممارسة الجريمة مما يضمن لمن يرغب الهجرة تأمين المبالغ المطلوبة من قبل عصابات التهريب الليبية والإقليمية، أو لإمكانية البقاء والعيش في ليبيا في حال فشل تحقيق المراد/الحلم.

بالمقابل، نشهد تهافت ملف للنظر من قبل المهاجرين غير النظاميين، ومن كل حدب وصوب، للتوجه نحو ايطاليا تحديداً، حتى أصبحت الملاذ المفضل لهم دون منازع. إذن هذا يقود إلى طرح التساؤل التالي: لماذا يتكبد المهاجرين، من افريقيا والدول العربية المنكوبة وأقاصي آسيا، عناء السفر والمشاق الناجمة عنه ومخاطر الموت المحدقة لجعل ليبيا دولة عبور وايطاليا دولة مقصد كخيار مرحلي أمثل؟ عند التحدث بلغة الجغرافيا والمسافات والحسابات اللوجستية، أليست مصر أو المغرب على سبيل المثال هي الأقرب والأسهل لدول الإتحاد الاوروبي الواقعة في شرق المتوسط (اليونان مثلاً) أو غربه (اسبانيا)؟! هذا هو السؤال الذي يحمل في طياته الإجابة عنه الوجه المخفي لهذه الكارثة الإنسانية/ الأمنية.

من خلال المعطيات والأحداث، وإنطلاقاً من هذا الطرح، والذي يسعى لفتح آفاق مزيد البحث والتمحيص والدراسة، والمكاشفة أيضاً، أرى أن على ايطاليا ودول الاتحاد الاوروبي المستهدفة أن تقرّ صراحة بأنها يجب أن تكون طرفاً في الحل، وليس في المشكل فقط. والحل لا يتأتى بممارسة الابتزاز والانتهازية السياسية على حساب كرامة البشر، كالسعي لتأمين حدودها ومنافذها، أو عقد صفقات أو اتفاقيات غير قابلة للتنفيذ، أو القيام بإجراءات احترازية  كعمليات “EU NAVFOR Med Task Force” التي بدأت بعملية “صوفيا” (Operation Sophia) في عام 2015، إلا انها بأت بالفشل إثر إيقافها “قبل عام وسط انقسامات عميقة بين الدول الأعضاء بشأن عمليات إنقاذ المهاجرين”)[29](، أو “عملية ايريني” (Operation IRINI) ، والتي انطلقت في 1/4/2020، والمتزامنة مع المرحلة الأخيرة من إنجاز هذه الورقة البحثية؛ وبالتالي فإنها لا زالت على المحك، مع التوقعات بأنها ستجابه عوائق عملية جمة قد تعترض سبل نجاحها.([30]) أضف إلى ذلك القرارات التي صدرت على مستوى القادة الأوروبيين، والمتمثلة في حلول غير جذرية “كتقاسم عبء أعداد المهاجرين وإنقاذهم من الموت وقصف معاقل وقوارب المهربين”، أو الركون لضالة تحميل ليبيا المسئولية الكاملة عن ذلك والضغط المتواصل عليها لوقف هذا الطوفان البشري الرهيب، بل يجب التنسيق مع كل الأطراف المعنية والوقوف عند الأسباب الحقيقية لكافة المظاهر التي تشكل خطراً على مستقبل دول المنطقة بما فيها التهريب، وذلك وفق مبدأ المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

إن ما يحصل لا يخرج عن نطاق “الجريمة المنظمة” ولا يمكن التعامل مع النتائج دون الوقوف عند المسببات. لذا يستوجب الأمر، دون مؤاربة أو تملص، تشكيل لجان حقوقية وأمنية مختصة – مشتركة أو دولية محايدة – تسعى لتقصي الحقائق وكشف ومحاسبة كل المتورطين في جني الأموال الناجمة عن إرسال ما تنعت بقصد في الخطاب الإعلامي والسياسي الغربي ب “قوارب الموت”، ولا يجب أن يستثنى منهم أحد، بما فيهم الايطاليون، وباقي مواطني دول الجوار الليبي الأخرى، سواء كانوا أطرافاً في هذه الجريمة أم المستفيدون من السخرية أو الاتجار بالبشر والعمالة الرخيصة وسرقة ثروات الليبيين البحرية وتهريب الآثار والأموال والمحروقات والوقود، وغيرها من السلع المدعومة التي تنهب منذ عقود من قوت الليبيين وتشكل ضرراٍ جسيماً على الاقتصاد الليبي. فالتهريب والإرهاب صنوان تجمعهما المصالح ووحدة الهدف، والشواهد على ذلك لا تستدعي مكابدة الإرهاق الفكري والتعمق في التخمين.

هذا التشابك المرعب بين التهريب والإرهاب يحتم على كل الأطرف، دون استثناء، إعادة بلورة سياساتها حيال ليبيا، وبذل جهود حثيثة لإجراء إصلاحات حقيقية وجوهرية في القطاعات الأمنية والعسكرية التابعة لكافة دول الجوار الإقليمي من آفة الفساد المستشري في بعض عناصرها ومكوناتها، مع الإقرار الصريح والعلني بوقوعه وتحمل مسئولية مجابهته بشيء من الشفافية والتنسيق والحزم.

لقد أثبتت بعض التحريات الأولية الأوروبية عن رصد والقبض على مهربين (غير ليبيين) لمهاجرين سريين (غير ليبيين) وفي قوارب قد تكون غير ليبية! ورغم ذلك تصر الأطراف ذات الصلة، مدعومة بتضليل إعلامي موجه وممنهج، على أن ما حصل يقع “قبالة السواحل الليبية”!، وذلك بغية تعزيز الصورة النمطية السلبية ضد ليبيا والليبيين في المخيال الجمعي، والرأي العام الإقليمي والدولي. كما أن مغزى هذا التحامل المجحف على ليبيا، هو الاستمرار في الإيقاع بها في وحل الاتهامات، والعمل الدؤوب على تصنيفها بالجاني الوحيد في كل القضايا مهما كان مرتكبها وذلك لإجبارها على أن تكون فريسة سهلة للإبتزاز، حينما تقتضي الحاجة والمصلحة والضرورة.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى التغاضي التام عن جرائم تدينها كافة القوانين والأعراف الدولية، منها على سبيل المثال لا الحصر، التلوث البيئي المنبعث من الدول الصناعية المتوسطية، وجرائم صيد الأسماك من قبل أجانب بدون تصريحات رسمية داخل المياه الإقليمية الليبية، ورمي السموم والنفايات النووية قبالة شواطئ ليبيا. هذا لا ينفي ولا يبرئ مطلقاً تورط أطراف ليبية في عصابات التهريب بكافة ألوانه، بل يؤكد ضرورة التعاطي مع كافة الجرائم بروح من الموضوعية والمسؤولية الجماعية.

ومن زاوية أخرى، يجب على الجانب الأوروبي الكف عن التعامل مع دول المصدر (أي الدول الطاردة) من منظور كولونيالي مبني على موروث استعماري، بل يتطلب الأمر دعم شعوب هذه الدول، وليس حاكميها بالطبع، لأنهم (أي الحكام) بلغوا حد الإدمان في التمترس في سدة الحكم والتسلط، وألا يدخرون وقتاً أو جهداً في نهب قوت وثروات شعوبهم، بما في ذلك المساعدات التنموية الدولية التي تخصص لهم.

لقد شهدت العلاقات الليبية الأوروبية، أثناء فترة النظام السابق حالات من التأرجح بين القطيعة والعداء والتطبيع، وذلك وفق بوصلة المصالح الغربية، ومدى تناغمها من عدمه، مع النظام الحاكم في ليبيا، وليس الشعب بطبيعة الحال. بعد الإطاحة بالنظام السابق، وبدعم دبلوماسي وعسكري أوروبي وغربي مكثف وسريع، تخلت دول الشمال عن ليبيا، وتركتها تعاني من تداعيات ما حصل، وخاصة مساعي بناء السلام/الدولة، رغم محاولات دبلوماسية قيادات بعض الدول الغربية (فرنسا/ إيطاليا/ المانيا)، فتح حوار بين “قادة” الأطراف الليبية المتصارعة في كل من باريس وباليرمو وبرلين، إلا أنها لم (خاصة تلك التي رعتها فرنسا وايطاليا)، لم يكتب لها النجاح، ولعدة أسباب، بما في ذلك كونها استهدفت بالأساس رأب صدع البيت الأوروبي، وليس الليبي، كما يبدو جلياً من خلال تفحص ومتابعة مجرياتها ومضامينها ومخرجاتها.

ليس هذا وحسب، لقد تلاشت الرؤية الأوروبية/الغربية الموحدة حيال تفجر صراعات مسلحة داخلية ليبية، وبروز حالة إستقطاب نجمت عنها تدخل دول غربية، وبشكل منفرد وخفي، في تحالفات مع أحد أطراف النزاع. إلا أن مواقف بعض دول الشمال، كإيطاليا مثلاً، ارتأت بحكم خيارها للنهج النفعي الانتهازي في سياستها الخارجية، المراوحة والتذبذب في مواقفها مع طرف أو أخر، وذلك ما وفق ما تمليه الحاجة والمصلحة.

من خلال ما سبق، يجب تكرار التأكيد على أن الأمن والتنمية متلازمتان، ولا يمكن تحقيق إحداهما بمعزل عن الأخرى، وما على المفاوض الليبي، وكل الجهات المعنية، ممارسة مهامها بحذق وحنكة واحترافية، والتحلي بروح وطنية عالية، والعمل وفق هذا التوجه، وخاصة أننا في دولة تتمتع بثروات طبيعية وافرة، ولكنها ناضبة، مما يستوجب العمل بجدية على توظفيها واستثمارها لدعم القدرات (بما فيها المهارات التفاوضية)، وتوجيه نسق علاقاتها مع دول الجوار اذا ما سخرت في الإتجاه الأمثل، وبما يخدم المصالح العليا للدولة الليبية، أو ستضل ليبيا، وللأسف الشديد كبش فداء، بل وفي قفص الإتهام، ومرتهنة لهذا الوهن والهشاشة والاستغلال، حيث ستطال التداعيات السلبية للملفات المعقدة، ومنها ملف الهجرة غير النظامية، كل الأطراف.

ما العمل؟

من خلال ما سبق تناوله، يمكن الإسهام في طرح بعض الأفكار والمقترحات القابلة للتنفيذ والخالية من الطوباوية والترف الفكري، على أن يلتزم الساسة وصناع القرار بالاطلاع عليها ووضعها في عين الاعتبار، مع توافر النية والإرادة الحقيقية، ومن أبرزها:([31])

أولاً) تحديد المفاهيم، وهنا يجب التنبيه إلى أن أهمية افتقار هذا العنصر في كل السجالات الفكرية والمرجعيات القانونية، لأن فرز المصطلحات وتوضحيها وتحديدها، وعدم تفخيخ الصياغات، تعد مفاتيح لتحقيق نتائج إيجابية ومثمرة. فعلى سبيل المثال، يصر الطرف الأوروبي، وعلى رأسه إيطاليا، من خلال أدبياته وخطاباته الرسمية، أو عند إجراء حوارات أو مفاوضات أو مشاورات مع/أو بحضور الجانب الليبي (الرسمي وغير الرسمي) على التمسك باستخدام مصطلحات مثل مراكز “الإيواء/التوطين”، في حين أن الطرف الليبي يعارض هذه التصنيف، ويؤكد أن المراكز في ليبيا هي لغرض التجميع والترحيل. الغاية هنا من قبل الأوروبيين هو فرض سياسة أمر واقع لحق اللجوء، دون مراعاة للتشريعات الليبية التي لا تمنح التمتع بهذا الحق. وفي هذا الصد، تجدر الإشارة إلى ليبيا ليست طرف في “اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين”، رغم محاولات الدول الأوروبية المعنية الدفع بليبيا إلى الانضمام لها، ولأسباب ليست بخافية؛ وعلى الرغم من كونها طرف في “اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية التي تحكم الجوانب المحددة لمشكلات اللاجئين في أفريقيا”، (المعتمدة من قبل القادة الأفارقة في 10/9/1969، والتي دخلت حيز التنفيذ في 20/6/1974)، إلا أن عدم توافر آليات تفعيل نصوص “الاتفاقية”، أوقعها عرضة لعدم التطبيق والتحلل من الالتزام بها.([32]) إن خديعة القفز على هذه الحقيقة تؤدي حتماً إلى التلاعب والتنصل من الالتزامات أو التوظيف السياسي لها، وهذا ما ينعت في الأدبيات ذات  الصلة ب “التأويل العدواني”.([33])

كما يجب التنبيه إلى إشكالية أخرى ذات صلة، والتي تتمثل في ضعف التراجم (سواء منها النصية أو الفورية)، وذلك لكون جلها يعتمد على الترجمة الحرفية، وليس المضمون، ومن قبل مترجمين غير أكفاء في كل لغات الترجمة المكلفين بها، أو يفتقدون للمعرفة والتخصص في الموضوع قيد الترجمة، وهذا الخلل ذو التداعيات السلبية، تعاني منه أغلب المؤسسات الوطنية والإقليمية والدولية. مرد ذلك، في تقديري، يعود للمحاباة في التكليفات المتعلقة بمهام التراجم، أو لأسباب غرضية تصب في خانة تعمد الغموض والتمييع والتأويل، كما أوضحنا أعلاه.

ثانياً) عدم الارتهان في تناول الموضوع لمقاربات ومداخل أمنية وسياسية فقط. أي بمعنى، عدم التشبث بحصره، وخاصة من قبل الدول الأوروبية، في زوايا الأمننة التقليدية الضيقة والتسييس المفرط)، بل وجوب الخوض فيه من كافة الأبعاد والاتجاهات (تنموية/ اقتصادية/ قانونية/ تاريخية/ إنسانية/ مجتمعية/ ديموغرافية)، وغيرها. هذا يتطلب العمل على اتخاذ إجراءات رادعة حيال التوظيف غير اللَّإنساني لملفات الهجرة واللجوء الذي تتنهجه عديد القيادات والحكومات “لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد، والمخاطرة بتغذية الحركات الشعبوية”.([34])

ثالثاً) يكاد كل المسؤولين في سلطات ودوائر أتخاد القرار بدول المصدر والعبور على حد سواء، خلال تواصلهم أو مفاوضاتهم البينية أو الجماعية مع نظرائهم في دول المصدر، التأكيد على ضرورة ربط ظاهرة الهجرة بالتنمية، وذلك عبر مطالبة دول الشمال بالتركيز على الأسباب (العوز) وليس النتائج (الهجرة) فقط. أي أن الظروف الاقتصادية والمعيشية السيئة، وخاصة في دول المصدر، هي التي تجبر شريحة كبيرة من مواطنيها على خيار البحث عن حياة أفضل. وفق هذه الرؤية، يستوجب على دول المقصد إقامة ودعم مشاريع تنموية في بؤر المصدر بغية تحسين الأوضاع الحياتية والحد من الهجرة. بالرغم من أهمية وأحقية هذا الطرح، إلا أن الدفع به، دون رقابة صارمة وشفافة، سوف لن يجدي نفعاً في دول المصدر (والعبور كذلك) في ظل تفشي الفساد المالي والإداري، وعلى كافة المستويات؛ أي بمعني، لا تنمية في بيئة فاسدة.

رابعاً) الإقرار بتلازم الهجرة غير النظامية بالجريمة المنظمة عبر الوطنية، وهذا يستدعي إجراءات محددة في ملاحقتها وتعقبها والحد من انتشارها وتفاقمها، ومنها: تشكيل لجان تقصي حقائق من كل الدول والأطراف المعنية تقوم بمهمة جمع المعلومات من كل الدول المعنية، وبكل شفافية وإستقلالية ومهنية، وبدون إستثناء.

خامساً) إنشاء شبكة مشتركة تشمل خبراء وتنشئ قاعدة بيانات ومراكز مستقلة (مادياً وإدارياً) للدراسات والرصد واستقاء ونشر الحقائق، بدلاً من التعويل المفرط على المنظمات الدولية المعنية لكونها غير قادرة على تتبع التفاصيل في ظروف الدول التي تمر بحالة هشاشة أمنية كليبيا، أو تكليف “مؤسسات مجتمع مدني” غير مؤهلة بسبب عدم تخصصها وحداثة عهدها في ليبيا، أو لأغراض ربحية/استرزاقيه دون مراعاة لمدي حساسية الأمن الوطني/المعلوماتي، أو لكونها تعاني من إشكالية عدم الحيادية المهنية والفكرية.

سادساً) مضاعفة الضغط على الحكومات الأوروبية المعنية، عبر مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان الأصيلة، بالكف عن تمكين ودعم الأنظمة التسلطية القمعية في دول الجنوب، والعمل الجاد على منع الصراعات (بدلاً من صناعتها وتغذيتها وتأجيجها)، ومؤازرة جهود صنع وبناء السلام وتعزيز قيم ثقافة الديمقراطية. إن الحالة الليبية، وكما أوضحنا سلفاً في هذه الدراسة، تؤكد جلياً مدى التداعيات السلبية التي نجمت عن السياسيات الغربية حيال ليبيا.

سابعاً)  الحاجة إلى التخلي عن التعويل المطلق على سياسات التعاطي مع ملف الهجرة غير النظامية من قبل دول المقصد (الأوروبية)  مع دول المصدر والعبور (في غرب وشمال أفريقيا)، وبشكل ثنائي/ منفرد، والعمل على تشجيع ودعم تأسيس تجمعات ومبادرات إقليمية مشتركة (رسمية/ غير الرسمية) من قبل دول المصدر والمنظمات المعنية، والقوى الدولية الفاعلة في النظام الدولي؛ على أن تشمل هذه المؤسسات خبراء وأكاديميين ومهتمين من دول المصدر والعبور، وتكون منفصلة وفق “ثلاثية” أبعاد الظاهرة، وتعمل تحت إشراف لجنة توجيه/قيادة (steering committee) تتمتع بالمصداقية والشفافية والإستقلالية الإدارية والمالية.([35])

ثامناً) التزام الطرف الأوروبي (دول المقصد) بتنفيذ التعهدات التي قطعها على نفسه من خلال ما تم التوصل إليه من اتفاقيات ومعاهدات والتي أبرمها مع دول العبور/ المقصد (حالة ليبيا – إيطاليا أنموذجاً).

وفي الختام، يجب التأكيد بأن الغرض من الدراسة ليس تحميل طرف دون المسؤولية دون الأخر عن الإخفاقات الناجمة عن كيفية التعاطي مع ملف الهجرة غيرة النظامية وما نجم عنه تداعيات سليبة، بل الحث على إعادة النظر في سياسات ومنظمات الدول المعنية بغية تطوير التعاون الفعلي بما يضمن مصالح كل الأطراف، وعلى رأسها احترام الضمير الإنساني العالمي، ومراعاة كرامة وأدمية وعقول البشر.

المصادر والمراجع

[1] أنظر:

أحمد علي الأطرش، تسوية المنازعات الدولية: مدخل نظري في الوساطة الدولية، (طرابلس، ليبيا: الدار الأكاديمية للطباعة والتأليف والترجمة والنشر، 2009)، ص ص. 47-54.

Ahmed AL-ATRASH, Inter-Arab Management of Regional Conflicts: The League of Arab States and the Algeria-Morocco Case, 1963-1995 (Saarbrücken, Germany, LAP LAMBERT Academic Publishing, 2010), pp. 26-29.

للإطلاع على النموذج المطور للدبلوماسية غير الرسمية، وكذلك معلومات تفصيلية قيمة حول دبلوماسية المسارات المتعددة، زر:

‘Theory of Multi-Track Diplomacy’, Institute for Multi-Track Diplomacy (IMTD), www.imtd.org

[2] أنظر: قسم الدراسات والبحوث، ’ظاهرة الهجرة غير الشرعية‘، (قسم الدراسات والبحوث، موقع شبكة الجزيرة الإلكتروني،11/3/2005(، www.aljazeera.net

[3] في هذا الصدد، وعلى سبيل المثال، يجب ألا نهمل حقيقة اغتنام الدبلوماسية الايطالية فرصة الفترة التي تولت خلالها السيدة فيديريكا موغيريني ((Federica Mogherini، وزيرة الخارجية الإيطالية الأسبق (21/02–31/10/2014) الفترة التي تقلدت فيها منصب مسؤولية الشؤون الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي، والتي أزعم بأنها كثفت نشاطاتها واهتماماتها لتسخير وتوظيف أزمة الهجرة غير النظامية لتعزيز موقف بلادها في سياسات الاتحاد الأوروبي، ورغبتها المبطنة لتحقيق مكاسب سياسية شخصية، واستثمارها في تولي مناصب قيادية لاحقاً في موطنها.

[4] رغم تباين وتذبذب حجم ميزان المبادلات التجارية بين ليبيا وإيطاليا، وبالأخص واردات إيطاليا من النفط والغاز، نظراً للتوظيف السياسي له من قبل النظام السابق، ونتيجة للأوضاع الأمنية عقب إنتفاضة 2011، إلا أن إيطاليا، ولعدة أسباب ومزايا، تعول بشل كبير على ليبيا في إمدادها بهذا المصدر للطاقة، مما جعلها في صدارة الدول والشركات المستوردة والمستثمرة في هذا القطاع. كما أن شركة ايني الإيطالية (أي “الوكالة الوطنية للمحروقات” (ENI-Ente Nazionale Idrocarburi) تعلب دوراً مركزياً في هذا المجال، وشريكاً استراتيجياً للمؤسسة الوطنية الليبية. فعلى سبيل المثال، قامت هذه الشراكة (في صيغة ائتلاف تحت مسمى “الدفق الأخضر” (Green Stream)، بالإتفاق على إنشاء أول خط تصدير للغاز (من ليبيا إلى جزرة صقلية الإيطالية) عبر البحر المتوسط (بطول حوالي 530 كم، وبعمق بحري يصل 1127 م، وبتكلفة قدرها 8.7 مليار يورو). عام 2007، وبعد الإنتهاء من محطة المعالجة والضغط في منطقة مليتة (80 كلم غرب طرابلس. لقد بدأ المشروع تصدير مليارات الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي، مما أمَنَ في بعض الفترات نصف إستهلاك أيطاليا منه، والذي يتم نقله من عبر الأنابيب من حقل بحر السلام (120 كلم شمال ساحل ليبيا الغربي)، وحقل الوفاء (525 كلم في الجنوب الغربي)، ومنهما إلى محطة مليته، ثم يصدر (بعد معالجته) إلى صقلية وايطاليا، وباقي دول أوروبية. المعطيات كما وردت في: ’مشروع غاز غرب ليبيا‘، https://www.marefa.org

أنظر أيضاً:

’العلاقات الاقتصادية بين إيطاليا وليبيا‘، (الموقع الإلكتروني للسفارة الإيطالية في طرابلس)، https://ambtripoli.esteri.it/ambasciata_tripoli/ar/i_rapporti_bilaterali/cooperazione_economica/

  • ’إيطاليا أكبر مستورد للنفط الخام الليبي‘، (موقع عين ليبيا الإلكتروني، 18/3/2012)، https://eanlibya.com

[5] للتوضيح، أتسمت هذه الحقبة بالأوتوقراطية، أي إلإحتكار الفردي للسلطة من قبل معمر القذافي، ليس من واقع سياسة القوة وفرض الأمر الواقع فقط، بل شُرعنت من قبل ما كان يسمى “مؤتمر الشعب العام” حين أصدر القانون رقم (1) لسنة 1990، تحت مسمى “وثيقة الشرعية الثورية”، التي أقرت بأن التوجهات التي تصدر من العقيد معمر القذافي (الذي كان ينعت “قائد الثورة”) تكون ملزمة وواجبة التنفيذ، و”إن الشرعية الثورية التي يجيدها ” قائد الثورة” تستند على “قانون الثورة الطبيعي وهي بذلك حق مكتسب له دون غيره لكونه عقل الثورة ورمزها وهي غير قابلة للنقض أو السحب”، وأنه “يعطي الحق للقائد أن يقود الثورة بالجماهير أو يكلف من يريده لتحقيق ذلك”، وأضاف “إن الشرعية الثورية المتجسدة في الأخ /القائد لا تقتصر على الجماهير الشعبية في ليبيا وحدها بل تتجاوزها للمتعطشين للحرية والثورة والانعتاق في أي مكان في العالم…”. أنظر: ’قانون رقم (1) لسنة 1990م بشأن إصدار وثیقة الشرعیة الثوریة‘ في:

https://security-legislation.ly/sites/default/files/lois/1073-Law%20No.%20%281%29%20of%201990_AR.pdf

[6] ’«لعنة النفط الليبي» تطارد «مهربيه» بعد عامين من مقتل الصحفية المالطية غاليتزيا‘، (القاهرة: موقع بوابة الوسط الإلكتروني، 7/12/2019)، http://alwasat.ly/news/libya

لمزيد التفاصيل حول هذه القضية، وجرائم تهريب النفط الليبي ذو الجودة العالية والقرب الجغرافي، أنظر، على سبيل المثال، مجموعة المقالات ذات الصلة، والمنشورة في:

http://alwasat.ly/news/tags

https://strategianews.net

https://www.theguardian.com/membership/2020/feb/08/malta-daphne-caruana-galizia-murder-journalist-investigation

https://www.bbc.com/news/world-europe

[7] ’إعلان لاهاي بشأن مستقبل السياسات المتعلقة باللاجئين والهجرة‘ (الديباجة والمبادئ والشرح)، جمعية التنمية الدولي/ فرع هولندا، مشروع مستقبل اللجوء والهجرة (مرفق لرسالة موجهة إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة  خلال الدورة  57 للجمعية (ديسمبر 2002)، من قبل الممثلين الدائمين لدولتي سويسرا والنرويج لدى الأمم المتحدة، بتاريخ 21/11/2002)، ص ص. 7 و 18.

[8] نفس المصد، ص ص. 10 و27.

  • فيما يتعلق بإحدى الرؤى المتعلقة بحالات التعاطي الإعلامي في بعض دول العبور والمقصد، انظر مثلاً: عبدالوهاب الرامي، ’الإعلام والهجرة غير الشرعية.. التباس تبرير تنميط‘، )موقع شبكة الجزيرة الإلكتروني، 11/3/2005) aljazeera.net

[9] نسخة من تقرير تحصل عليها الباحث، أعداد: سعد الشلماني (الخارجية الليبية) حول  ’دورة المفاوضات الرسمية الأولى‘ بين ليبيا والاتحاد الأوروبي.

[10] أنظر:

Delegation of the European Union to Libya, Terms of Reference, Technical Assistance for the Identification and Formulation of a “Programme of Support to the Libyan Authorities in the Field of Migration”, Request for Services 2010 / 255010 Version 1, Lot 7 – Governance and Home Affairs, November 2010.

[11] كما حصل في إيطاليا حين رفض ماتيو سالفيني (Matteo Salvini)، نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية (2018 – 2019)، وهو من أبرز اليمينيين المتطرفين (رابطة الشمال) عدم السماح لسفن “عملية صوفيا” (سنتطرق إليها لاحقاً)، من الرسو في الموانئ الإيطالية بعد إنقاذ المهاجرين غير النظاميين من الغرق، الأمر الذي أدى إلى فشل “العملية” إثر سحب الدول الأوروبية المشاركة لسفنها منها.

[12] منذ إعلان استقلال ليبيا في 24/12/1951، وعقب حقبة من الاستعمار الإيطالي لليبيا (1911- 1943)، أبرم الجانبان حزمة تفوق 26 من الاتفاقيات والبروتوكولات والمعاهدات، إلا أن الدراسة، ولدواعي منهجية، ستركز على الفترة التي برزت في ظاهرة الهجرة غير الشرعية.

[13] حول مغزى ونتائج هذه الزيارة، أنظر: محمد عبد العاطي، ’مشكلة الهجرة غير الشرعية في ليبيا‘ (موقع شبكة الجزيرة الإلكتروني، 11/3/2005) www.aljazeera.net

[14] لكونها تشكل ركيزة محورية بارزة (ولو نظرياً) لما توصل له الطرفان من تفاهمات واتفاقيات، سنشير إليها إختصاراً في بعض مفاصل ما تبقى من هذه الدراسة ب “معاهدة الصداقة”. سنتطرق إلى أهم ما ورد في هذه “المعاهدة”، ومدى الإلتزام بها، لاحقاً.

[15] قانون رقم (2) لسنة 2009 بشأن التصديق على معاهدة الصداقة والشراكة والتعاون بين (ليبيا) وايطاليا، سرت، 1/3/2009.

[16] من نسخ لإحالات ومستندات رسمية تحصل عليها الباحث، شملت:

  • اتفاق بشأن إضافة مادة إلى الاتفاق الموقع بين (ليبيا) وايطاليا بتاريخ 29/12/2007 (غير ممهور بتوقيعات).
  • محضر وقائع الاجتماعات التي جرت بين الجانبان الليبي والايطالي بمدينة طرابلس (19-21/1/2009) (ممهور بتوقيعات مدير إدارة الشؤون الأوروبية (الخارجية الليبية) ومدير الإدارة المركزية للهجرة وشرطة الحدود (ايطاليا).
  • وثيقة إضافية للبروتوكول بين (ليبيا) وايطاليا لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية الموقع في طرابلس بتاريخ 29/12/2007 (غير ممهور بتوقيعات).

[17] المواد (8) و (10) من “المعاهدة”

[18] المواد (8) و (9) و (11) من “المعاهدة”

[19] على سبيل المثال، لم تشر “المعاهذه”، وكما هو متعارف عليه في حالات مماثلة، إلى مدة نفاذها، بل أكتفت بالنص على إمكانية تعديلها “بموجب إتفاق مسبق بين الطرفين …”، وبناءً على إجراءات محددة (المادة 23/ الفقرة 4/ أحكام ختامية). كما أن “المعاهدة”، وفق المشترطات الإيطالية الواردة في المادة 19 (الفقرة 2)، حمَّلت الإتحاد الأوروبي مسؤولية التغطية المالية لنصف تكاليف ’منظومة المراقبة‘، ودون حصولها على موافقته مسبقاً، لأنها أقحمت الطرف الليبي أيضاً في مساعي الحصول على هذه التغطية.

[20] وفق تقارير المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، وعلى سبيل المثال، خلال عام 2016، أنقدت قوات خفر السواحل الليبية، 18,904 مهاجر حاولوا عبور البحر المتوسط الوصول إلى أوروبا، إلا أن 4،576 من هؤلاء لقوا حتفهم، بينما تمكن 181,436 من الوصول إلى إيطاليا بمساعدة عدة منظمات غير حكومية تعمل تحت إطار زوارق “البحث والإنقاذ” (search and rescue – SAR)، أي زوارق الإتحاد الأوروبي العاملة تحت تفويض “EU NAVFOR Med Task Force”، أو ما تعرف بمسمى “عملية صوفيا” (Operation Sophia)؛ وكذلك وكالة الإتحاد الأوروبي لأمن الحدود – فورنتكس (the European Union’s border security agency – FRONTEX ) التي شملت في التنفيذ عملية تريتون (Operation Triton) العاملة تحت إشراف/قيادة السلطات الإيطالية منذ 1/11/2014، والمتضمنة مساهمات تطوعية من 15 دولة أوروبية أخرى (أعضاء وغير أعضاء بالإتحاد الأوروبي).

كما ورد في”ورقة السياسات” (Policy Paper) التالية:

Zakariya El Zaidy, ‘EU Migration Policy towards Libya: A Libyan Perspective on the Memorandum of Understanding between Italy and Libya’, (Friedrich Ebert Stiftung, (FES), August  2017), https://library.fes.de/pdf-files/bueros/tunesien/13752.pdf, p.1.

[21] أنظر:

Zakariya El Zaidy, EU Migration Policy towards Libya: A Libyan Perspective on the Memorandum of Understanding between Italy and Libya’, op.cit., p.7.

[22] أنظر مثلاً: محمد عبد العاطي، ’مشكلة الهجرة غير الشرعية في ليبيا‘، مصدر سبق ذكره.

[23] أنظر: إبراهيم الطاهر أحمد الفرجاني، ’مكافحة الهجرة غير الشرعية بين القانون الدولي والقانون الوطني الليبي‘، (صبراتة: مجلة المتوسط، العدد الثالث، السنة الثانية، يونيو 2019)، ص ص، 21 و25.

أنظر أيضاً: البشير علي الكوت، ’الأبعاد السياسية والأمنية والقانونية والإنسانية في ظاهرة الهجرة غير القانونية في ليبيا‘، (صبراتة: مجلة المتوسط، العدد الأول، السنة الأولى، يونيو 2018)، ص. 37.

لمزيد التفاصيل حول التنظيم التشريعي الليبي للهجرة حتى عام 2008: أنظر، على سبيل المثال: عمران عبد السلام الصفراني وحسين صالح جوان، الهجرة الدولية إلى ليبيا، (طرابلس: المنظمة الدولية للهجرة، 2008)، ص ص، 31-75.

[24] طارق خالد الإدريسي “مراحل تطور مكافحة الهجرة غير الشرعية في القانون الليبي”، (صبراتة: مجلة المتوسط، العدد الأول، السنة الأولى، يونيو 2018)، ص ص، 9-11.

[25]  على سبيل المثال، ولنفس الدواعي والمآرب، صدر القانون رقم 18 لسنة 1980  الذي ابتدع ما سميت ب “الجنسية العربية”، وأقر بموجبه منحها لكل عربي يقيم في ليبيا، وأعطى الأحقية لكل من يتمتع بها أن يعامل أسوة بمعاملة الليبيين من حيث الحقوق، مما أدى إلى تعارض قانوني (مع قانون الجنسية الليبي رقم 17 لسنة 1954 الذي يمنع ازدواجية الجنسية)، واستياء شعبي مستتر بسبب مدى الانتهازية التي مورست تحت طائلته، بما فيها الاستيلاء على ممتلكات وأرزاق الليبيين وفق توجيهات القذافي ومقولات كتابه “الأخضر”، مثل: “البيت لساكنه”، و “شركاء لا أجراء”، و “السيارة لمن يقودها”، وغيرها.

[26] نسخة من إحالة لتقرير تحصل عليه الباحث، أعده “فريق عمل مصغر” من (وزارتي الخارجية والأمن العام) وموجه من قبل فيما كان يسمون أنداك “أمين اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي” (وزير الخارجية) إلى “أمين اللجنة الشعبية العامة” (رئيس الوزراء). تضمن التقرير “الظروف – الاحتياجات – الحلول المقترحة”، وتناول بشيء من التفصيل أعداد المراكز والمتسللين بها، وجنسياتهم، والصعوبات التي تواجه المكلفين بإدارتها.

[27] صدر هذا القانون في 25/1/2010 من قبل ما كان يسمى “مؤتمر الشعب العام”، ونشر بالجريدة الرسمية في 15/6/2010.

[28] طارق خالد الإدريسي “مراحل تطور مكافحة الهجرة غير الشرعية في القانون الليبي”، مصدر سبق ذكره، ص ص، 14-16.

[29] ’ألمانيا تعتزم المشاركة بمئات العسكريين في عملية “إيريني” قبالة ليبيا‘، (موقع “الأمن والدفاع العربي” الإلكتروني – SDA)، 4/2020، www.sdarabia.com

[30] إستناداً على قراري مجلس الأمن رقم 1970، فقرة 9 (26/2/2011) ورقم 2292 (14/6/2016) المتعلقان بحظر توريد وتهريب الأسلحة إلى ليبيا، وفي إطار عمليات “EU NAVFOR Med” ، وتحت تفوضيها، وعقب فشل “عملية صوفيا”، أطلق الإتحاد الأوروبي مهمة أمنية أوروبية بديلة تحت مسمى “عملية ايريني”  (أي “عملية السلام” باللغة اليونانية”). تهدف هذه “العملية” إلى: مراقبة وحدات عسكرية بحرية وجوية وعبر الأقمار الصناعية لحظر وتوريد السلاح إلى ليبيا (يشمل ذلك ما تمخض عنه الإتفاق الأمني بين تركيا و”حكومة الوفاق”)؛ وتدريب عناصر قوات خفر السواحل الليبية في مجال مكافحة تهريب البشر؛ وجمع معلومات حول الصادرات غير القانونية للنفط الليبي، على أن تستمر لمدة عام قابلة للمراجعة كل أربعة أشهر. كما تجدر الإشارة هنا أن المفاوضات، والتي تمخضت عنها هذه الآلية الجديدة، تضمنت رفض إيطاليا لإستقبال المهاجرين غير النظاميين على أراضيها، وموافقة اليونان على ذلك وفق مشترط توزيعهم لأحقاَ على دول أوروبية أخرى، مع إغتنام فرصة حصولها على مزيد الدعم المالي والسياسي والعسكري لليونان في مواجهة أزماتها الإقتصادية، ومؤازرتها في خلافاتها الحادة مع الجارة تركيا. إلا أننا نرى أن تنفيذ “العملية” سيواجه عدة صعوبات، لعل أبرزها: إعتراض “حكومة الوفاق” (في الغرب الليبي) عليها لكونها لا تراعي عمليات تهريب الأسلحة عبر حدود ليبيا الشرقية؛ وتداعياتها السلبية على تعاملها في مكافحة تهريب البشر كما حصل مع سابقتها (عملية صوفيا)؛ وعدم التوافق الأوروبي حول الدور التركي في ليبيا؛ وإمكانية التحايل عبر تواصل جلب السلاح والمرتزقة إلى ليبيا عبر الطائرات المدنية، وسبل أخرى؛ وكذلك نمط تحالفات بعض الأوروبية مع أطراف الصراع في ليبيا، ناهيك عن التشكيك والقلق الروسي بخصوص الشرعية الدولية على “العملية”.

أنظر:

https://www.consilium.europa.eu/en/press/press-releases/2020/03/31/eu-launches-operation-irini-to-enforce-libya-arms-embargo/

https://unsmil.unmissions.org/ar

https://www.ecfr.eu/article/commentary_the_eus_irini_libya_mission_europes_operation_cassandra

https://www.alaraby.co.uk/politics/2020/4/8

[31] في هذا الصدد، أنظر أيضاً: الحسن بوقنطار، ’آليات مواجهة الهجرة السرية‘، (موقع شبكة الجزيرة الإلكتروني، 11/3/2005)  www.aljzeera.net

[32] في هذه الجزئية الأخيرة، أنظر مثلاً:

Azza Maghur, ‘Libya: the Legal Dimension of Migration’ (CARIM Mediterranean Report 2008-2009), p. 175.

[33] هذا ما حصل مثلاً مع الجانب الليبي الرسمي في جولة مفاوضاته الأولى مع الاتحاد الأوروبي والمتعلقة بالاتفاقية الإطارية. أنظر: سعد الشلماني (الخارجية الليبية)، تقرير حول ’دورة المفاوضات الرسمية الأولى‘ بين ليبيا والاتحاد الأوروبي، أ- الديباجة، ص ص 4-5، مصدر سبق ذكره.

[34]

The Hague Process on Refuges and Migration, ‘Global Hearing on Refugees and Migration’, 4-5 June 2012, p. 22.

[35] فيما يتعلق بأهمية الفكرة/الطرح، مع أمثلة تشير إلى تبنيها وتطبيقها في في حالات مماثلة من العالم، أنظر على سبيل المثال:

’إعلان لاهاي بشأن مستقبل السياسات المتعلقة باللاجئين والهجرة‘، مصدر سبق ذكره، ص ص. 5 و 13.

أنظر أيضاً:

New York Declaration for Refugees and Migration, Resolution (A/RES/71/1) adopted the General Assembly (UN) on 19 September 2016, p. 4.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. أحمد علي الأطرش

أستاذ العلوم السياسية بجامعة طرابلس

اترك تعليقاً