الّلحم الحلال يسمّم الحملة الانتخابية لليمين الفرنسي

ساركوزي يصطاد في أرض اليمين المتطرف

لا زال الجدل حول طريقة ذبح الحيوانات التي يتبعها المسلمون واليهود في فرنسا، والتي أثارت زوبعة في الأوساط الدينية ‏والسياسية، تستقطب اهتمام الصحافة المحلّية رغم المحاولات التي بُذلت لجبر خواطر ممثّلي الديانتين. وبسبب هذه القضيّة التي فجّرتها مارين لوبان، مرشّحة اليمين المتطرف للانتخابات الرئاسية، وركب موجتها الحزب الحاكم لاستهواء الطبقات الشعبية، وجد المسلمون واليهود أنفسهم في نفس الخندق في بلد لا يخفي التزامه الصارم بالعلمانية وبتعايش الثقافات والحضارات.

الشّرارة

اندلعت الشرارة الأولى لقضية اللحم الحلال عندما ادّعت زعيمة “الجبهة الوطنية” اليمينية المتطرفة خلال مهرجان انتخابي في فبراير/شباط بمدينة ليل أن كل مسالخ المنطقة الباريسية تذبح على الطريقة الإسلامية وأن الملايين من الفرنسيين يستهلكون لحماً حلالًا دون أن يعرفوا بذلك.

في البداية، استهجن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي هذا الموضوع واعتبره سخفا. ثم عاد مرشّح حزب “الاتحاد من أجل حركة شعبية” اليميني الحاكم ليركز عليه لمّا شعر بأنه استقطب اهتمام شريحة كبيرة من المجتمع، بالخصوص الأشخاص الذين تزيد ‏أعمارهم عن 65 عاما ويشكلون القاعدة الانتخابية للتيّار اليميني.

فدعا ساركوزي إلى وضع ملصّق على جميع اللحوم لتوضح الطريقة التي ذبحت بها. وتحوّل اللحم الحلال واللحم الكاشير إلى موضوع انتخابي ودخلا في قلب الحملة اليمينية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في 22 أبريل و6 مايو.

وازداد الجدل اشتعالا بعد تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون الذي وصف طريقة ذبح الماشية التي يتبعها المسلمون واليهود ‏بأنها “أساليب قديمة لم تعد تتلاءم مع العصر” ودعا المسلمين واليهود في ‏فرنسا إلى الرجوع عن “تقاليد أسلافهم” فيما يتعلق بذبح الماشية.

وقال فيون في تصريح لإذاعة “أوروبا 1” أن “تقاليد الذبح التي كان يطبقها ‏الأسلاف لم تعد صالحة اليوم .. ونحن في دولة حديثة”.‏

وزاد وزير الداخلية كلود جيان الطّين بلّة عندما قال بشيء من التهكّم أن منح حق التصويت في ‏الانتخابات المحلية للأجانب الغير المنحدرين ‏من الدول الأوروبية في التصويت في الانتخابات المحلية ـ كما يقترح الحزب الاشتراكي ـ سيؤدي “بالأجانب إلى فرض إلزامية الوجبات ‏الغذائية الحلال” في المطاعم المدرسية.‏

ردود فعل غاضبة

أعرب حاخام فرنسا الأكبر جيل برنايم عن “انزعاجه الشديد” من هذا الجدل الذي ‏‏”يجب أن لا يثار‎”.‎‏ وأضاف متسائلا “إن مشاكل فرنسا كبيرة للغاية، ونحن في فترة أزمة، فما الداعي ‏لأن يثير موضوع اللحم الكاشير واللحم الحلال مشكلة كبرى لفرنسا؟”.‏

وأعرب رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية، ريشار براسكييه، عن “صدمته” ‏إزاء التصريح “الغريب” الذي أدلى به فيون، معتبرا أن على السلطة التنفيذية “أن لا تتدخل في ‏الشعائر الدينية‎.‎‏”

وأبدى”المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية”، الذي يتجنب عادة التدخل في الجدل العام، تخوفه من أن يُستخدم الإسلام والمسلمون “كبش فداء في هذه الحملة‎”‎ الانتخابية‏‎.

وقال رئيس المجلس، الشيخ محمود الموسوي، أن “الدولة علمانية ولا تحدد الممارسات الدينية للعبادة”، مشيرا إلى أن “القيد الوحيد يتمثل في النظام العام للدولة”. وأوضح أن “ذبح الماشية وفقا للشريعة الإسلامية لا يقوم على تعذيب الماشية”.

وبدوره، قال الأسقف الكاثوليكي ميشال دوبو إن الحكومة في بلد علماني مثل فرنسا “لا ينبغي ان ‏تتدخل في شؤون الديانات‎”.

اليسار يقطف الثمار

وجاءت الانتقادات أيضا من داخل فريق ساركوزي نفسه. فاتهمت وزيرة العدل السابقة رشيدة داتي، وهي ابنة عائلة مسلمة، خصمها اللّدود فرانسوا فيون بأنه “حشر نفسه في الشعائر الدينية. وهو بذلك تجاوز اختصاصاته”.

وكانت داتي قد اتهمت فيون بمحاولة خطف منصبها كعمدة للدائرة السابعة في باريس.

وقال وزير الخارجية آلان جوبيه أن مسالة اللحم الحلال “مشكلة مصطنعة”، مشيرا إلى أن موضوع “صدام الحضارات” ليس من الأمور التي يحب الخوض فيها.

وسارع مرشح اليسار جان لوك ميلانشون إلى التنديد بنزوع اليمين نحو اليمين المتطرف.

أما المرشح الاشتراكي للرئاسيات، فرانسوا هولاند، فقد دعا الرئيس ساركوزي ورئيس وزرائه ‏إلى “التحلي بضبط النفس وعدم الإساءة للنفوس”.

واتهم هولاند اليمين بالدخول في “مزايدات”، مؤكدا أن “أمامنا رهانات كبرى (…) ويحاول اليمين ‏إقحامنا في حملة حول اللحوم الحلال، فقط لأن السيدة مارين لوبين تحدثت عن ذلك”. ‏وانتقد المرشح الاشتراكي ما أسماه “نقاشات مغلوطة وسجال غير مجدي” حول مواضيع سبق ‏وأن استغلها مرشحون آخرون.

كما وعد هولاند خلال استقباله الأربعاء الشيخ محمود الموسوى ورئيس مسجد باريس الكبير الشيخ دليل بوبكر بإدخال تعديل على دستور عام 1905 للتأكيد على “فصل الدين عن الدولة” فى حال فوزه وصوله إلى الإليزيه. وبحسب استطلاعات الرأى، فإن هولاند هو المرشح الأوفر حظا فى الفوز فى الانتخابات.

“التهدئة”

أمام هذا المنعطف الديني والعقائدي الذي أخذت الحملة اليمينية، في وقت تؤكد فيه استطلاعات الرأي تقدم مرشح الحزب الاشتراكي على الرئيس المنتهية ولايته، كان لا بد من تهدئة الخواطر.

فقال ساركوزي قبل يومين على القناة الثانية “أريد أن يهدأ الجميع، لقد سئمنا من كل هذا السجال”.

وعقد ساركوزي اجتماعا لـ”هيئة الشؤون الإستراتيجية” – ‏التي تضم على الخصوص كلا من فرانسوا فيون وألان جوبي ‏وجون بيير رافاران (رئيس الوزراء الأسبق) وجون فرانسوا كوبي (الأمين العام للاتحاد من أجل ‏حركة شعبية)،حيث شدد معظمهم على أن قضية “اللحوم الحلال” ليست موضوعا يستأثر ‏باهتمام الفرنسيين، وبالتالي يجب التركيز على قضايا أهم، اجتماعية واقتصادية، ترتبط بالواقع اليومي ‏للشعب الفرنسي.‏

غير أن ساركوزي واصل سيره في طريق الموضوعات التي يعشقها جمهور “الجبهة الوطنية” خلال المناظرة المتلفزة مع لوران فابيوس، رئيس الوزراء الاشتراكي السابق، عندما ندّد بالمهاجرين الذين تستقبلهم فرنسا.

‏وقال “يجب أن نقسم بالنصف عدد الأشخاص الذين نستقبلهم، أي تخفيض عددهم من 180 ألفا كل عام ‏إلى نحو 100 ألف. الأجانب كثيرون جدا على أرضنا. ونظام اندماجهم في مجتمعنا يعمل أكثر وأكثر ‏بصعوبة لأننا لم نعد نستطيع إيجاد لهم مأوى ووظيفة ومدرسة”.‏

وعلّقت صحيفة لوموند في افتتاحيتها على هذا التصريح بالقول أنه ‏من الصادم أن يقول ساركوزي، وهو أصلا ابن مهاجر، أن ‘‏هناك أكثر مما ينبغي من المهاجرين في ‏فرنسا’‏

أما صحيفة لوفيغارو اليمينية فكتبت تقول أن “ساركوزي يواصل مخاطبته ناخبي الجبهة الوطنية ومحاولاته كسب ود الطبقات الشعبية التي ساندته في العام 2007”.

‏خلال المقابلة التلفزيونية مع القناة ‏الفرنسية الثانية، قال ساركوزي “إذا كانت لوبين تقول أن السماء زرقاء، فلن أدعي العكس. وإذا قالت ‘‏أحب ‏فرنسا ‘‏، فأنا أيضا أكن لفرنسا نفس الحب”. ‏

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً