تسليم موارد ليبيا للوصاية الأجنبية بحجة الشفافية خيانة عظمى

تسليم موارد ليبيا للوصاية الأجنبية بحجة الشفافية خيانة عظمى

عبدالمجيد بريش

رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار السابق

قد يكون البعض منكم قد لاحظ أن هناك اتجاه تدعمه بعض الدول الأجنبية وبعض  الأطراف الليبية لتسليم إدارة البلاد  ومواردها إلى وصاية أجنبية بحجة  الشفافية، ولتكشف دخل البلاد من بيع  النفط الخام ومنتجاته والمصروفات المنتجة من استيراد المواد بالعملة الصعبة والمصروفات الحكومية محلياً بالدينار الليبي.

حتى يومنا هذا لا نجد أي موقف واضح أو تصريحات رسمية في هذا الشأن لا من السلطة التنفيذية ولا التشريعية ولا الرقابية.

هذا الأمر في بالغ الخطورة ولم يحدث في تاريخ ليبيا إلا في حكم الاستعمار الإيطالي ولمدة قصيرة كانت تحت الوصاية الإنجليزية بعد الحرب العالمية الثانية.

لست متأكدًا مما إذا كانت الأطراف المعنية أعلاه تدرك حساسية الموقف والخطر الذي يُهدد البلاد فيما لو تحقق هذا الأمر، وكافة فروع الدولة كالمؤسسات التنفيدية والرقابية والتشريعية جلهم مسؤولون أمام القانون والقضاء والمجتمع الليبي عاجلا أم آجلا عن إهمال الأمر وخيانة أمانة الوظيفة لترك أموال الدولة تدار من قِبل جهات خارجية وعدم اتخاذ أي موقف جدي في سبيل إيقاف هذه الانتهاكات.

وقد رأينا كيف أدت هذه الأحداث المماثلة ببعض الدول إلى سرقة المليارات من قِبل أطراف خارجية مثلما حصل في  العراق تحت الإدارة الامريكية، ورأينا مؤخراً بالنسبة لأفغانستان تخصيص احتياطاتها بالعملة الأجنبية المجمدة في البنوك الأمريكية لضحايا تفجيرات 11من سبتمبر من قِبل الولايات المتحدة، على الرغم  من أن حكومة أفغانستان ومواطنيها لا علاقة لهم بهذا الأمر.

هذا التطور المماثل والمقترح في ليبيا خطير للغاية ويجب على جميع الليبيين الحراك السلمي ضد هذه الانتهاكات في حق الدولة الليبية ومطالبة الأجهزة الرقابية والتشريعية الليبية بالتدخل لإفشال تنفيد هذا المقترح.

ليبيا ليست بحاجة إلى أن تُسند إدارة احتياطياتها الأجنبية أو نفقاتها إلى وصاية أطراف أجنبية باسم الشفافية أو باسم المصطلح المفتعل (الغذاء مقابل  النفط)، هذه مجرد وسيلة لانتزاع السيطرة الليبية على مواردها والحد من سيادتها ونهب ما تبقى من مذخراتها.

التطور الخطير الآخر وأعتقد أن هذا كان مقدمة للتطور أعلاه أن يصبح من السهل الاستحواذ على هذه الأموال، هذا التطور يتعلق بمداخيل بيع النفط الخام التي يتم إيداعها عادة في المصرف المركزي، إلا أنه الآن وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية وبتحريض من إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، تم الاحتفاظ بمداخيل مبيعات النفط في المصرف الليبي الخارجي بحجة الشفافية.

هذا التصرف خطير للغاية للأسباب التالية:

1- يعتبر المصرف الخارجي صفة قانونية تجارية وليس كيانًا ذا سيادة حتى ولو كان مملوكا بالكامل لمصرف ليبيا المركزي، كما يمكن لأي طرف لديه مطالب على الحكومة الليبية ومؤسساتها الاستيلاء عن طريق المحاكم الدولية على الأموال المودعة في المصرف الخارجي بما فيها مداخيل النفط وعلاوة على ذلك، فإن الميزانية العمومية لهذا المصرف ضعيفة جدا وتعاني من تدهور أصوله وكفاءة رأس ماله وقلة مخصصاته لمحفظة الديون المعدومة والمشكوك فيها، في المقابل يتمتع البنك المركزي بميزانية عمومية قوية، ويُعترف به ككيان سيادي يتمتع بحصانة قانونية خاصة معترف بها في الأوساط الدولية، مما يصعب على أي طرف في الخارج المطالبة أو الاستيلاء على أمواله، لذلك فإن احتياطيات البلاد آمنة مع  المصرف المركزي ولكن ليس بنفس القدر مع المصرف الليبي الخارجي حيث تتعرض هذه الأموال لمخاطر كبيرة كما وضحنا أعلاه.

2- هنالك إشاعات غير مؤكدة بأن عائدات النفط الخام المودعة في المصرف الليبي الخارجي تستخدم حاليا من قبل  المؤسسة الوطنية للنفط في عقود آليات مقايضة لمتطلبات استيراد البنزين والديزل وربما مواد أخرى، إذا كان هذا هو  الحال بالفعل، فالمطلوب على الفور قدر كبير من الشفافية بشأن آلية التسعير والشروط الأخرى مثل كيفية التعاقد والقوانين التي تقوم عليها عقود المقايضة فهي لا تخضع لأي تدقيق مستقل خارج المؤسسة الوطنية للنفط، اعتقد أن هذا الإجراء غير الذي متبع من قبل وأن شراء المنتجات النفطية كان يتبع إجراء مغاير وشفاف.

لهذه الأسباب نُخاطب ونطالب الأجهزة الرقابية والتشريعية على إيقاف هذا التصرف والتدقيق فيه ومساءلة من هم وراء هذا ومحاسبتهم قانونا على تغيير الإجراءات المتبعة من قبل وبأي تفويض قانوني لديهم لهذا التغيير، وأن يصدر المشرع في هذا الشأن قانون خاص يفصل في إيداع كل أموال محاصيل بيع النفط ومشتقاته في مصرف ليبيا المركزي، وإذا كانت الشفافية مطلوبة بقدر أكبر في غياب اجتماعات مجلس إدارة المصرف المركزي فبإمكان السلطة التشريعية أو المصرف المركزي أن يعين مكتب محاسبة دولي يقوم بتدقيق مداخيل النفط والمصروفات التي تدفع من حسابات المصرف المركزي ويصدرها شهرياً للعموم.

كل من هو مدرك لهذه التطورات في المجتمع الليبي في حيرة من أمره بسبب اللخبطة في الإجراءات المتبعة في دوائر الأجهزة الحكومية العديد منها غير قانونية وبدون تفويض رسمي والتي نتجت على إيقاف العديد من المسؤولين الحكوميين عن العمل والتحقيق معهم.

وأيضا عدم كفاءة أعضاء الجهاز التنفيذي والتشريعي والمستشارين المحيطين بهم لعدم فهم هذه القضايا الخطيرة وآثارها على البلاد والمجتمع الليبي مقلقة للغاية، ويجب على كل مواطن ليبيي ومواطنة ليبية اللجوء للاحتجاج السلمي فوراً لمواجهة مثل هذا العمل الإجرامي في حق ليبيا والليبيين.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

عبدالمجيد بريش

رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار السابق

اترك تعليقاً