تقرير: التمويل الأجنبي للأحزاب يُهدد الديمقراطية في تونس

-جدل حول تهديد المال السياسي والتمويل الأجنبي للأحزاب

-مخاوف من تأثير أطراف خارجية في المشهد السياسي

-صفحات للإشهار السياسي مُمولة من الخارج بمبالغ غير مصرح بها

أثار تقرير لمحكمة المحاسبات في تونس حول الانتخابات التشريعية والرئاسية للعام 2019، جدلاً جديداً حول تهديد المال السياسي والتمويل الأجنبي للأحزاب، للمسار الديمقراطي ولنزاهة الانتخابات في البلاد.

يأتي ذلك وسط مخاوف من تأثير تدخل أطراف خارجية في المشهد السياسي التونسي.

وبحسب ما نقلت صحيفة “العربي الجديد”، ذكر تقرير محكمة المحاسبات أن 1159 قائمة من مجمل 1506 قوائم ترشحت للانتخابات التشريعية 2019 قامت بإيداع حساباتها المالية لدى مصالح المحكمة في الآجال القانونية، مؤكدة أنه تم ختم التحقيق في شأن 203 قوائم من أجل إصدار أحكام لفرض غرامات مالية على القوائم المخالفة للقانون من خلال دفع قيمة عشر مرات المبلغ الأقصى للمساعدة الانتخابية العمومية.

وأكدت المحكمة وجود 400 مرشح للبرلمان ينتمون في الوقت نفسه إلى مجالس تسيير جمعيات مما قد ينتج عنه مخاطر تداخل بين تمويل عمل الجمعيات والعمل السياسي.

كما بيّنت المحكمة وجود قرائن قوية ومتضافرة حول تعاقد أشخاص وأحزاب سواء بصفة مباشرة أو لفائدتهم مع شركات أجنبية بقصد كسب التأييد، تتقاطع مدد تنفيذها مع الفترة الانتخابية، إلى جانب شبهة بخصوص أحد الفائزين في الانتخابات التشريعية الذي انتفع بتحويلات وأصدر تحويلات بمبالغ هامة وقام بعمليات سحب تزامناً مع الانتخابات.

ووفقاً للتقرير، فإن المرشح للانتخابات الرئاسية، زعيم حزب “قلب تونس” نبيل القروي، شارك في عدد من أنشطة جمعية “خليل تونس” التي روج لها عبر برنامج تلفزيوني في قناة “نسمة” الخاصة.

وذكر التقرير أن القروي تعامل مع شركة ضغط أجنبية بمبلغ قيمته مليون دولار تم تحويل دفعة منه تساوي 150 ألف دولار من حساب زوجته في الخارج وهو حساب غير مصرح به لدى البنك المركزي.

من جهة أخرى، بيّنت المحكمة من خلال فحص محاضر هيئة الانتخابات أن المرشح للانتخابات الرئاسية يوسف الشاهد رئيس الحكومة الأسبق استعمل موارد الإدارة العمومية أثناء قيامه بأنشطة حملته الانتخابية، وهو ما نفاه الشاهد في رده.

كما رصدت المحكمة صفحات للإشهار السياسي مُمولة من الخارج بمبالغ غير مصرح بها، دُفع مقابلها من حسابات أجنبية، وذكرت المحكمة مخالفات تخص أحزاب “النهضة” و”قلب تونس” و”تحيا تونس” و”آفاق تونس” وقائمات مستقلة.

وفي سياقٍ ذي صلة، قالت رئيسة الحزب “الدستوري الحر” عبير موسى، خلال جلسة عامة برلمانية بحضور محافظ البنك المركزي، رداً على اتهامها بتلقي تمويلات مشبوهة من الإمارات والسعودية، “إنها اتصلت بالبنك المركزي وأعلمته بأن حزبها لا علاقات خارجية له ولا تمويلات أجنبية… وإذا حدث أي شيء من هذا القبيل رغماً عن إرادتنا لأننا لا نتحكّم في من يرسل أموالاً لحسابنا فلا نتحمّل المسؤولية… لأننا لا نتحكّم في من يضخ أموالاً لرصيدنا ولا نعلم مصدرها”.

وأشارت موسى إلى أنه ليس لديها وسيلة للتثبت وللتتبع، لذلك تطالب هيئة التحاليل المالية والبنك المركزي بالقيام بدورهما.

هذا واعتبر نشطاء سياسيون ومدونون أن زلة لسان موسى أوقعت بها وكشفت عن تلقيها أموالاً مشبوهة في محاولة غير مقنعة للتنصل من تمويلات موجودة في حسابات حزبها.

من جانبه، قال الأمين العام لحزب “التيار الديمقراطي” والوزير السابق غازي الشواشي، في تصريح لصحيفة “العربي الجديد”، إن “تقرير محكمة المحاسبات كشف أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية شابتها إخلالات خطيرة جداً تتعلق بشبهات جدية لتمويلات أجنبية من بعض المرشحين في الرئاسية وتمويلات من مصادر مجهولة، واستعمال للجمعيات الخيرية وتوظيف لوسائل، وهو ما يمس بشفافية الانتخابات ونزاهتها وتكافؤ الفرص في الترشح”.

وأكد الشواشي أن “حزب التيار الديمقراطي بصدد دراسة معمّقة لتقرير محكمة المحاسبات وسيلجأ للقضاء حول الانتهاكات والإخلالات الخطيرة، حيث تصل عقوبة متلقي أموال أجنبية لتمويل الانتخابات إلى خمس سنوات سجناً وهي عقوبة صارمة”.

ولفت الشواشي إلى أن “الفرصة سانحة اليوم للضرب على أيدي المتلاعبين بالانتخابات التي مست نزاهتها”، مشيراً إلى أن “هذه الأطراف معلومة، فمنها من تساند الحكومة ولديها كتل كبيرة داخل البرلمان وتسعى للتمكن داخل مفاصل الدولة”، آملاً أن تقوم محكمة المحاسبات بإحالة الملفات والقضايا للنيابة العمومية وأن يقوم القضاء بدوره بالبت فيها بالسرعة اللازمة حتى يتحمّل كل طرف مسؤوليته.

وأضاف يقول: “إذا رغبنا في التأسيس لديمقراطية حقيقية وانتخابات نزيهة وشفافة، يجب قطع الطريق أمام كل من له نيّة لاستعمال المال السياسي وتوظيف الإعلام واستعمال جمعيات العمل الخيري، وهي وسائل تضرب الديمقراطية في الصميم وتعطل المسار الديمقراطي وتجعل من ديمقراطيتنا ديمقراطية واجهة فقط من دون مضمون يخدم مصلحة الشعب”.

من جهته، اعتبر القيادي البارز في حزب “النهضة”، العجمي الوريمي، في تصريح لصحيفة “العربي الجديد”، أن “الاتهامات الصادرة عن معارضين أو منافسين أو خصوم سياسيين للنهضة بتلقي أموال من أطراف وجهات أجنبية مردودة على أصحابها”.

وتابع: “لسنا محل شبهة أو إدانة وكل معاملاتنا شفافة، ونحن حزب قانوني يقدّم تقارير دورية عن أنشطته وبرامجه ويقدّم لمصالح الدولة كل البيانات المطلوبة في آجالها القانونية ووفق الإجراءات المعمول بها”.

وأضاف الوريمي أن “ميزانية الحزب السنوية معلنة ومواردها معلومة ومصرح بها وأبواب صرفها ومجالات إنفاقها محددة بدقة، ونحن نتعاون مع هيئات الدولة بما فيها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وفروعها الجهوية ومصالح وزارة المالية والهيئات الرقابية، كما يصرح قادة الحركة ووزراؤها ونوابها بممتلكاتهم وفق القانون أمام هيئة مكافحة الفساد والتصريح بالممتلكات”.

وأكد الوريمي احترام قانون الأحزاب، وأضاف يقول: “أننا نحتفظ لأنفسنا بحق مقاضاة من يفتري علينا ويدعي بالباطل”، مشدداً على أن “مكتب الشؤون القانونية التابع للحركة يعكف على دراسة إمكانية مقاضاة المفترين وهو ينتظر فقط الإذن من القيادة السياسية للشروع في إجراءات التتبّع”.

وأردف يقول: “ندعو في حركة النهضة جميع الأطراف إلى النزاهة والتزام القانون والمزيد من الشفافية”، معتبراً أن “الصراع ينبغي أن يكون صراع برامج والتنافس يحسم بالصندوق، أما تفسير بعض الأطراف لهزائمهم وخيباتهم الانتخابية بأن النهضة لها إمكانيات مادية أكبر منهم، فهذا هروب من مواجهة الحقيقة والاعتراف بالفشل”.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً