حقوقيون: ليبيا تستند على ترسانة قوانين «القذافي» القمعية في تقييد المجتمع المدني

أفادت منظمات حقوقية ومنظمات مهتمة بحقوق الإنسان، بأن ليبيا لازالت تستند على ترسانة قوانين “معمر القذافي” القمعية في تقييد المجتمع المدني ومصادرة دوره في العملية الانتخابية.

جاء ذلك بحسب رسالة مشتركة لائتلاف المنصة الليبية ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومحامون من أجل العدالة في ليبيا، موجهة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، نشرها مركز مدافع لحقوق الإنسان.

وطالبت الرسالة، رئيس الحكومة بوقف إصدار اللائحة الجديدة المقترحة من حكومته في طرابلس بتاريخ 31 يوليو الماضي، بشأن تنظيم الحق في حرية تكوين الجمعيات العاملة في ليبيا، والتي سبق وأبدت مجموعة من المنظمات الحقوقية تحفظات عليها، نظرًا لما يمثله المقترح من انتهاك صارخ للمادة 15 للإعلان الدستوري 2011، والمادة 22 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ووفقًا لتفسير لجنة حقوق الإنسان والمقرر الخاص للأمم المتحدة الخاص بحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات لهذه المادة.

وبحسب اللائحة المقترحة، تلتزم كافة الجمعيات العاملة في ليبيا بإعادة التسجيل وفق أحكام اللائحة الجديدة، ويكون للإدارة المُنظِّمة لعمل المجتمع المدني مُنفردة حق قبول أو رفض التسجيل، والموافقة على فتح حساب بنكي للجمعية، فضلًا عن إمكانية إغلاقه أو تجميده، كما تجبر اللائحة الجمعيات على الحصول على تصريح مسبق من الإدارة المنظمة قبل التواصل مع مكاتب الأمم المتحدة، أو قبول أي تبرعات.

ونوهت الرسالة إلى أن هذه الإجراءات، وغيرها من مواد اللائحة المقترحة، تتعارض بشكل واضح مع الضمانات التي يكفلها البند 22 من العهد الدولي، وفقًا لما جاء في تقرير المقرر الخاص المعني بحرية التنظيم، والمقدم للجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو2012، بشأن التزام الدول الموقعة على العهد الدولي بالاستناد لحكم قضائي في حل الجمعيات، وليس قرار من السلطة التنفيذية، فضلًا عما سبق وأشار له التقرير بأنه “لا ينبغي أن تتخذ قرارات حل المنظمات إلا في حالات غاية في الجسامة، ولا ينبغي تنفيذ إجراءات الحل المذكورة إلا بموجب قرار قضائي بحيث تكون حقوق الدفاع مكفولة تمامًا. ولا يمكن الطلب من الجمعيات المسجلة إعادة التسجيل مرة أخرى”.

وأشارت الرسالة إلى أن مقترح اللائحة بالحصول على تصريح مسبق من الإدارة المنظمة لعمل المجتمع المدني قبل أي تواصل أو تعاون خارجي، يعد محاولة تقنين لممارسة تعسفية بدأتها مفوضية المجتمع المدني في طرابلس عام 2020، حين ألزمت الجمعيات الراغبة في التواصل أو التعاون مع جهات دولية باستخراج تصريح مسبق منها، بما في ذلك في حالات التواصل مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، أو بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والاتحاد الأوروبي، كما تتطابق اللائحة المقترحة في موادها من حيث التقييد التام لحرية تكوين الجمعيات مع اللائحة رقم 286 الصادرة عن المجلس الرئاسي والمطبقة في غرب ليبيا منذ 2019، واللائحتين 1 و2 الصادرتين عن حكومة الثني في شرق وجنوب ليبيا عام 2016.

ولفتت الرسالة أيضاً، إلى أن اللائحة المقترحة يشوبها البطلان بسبب عدم الاختصاص، كما سبق وأن شاب البطلان القرار 286 لعام 2019 واللائحتين 1 و2 لعام 2016 للسبب نفسه، ما يجعلها دون قيمة قانونية وذات فعالية معدومة، وذلك بالقياس على حكمي المحكمة العليا الليبية، بخصوص الطعن الإداري رقم 37/39 الصادر في ديسمبر 1991، والطعن الإداري رقم 163/49 الصادر في نوفمبر 2005، إذ جاء في الأول: “أن الفقه جرى على أن العمل الإداري لا يفقد صفته الإدارية ولا يكون معدومًا إلا إذا كان مشوبًا بمخالفة جسيمة، وذلك بأن كان القرار معيبًا بعيب جوهري من شأنه أن يجعله من قبيل الفعل المادي، كأن تباشر السلطة التنفيذية عملًا من اختصاص السلطة التشريعية أو السلطة القضائية”، بينما أكد الثاني أن: “القرار الإداري إذا كان مشوبًا بعيب عدم الاختصاص، فإنه يكون معدومًا بسبب ما شابه من عيب جسيم ولا يتقيد رفع الدعوى في هذه الحالة بميعاد معين”، ويُذكر أن عددًا من المحامين الليبيين والجمعيات المحلية قد تقدموا بطعن إداري رقم 293 لعام 2021 أمام الدائرة الإدارية الثانية ببطلان القرار رقم 286 الصادر في 2019.

وأعرب ائتلاف المنصة ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومحامون من أجل العدالة في ليبيا عن أملهم في أن تتبع حكومة الوحدة الوطنية نهجًا مختلفًا عن السلطات التنفيذية المتعاقبة منذ عهد القذافي، والتي استمرت في تقييد الحق في حرية تكوين الجمعيات بقرارات منفردة، وبشكل يتعارض مع الإعلان الدستوري 2011، وأحكام المحكمة العليا، وقانون العدالة الانتقالية الصادر في 2013، والتزامات ليبيا الدولية وفقًا للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والذي على أساسه تم انتخاب المجلس الرئاسي والحكومة.

كما أعربت المنظمات عن تطلعها لمناقشة وتبني مقترح القانون الذي أعدته منظمات الائتلاف بالتعاون مع عدد من المنظمات المحلية، وتقديمه لمجلس النواب ومجلس الدولة في سبتمبر الجاري، بشأن تنظيم الحق في تكوين الجمعيات بشكل يتماشى مع التزامات ليبيا الدولية.

وذكَّرت الرسالة بأنه سبق وأن خاطب ائتلاف المنصة ومركز القاهرة، السلطات التنفيذية منذ نوفمبر 2019، ومن بينها مفوضية المجتمع المدني، بضرورة وقف القيود المفروضة علي عمل الجمعيات، وإلغاء القرار 286 لسنة 2019 واللائحتين 1 و 2 لعام 2016، فمنذ عام 2016 وحتى العام الجاري صدرت ثلاثة قرارات من السطات التنفيذية تعكس إصرارها في الشرق والغرب على وأد حرية تكوين الجمعيات، والتحكم فيها دون قانون ملزم، واغتصاب الصلاحيات المخولة للسلطة التشريعية وفقًا للإعلان الدستوري2011. إذ تتشابه القرارات الثلاثة في الانتهاك الصارخ لالتزامات ليبيا الدولية بحماية حرية تكوين الجمعيات، وفقاً لنص الرسالة.

وبحسب الرسالة، تأتي اللائحة المقترحة الجديدة، لتنصب الإدارة المنظمة للمجتمع المدني كخصم وحكم في الوقت نفسه، إذ تخول لها بشكل منفرد إلزام الجمعيات المسجلة بإعادة التسجيل، كما تعطيها الحق بشكل منفرد ودون إشراف قضائي في حل الجمعيات أو قبول أو رفض تسجيلها، وإمكانية تجميد حسابها البنكي، والموافقة المسبقة على قبول المنح والتصريح بالتواصل مع المجتمع الدولي.

هذا وطالبت المنظمات حكومة الوحدة الوطنية باتخاذ عدة إجراءات تتمثل في:

  • التوقف فورًا عن عرقلة عمل الجمعيات وقدرته على التواصل مع آليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان
  • إلغاء القرارات التنفيذية المشار إليها وعدم إصدار اللائحة الجديدة المقترحة في يوليو 2021 بشأن تنظيم تكوين الجمعيات
  • تبني مقترح القانون المقدم لمجلس النواب ومجلس الدولة من ائتلاف المنصة لتنظيم حرية تكوين الجمعيات
  • العمل على تشكيل إدارة موحدة لتنظيم المجتمع المدني، وتدريب أعضائها بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والمقرر الخاص المعني بحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، لضمان التزامها بالمعايير الدولية والضمانات التي يكفلها العهد الدولي
  • التوقف عن ملاحقة ممثلي المجتمع المدني أمنيًا وقضائيًا بسبب عملهم، والإفراج عن المحتجزين منهم مثل منصور عاطي المغربي
  • فتح تحقيقات جادة مع المسئولين عن حالات الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي لنشطاء المجتمع المدني في وزارتي الداخلية والدفاع
اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً